بينما تخطت أصداء تبعات تعويم العملة المحلية على المواطنين في مصر، حدود الدولة، وباتت نموذجاً مخيفاً لشعوب المنطقة، كما هو الحال في تونس، لا تكف الحكومة المصرية عن التأكيد على أن القرار صائب وساهم في تحسين مؤشرات الاقتصاد المحلي بشكل عام.
"موضوع الدولار ده مش هيستنى كده كتير، لأن ده مش سعره العادل"، هكذا قال الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد شهر واحد من قرار تحرير سعر الصرف الذي اتخذه البنك المركزي في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقتها كان سعر الدولار يتأرجح بين 17 و18 جنيها، مقابل 8.88 جنيهات قبل قرار التعويم.
ومع مرور ستة أشهر بالتمام على هذا الإجراء المصيري، تُظهر بيانات المصارف أن سعر الدولار لا يزال يحوم حول مستوى 18 جنيها، وأعلى من ذلك قليلا في شركات الصرافة، ما يؤكد انفلات زمام العُملة من يد الحكومة، ليستقر عند مستويات منخفضة أرهقت الشعب الذي يعتمد مُجبرا على البضائع المستوردة في سد أغلب احتياجاته.
ويتجلى أن المستوى المتدني الذي وصل إليه الجنيه، لم يكن ضمن توقعات الحكومة ولا أي من مؤسسات المال، بما فيهم صندوق النقد الدولي الذي طلب من مصر تطبيق التعويم كأحد شروط تمرير قرض بقيمة 12 مليار دولار.
غير أن واقعا جديدا فرض نفسه على المشهد بعد تعويم الجنيه، يتمثل في ارتفاع أسعار السلع بنسب تصل إلى الضِعف أحيانا، وقفز التضخم لمعدلات هي الأعلى في أكثر من ثمانية عقود وتسريح عشرات آلاف العمال من المصانع وركود في الأسواق بسبب الغلاء المطرد، خاصة ما يتعلق بالسلع المستوردة.
وقال المحلل المالي هشام إبراهيم، لـ"العربي الجديد": "الجنية والدولار لا يزالان في مرحلة الشد والجذب، ولم يستقر الوضع النهائي"، مضيفا أن التعويم كان خطوة ضرورية، ولكن كان يجب أن يكون مسبوقا بمنح تمويلات للمشروعات وإنهاء مشاكل المصانع المتعثرة وغيرها من القرارات التي تدعم الإنتاج المحلي، وبالتالي تخفف من حدة الأسعار والتضخم.
ومع ثبات دخول الموظفين، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، وعدم زيادتها لتتماشى مع القيمة الجديدة للعملة المحلية، تغيرت خارطة الفقر في الدولة، وبات الخط الذي يفصل بين الطبقة الفقيرة وغيرها، أكثر سُمكا، حيث قفزت معدلات الفقر لأكثر من الضعف، وفقا لتقديرات غير رسمية، استنادا إلى المستوى الذي يعتمده الجهاز المركزي المصري للإحصاء، وهو ذاته المعيار الذي يحدد البنك الدولي بدولارين يوميا كدخل للفرد.
في المقابل، تقول الحكومة إن القرار ساهم في جذب استثمارات أجنبية، ورفع معدلات السياحة وأنعش أداء البورصة واحتياطي النقد الأجنبي.
غلاء متسارع
لم تتوقف نسب التضخم عن وتيرتها المتسارعة في الصعود منذ قرار تحرير العملة. ووفق بيانات رسمية، وصل معدل التضخم السنوي في مصر إلى 32.5% بنهاية مارس/ آذار الماضي، وهي النسبة الأعلى منذ نحو 80 عاماً، وسط عجز حكومي عن وقف الغلاء.
وقال الخبير الاقتصادي وائل النحاس، لـ"العربي الجديد": "قرار التعويم هو أسوأ إجراء اتخذته الحكومة المصرية"، مقدرا حجم الخسائر الاقتصادية من جراء التعويم بنحو تريليوني جنيه (111 مليار دولار)، تمثل فارق عجز الموازنة وفوائد الدين العام بالأسعار الجديدة عما كانت عليه قبل التعويم، فضلا عن زيادة الدين العام الخارجي وارتفاع كلفة استيراد السلع الأساسية، وتدني القيمة الشرائية للعملة المحلية وانحسار النهج الاستهلاكي للمواطنين.
واعتبر النحاس أن التدفقات المالية والاستثمارية التي دخلت مصر عقب التعويم، هي أموال ساخنة لا تحفز الاقتصاد ولا تساهم في دفع عجلة الإنتاج.
وقال إن استثمارات الأجانب تركزت منذ قرار التعويم في أدوات الدين القصيرة التي لا تتجاوز 6 أشهر والبورصة التي يمكن الدخول والخروج منها بسلاسة، مستفيدين من ارتفاع أسعار الفائدة.
وأكد أن المواطن المصري هو الضحية لتحرير العملة، وأن الأسعار لن تنخفض طالما تعتمد الحكومة سياسات كهذه، محذرا من موجة ارتفاع للدولار قريبا مع دخول شهر رمضان الذي تزيد فيه عمليات استيراد السلع، ولا سيما الغذائية منها.
حصار الصناعة
وعانت الصناعة المحلية كثيرا خلال الأشهر الستة الماضية، مع تخلي البنك المركزي عن توفير النقد الأجنبي اللازم لها، والذي تحتاجه لشراء مدخلات الإنتاج من الخارج.
