ستعود هيئة العلماء المسلمين في لبنان، إلى تأدية دور الوسيط بين الحكومة اللبنانيّة وخاطفي العسكريين في منطقة القلمون السورية، رغم عدم حصولها على تفويض رسمي وعلني من الحكومة لتأدية هذه المهمة. جالت الهيئة، يوم الثلاثاء الماضي، على المعنيين بملف التفاوض من الجهة اللبنانيّة، من مسؤولين عسكريين وسياسيين، فالتقت رئيس اللقاء الديمقراطي النائب، وليد جنبلاط، ووزيري الداخلية، نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي، ورئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي، وقائد الجيش، جان قهوجي، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء، إبراهيم بصبوص، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم. خرج وفد الهيئة من هذه اللقاءات، بكثير من الدعم اللفظي. وبحسب ما يقول أحد أعضاء الوفد لـ"العربي الجديد"، فإنّ "الحكومة تريد طوق نجاة، وهي لم تكن تعرف ما الذي ستقوم به بعد توقف الوساطة القطرية".
اللافت أن رئيس الحكومة، تمام سلام، لم يلتقِ الوفد خلال جولته البيروتيّة، وحدّد مكتبه موعداً له بعد عودته من زيارته إلى فرنسا، يوم السبت المقبل. وبحسب المعلومات المتقاطعة، فإن سلام لا يُحبّذ قيام هيئة العلماء بدور الوسيط كما يرفض المقايضة، في موقف لم يُفهم بعد، لاسيما وأن تيار المستقبل، وخصوصاً فؤاد السنيورة، يؤيّد وساطة الهيئة ومبدأ المقايضة بشكلٍ كبير. وقد توترت العلاقة بين السنيورة وسلام على خلفيّة هذا الموقف.
وأشارت مصادر سياسيّة إلى أن موقف سلام قد يكون نتيجة ضغوط غربيّة يتعرّض لها، خصوصاً من الأميركيين الذين يرفضون إطلاق سراح بعض الموقوفين الإسلاميين. ولذلك، اقترح جنبلاط على وفد الهيئة، أن يكون التواصل مباشراً مع رئيس الوزراء الأسبق، سعد الحريري، للطلب منه ممارسة ضغط على سلام، وتأمين غطاء إقليمي لمبدأ المقايضة.
لا تقتصر مروحة غير المرحبين بوساطة هيئة العلماء على سلام، بل إن موقف حزب الله أكثر حزماً من موقف سلام. فالحزب لا يُريد أي دور للهيئة، وهذا الأمر مرتبط بموقفه منها، ومن رئيسها الحالي الشيخ سالم الرافعي. فالاسم المقبول لدى حزب الله كان الشيخ مالك جديدة، لكن الأخير انشق عن الهيئة أخيراً. والحزب وافق على مبدأ المقايضة واضعاً شروطاً عليها، خصوصاً لجهة عدم القبول بأن تشمل عدداً من الموقوفين المتهمين بالضلوع في تفجيرات الضاحية الجنوبية. كما أن موقف الجيش اللبناني ليس إيجابياً بشكلٍ كبير تجاه الهيئة أو حيال مبدأ المقايضة. وتقول مصادر رسميّة إن الجيش رفض بالمطلق أي طرح لتسوية وضع حسام الصباغ، وهو القيادي السلفي الذي أوقفه حاجز للجيش اللبناني في طرابلس شمال لبنان. كما أن التيار الوطني الحرّ (برئاسة النائب ميشال عون) وحزب الكتائب لا يُرحبان بمساعي الهيئة، ويرفضان مبدأ المقايضة بالكامل، بحسب ما أبلغ وفد الهيئة.
أمّا لجهة الموافقين على وساطة هيئة العلماء، فقد تعهّد المشنوق وإبراهيم بتأمين مستلزمات هذه الوساطة، والأبرز في هذا المجال الوعد بإطلاق سراح سجى الدليمي وعلا العقيلي وأطفالهما بعد أن يُصدر الخاطفون بياناً يتعهّدون به عدم قتل أي عسكري إضافي. وقد طلب الوفد من المسؤولين إطلاق سراح علا، خصوصاً أن ملفها القضائي فارغ تماماً، ولا يوجد أي مسوّغ لاعتقالها، خصوصاً أن "الدولة ليست مليشيا". على الرغم من ذلك، رفض المعنيون هذا الأمر، لأن توقيف السيدتين يُعتبر "ورقة قوّة".
