وذكرت جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" في تقرير أصدرته اليوم الثلاثاء، إن العنف والاعتداءات الجنسية تدفع بالعديد من النساء في الأردن إلى الانتحار أو محاولة الانتحار، كاشفة مضمون بعض المقابلات التي أجرتها مع عدد من الحالات ضمن دراسة "الانتحار بين الإناث" نفذتها عام 2018.
شهادات مؤلمة
ومن هذه القصص ما تعرضت له إيمان (اسم مستعار) وهي متزوجة وحامل في الثلاثينات من عمرها وتعمل براتب شهري يقل عن 200 دينار، يتيمة الأب ووالدتها طاعنة في السن، ولديها شقيقان وتسع شقيقات جميعهم متزوجون وأكبر منها عمراً.
وتقول إيمان وفق تقرير تضامن: "إن علاقتي بوالدتي وأخواتي جيدة، أما علاقتي بأخي الأكبر سيئة جداً نتيجة تسلطه وظلمه وضربه الشديد لي، وتركت المدرسة وأنا بالصف العاشر على الرغم من مستواي العلمي الجيد لهذا السبب".
وتكمل: "أصبحت زوجة أخي تحرضه ضدي وتتهمني بشرفي، فقام أخي بضربي ضرباً مبرحاً وربطني بالجنزير وحبسني بغرفة مغلقة، وعندما كانوا يدخلون الطعام لي كانوا يفكون الجنزير من يد واحدة ويتركون يدي الأخرى مربوطة، وبقيت على هذا الحال لمدة ستة أشهر، حتى ساء وضعي النفسي، ولا يستطيع أي من شقيقاتي أو أخي الآخر إقناعه بتركي، حتى أن والدتي لم تستطع إقناعه".
وتتابع إيمان "خططت أن أنتحر لكي أتخلص من هذه الحياة، وأحضرت شفرة من درج الغرفة، وشرحت يدي، ولم يحصل لي أي شيء، فقمت بإحضار 155 حبة دواء من أدوية والدتي الموجودة في الغرفة حيث أنا محبوسة وشربتها جميعها، بعدها أصابني دوار واستفرغت الأدوية، ولم يعلم بذلك أحد سوى والدتي التي قامت بتوبيخي ولم أراجع المستشفى".
أما رانيا (اسم مستعار) فهي مطلقة بدون أبناء، وتعمل بشكل متقطع، في منتصف العشرينات من عمرها حاولت الانتحار أكثر من مرة بسبب اعتداءات والدها الجنسية عليها. وتحكي قصتها قائلة: "عشت حياة أسرية مفككة وكان والداي منفصلين منذ كان عمري سنتين، ولدي أخت وأخ من والدتي، وأخت وأخان من والدي. وبسبب تدني مستواي التعليمي خرجت من المدرسة منذ الصف الأول ثانوي".
وتكمل رانيا "تعرضت لتحرش جنسي من قبل والدي أكثر من مرة، وعندما أخبرت والدتي بالأمر طلبت مني السكوت وعدم إخبار أحد، ومنذ ذلك الحين أصبحت نفسيتي سيئة جداً، واستمر تحرش والدي بي ما دفعني الى التفكير بالانتحار للتخلص من هذه الحياة، شربت كمية من الأدوية لا أعرف ما هي بالضبط، إلا أنني استفرغتها وشعرت بدوخة. وعرف والدي بذلك إلا أنه لم يكترث، فكررت محاولات الانتحار عدة مرات إلا أنني لم أنجح في إنهاء حياتي".
وتقول: "ضغوطات الحياة وعدم الرضا عن حياتي التي أعيشها، وكلما أتذكر تحرش والدي أكره نفسي وأكره الحياة". وأشارت إلى أنها كانت تصاب بحالة نفسية أسوأ كلما فشلت في الانتحار وإنهاء حياتها، وبعد آخر محاولة تم تحويلها لإدارة حماية الأسرة وعرضها على طبيب نفسي".
دوافع الانتحار تتداخل
وفق "تضامن" أصبح موضوع الانتحار في الأردن ومحاولاته خصوصاً بين الإناث قضية ذات أهمية بالغة بعد الارتفاع المستمر في عدد الحالات خلال السنوات السبع الماضية (2012-2018). وتزايدت نسبة الإناث المنتحرات من نحو 30 في المائة إلى 62 في المائة خلال العامين المذكورين. وعن أسباب ودوافع الانتحار يشير التقرير إلى المعاناة من الفقر والبطالة، والاضطرابات والأمراض النفسية، والمخدرات، إضافة إلى العنف والتمييز وعدم المساواة بين الجنسين.
وصنفت إدارة المعلومات الجنائية في مديرية الأمن العام الأردنية (وهي الجهة الوحيدة في الأردن التي تمتلك معلومات تفصيلية) أسباب ودوافع الانتحار ومحاولات الانتحار ضمن تصنيفات مختلفة، وهي أسباب عاطفية، ومالية وأخلاقية وإنسانية، والفشل والإحباط، وخلافات عائلية وشخصية، وأمراض ومشاكل نفسية، وأخرى مجهولة.
إلا أن تلك التصنيفات تتداخل فيما بينها وفق "تضامن"، وبعضها قد لا يكون معبراً عن الأسباب الحقيقية للانتحار، ولا تبين بوضوح حالات الانتحار أو محاولات الانتحار بين الإناث الناتجة عن العنف القائم على النوع الاجتماعي. ولا تظهر الأرقام الواردة من إدارة المعلومات الجنائية "الدوافع" مفصلة حسب الجنس، وإنما تشمل الجنسين الذكور والإناث.
ويعتبر التقرير أن التقليل من المواد والأدوات الأكثر شيوعاً وانتشاراً في تنفيذ الانتحار كالمبيدات الحشرية والأسلحة النارية والوصول الى الأماكن المرتفعة أو الجسور من الوسائل الناجحة في الحد من حالات الانتحار. ولفت إلى أن الانتحار لا يرتبط دائماً بعوامل نفسية أو مرضية، وإنما قد يحدث لأشخاص يتمتعون بصحة نفسية جيدة.
يذكر أن الانتحار ظاهرة عالمية، وتقع حالة انتحار واحدة في العالم كل 40 ثانية، وهو أكثر انتشاراً في الدول ذات الدخل المتدني أو المتوسط، ويحدث في مختلف المراحل العمرية وبين الجنسين. ففي الدول الغنية يمثل عدد الذكور المنتحرين ثلاثة أضعاف النساء المنتحرات وتنخفض النسبة في الدول المتوسطة والمتدنية الدخل الى النصف، فيما تشكل حالات الانتحار 50 في المائة من جميع الوفيات الناجمة عن العنف ضد الذكور، بينما تشكل 71 في المائة من جميع الوفيات الناجمة عن العنف ضد النساء. كما أن إلغاء العديد من الدول تجريم الانتحار ساعد في نجاة العديد منهم لطلبهم المساعدة دون خوف.