لكن لماذا قرّرت "الهيئة" السير بالوساطة مع معرفتها بحقيقة هذه المواقف، وهو ما يعني أنّ احتمالات الفشل عالية جداً؟ تقول مصادر في الهيئة، إن الرافعي ظلّ رافضاً دخول الوساطة بدون تفويض رسمي "حتى التقى أهالي العسكريين وحنّ قلبه". لكن هذا السبب غير مقنع تماماً.
تُشير مصادر أخرى في هيئة العلماء إلى أن قيادة الهيئة تتخوّف من تطوّر الأمور بشكلٍ سلبي جداً في حال لم يتدخّل أحد لسحب فتيل الانفجار. ومن هنا، تعتبر الهيئة أن تدخلها وقائي لمنع انجرار البلد إلى فتنة مذهبية وربما أبعد من ذلك. ففي حال بقيت الأمور على ما هي،"وأقدم الخاطفون على قتل عسكريين آخرين فإننا نتخوّف من فتنة سنية ــ شيعية، أو حتى سنيّة ــ درزية أو سنية ــ مسيحية"، على اعتبار أن معظم الجنود الذين لا يزالون في قبضة الإسلاميين في القلمون، هم من المذهب الشيعي والمسيحي والدرزي، بالتالي، فإنّ الخوف كبير من عمليات انتقامية في حال جرت تصفية هؤلاء.
والأخطر من ذلك ما أبلغه وفد الهيئة للمعنيين من معطيات من ميدان التماس مع جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) في جرود عرسال (شرقي لبنان). فالجيش اللبناني ينسحب ليلاً من عدد من مواقعه في الجرود ويُعيد انتشاره نهاراً، خوفاً من هجوم على مواقعه. كما أن أعداد "داعش" في القلمون قد تضاعفت بشكلٍ كبير ووصلت إلى نحو 1500 مقاتل، "بسبب اعتقال الجيش اللبناني لقيادات من الجيش الحرّ ما يعزل المجموعات التابعة لهؤلاء عن قياداتها ويحرمها من مصادر تمويلها، ما يدفع العناصر إلى الانضمام إلى "داعش". وقد تبادل الوفد مع من التقاهم معطيات حول هذا الأمر، وأسماء ضباط الجيش الحرّ الموقوفين لدى الأجهزة العسكريّة اللبنانيّة (أبرزهم العقيد المنشق عبدالله الرفاعي). وبحسب المعلومات الوزاريّة، فإن الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة تحتجز ستة ضباط في الجيش السوري الحرّ طلبت مصادر "العربي الجديد" عدم الكشف عن أسمائهم، تحت حجة استخدامهم كورقة تفاوض مع الخاطفين، علماً بأن أحد هؤلاء كان معتقلاً لدى "داعش". وقد أدّى توقيف هؤلاء إلى انضمام معظم مجموعاتهم إلى "داعش" التي وعدت بالانتقام لهم، كما أنها تملك فائضاً مالياً. كل ذلك على الرغم من أن مجموعات الجيش الحرّ رفضت الهجوم على الجيش اللبناني بالمطلق، كما أنها ترفض أي عمل أمني أو عسكري في لبنان. كما أن عديد "داعش" قبل الهجوم على عرسال لم يتجاوز 50 عنصراً، ثم انضمت إليها مجموعة الموقوف عماد جمعة الذي اندلعت المعارك بسبب توقيفه.
كما تقاطعت المعلومات بين وفد هيئة العلماء ومن التقاهم، لجهة تهديد "داعش" بشنّ هجوم واسع على عرسال، للانطلاق منها إلى بلدة اللبوة (ذات الغالبية الشيعية والمؤيدة عموماً لحزب الله) "بهدف الانتقام للنساء" (الدليمي والعقيلي). ومن هنا تعتبر هيئة العلماء أن إعادة إحياء وساطتها هدفه الرئيسي في الظرف الحالي سحب فتيل الانفجار، لذلك تجاوزت قرارها السابق بعدم الدخول في أي وساطة من دون تكليف علني ورسمي من الحكومة.