وبالرغم من تداول الجنيه لأكثر من عامين - قبل تحرير العملة - خارج إطار السوق الرسمية بأسعار تزيد عن السعر الرسمي بنسب وصلت إلى 100% أحيانا، كان البنك المركزي يلتزم بتدبير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الأساسية والمواد الخام اللازمة للمصانع، ما حال دون تأثر قطاع الصناعة بفعل غلاء الدولار في السوق السوداء.
لكن مع تحرير العملة، وجدت المصانع نفسها مجبرة على شراء الدولار بأسعار تزيد عن تلك التي كان يوفرها البنك المركزي بأكثر من 110%.
ولم تقف حدود معاناة المصانع عند التعويم، بل إن القرارات المصاحبة له، والتي جاءت في إطار برنامج اقتصادي تعهدت مصر لصندوق النقد بتنفيذه، كان لها تأثير كبير خلال الأشهر الستة الماضية، مثل ارتفاع رسوم استيراد الخامات وكلفة الوقود والغاز.
وقال رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر، محمد المنوفي، لـ"العربي الجديد"، إن كافة الرسوم ارتفعت، بالإضافة إلى الضرائب، وإن قرار التعويم بقدر ما يحمل مؤشرا لزيادة الاستثمارات الأجنبية، إلا أن هناك عوائق كثيرة في توفير تمويل للمصانع، فضلا عن زيادة أسعار الغاز والكهرباء والسولار، وهي مواد تحصل عليها المصانع بأسعار مقومة بالدولار.
وقال إن أسعار الأجهزة الكهربائية ارتفعت بشكل كبير بعد التعويم، بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية على بعض الخامات وأسعار الصرف، ما أفضى إلى تعثر حركة البيع.
وقال رئيس المجلس التصديري للغزول، مجدي طلبه، إن المكون الأجنبي في صناعة النسيج مرتفع للغاية، ما يعني زيادة الكلفة، ويؤدي لأزمة في التعاقدات التصديرية التي كانت المصانع قد وقعتها، حيث تتحمل فروق الأسعار.
وأشار لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة أن تحفّز الحكومة صناعة الملابس والنسيج لإنعاشها محليا، لافتا إلى أن عددا كبيرا من المصانع خفض الإنتاج وقلل دوامات العاملين بسبب رسوم الغاز التي ارتفعت لأكثر من الضعف بعد تعويم العملة فضلا عن ارتفاع كلفة الاستيراد.
ركود الأسواق
مع القفزات المتتالية في أسعار كل السلع في مصر، وجد المواطنون أنفسهم أمام نمط استهلاكي جديد، مجبرون فيه على تقليص الإنفاق بشكل أوتوماتيكي، فالدخل الثابت لا يمكن أن يشتري الأحجام ذاتها التي تتعرض لتغير في قيمتها.
ولم يعد أمام المواطنين سوى تقليص نفقاتهم على مستلزمات ما لصالح أخرى، كمّا وكيفا، بفعل تدهور قيمة العملة المحلية، ما أضر بالأسواق وفرض حالة من الركود طاولت كل القطاعات تقريبا، على رأسها الأغذية والملابس والسيارات والعقارات والسياحة الداخلية والتعليم الخاص.
وعلى سبيل المثال، لم يكن حظ قطاع السيارات أفضل من غيره، حيث تأثر كثيرا، بعدما قفزت أسعار المركبات لأكثر من الضعف في الأشهر الستة الماضية، تلك زيادات أفضت إلى إحجام المستهلكين.
وأكد خالد سعد، عضو مجلس معلومات سوق السيارات، أن نسبة المبيعات هوت في غالبية الشركات بسبب تحرير سعر الصرف.
وقال لـ"العربي الجديد": "كنا نعاني قبل التعويم بسبب عدم القدرة على توفير الدولار، وكنا نضطر لتوفير العملة من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، الأمر الذي قلص هامش الربح، إلا أن المبيعات كانت أفضل بسبب المحافظة على مستويات أسعار مقبولة، أما حاليا فغالبية المصانع تعاني".
ولا تصنّع مصر السيارات، حيث تعتمد إما على استيراد الوحدات في شكلها النهائي أو استيراد أجزاء السيارات وتجميعها بمصانع متخصصة داخل مصر.
وأشار سعد إلى تنظيم حملات حاليا لخفض الأسعار عبر التخلي عن هوامش أرباح الشركات، في مسعى لتصريف المخزون بالسوق.
وفي قطاع العقارات، سجلت أسعار الوحدات بمختلف نشاطاتها ارتفاعا يصل إلى 50% في المتوسط، خلال الأشهر الستة الماضية، وفق مهنيين.
وقال رئيس شعبة الاستثمار العقاري بـ6 أكتوبر، رشاد عبد اللطيف، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ارتفاعا كبيرا في أسعار العقارات، خاصة في المناطق التي تتميز بوحدات سكنية راقية، بسبب ارتفاع كلفة مواد البناء وصعوبة استخراج تراخيص البناء حاليا، فضلا عن رفع قيمة الأصول العقارية بشكل عام في مصر، لتواكب التغير الكبير الذي سجله سعر صرف العملة المحلية.
وحمّل عبد اللطيف قانون الضريبة على القيمة المضافة جزءا من أسباب ارتفاع الأسعار في القطاع، حيث تخضع "التصرفات" العقارية للضريبة، ما رفع الأسعار بنسب تراوحت بين 30% و50%، مشيرا إلى أن حركة المبيعات كانت منحسرة في الفترة الماضية.
وأكد أن البيع بالتقسيط بات السمة الأكثر شيوعا في القطاع، حيث لا تمثل مبيعات الدفع النقدي الكامل (الكاش) أكثر من 10% من إجمالي التعاملات بسبب الأزمات المالية التي يعانيها المواطنون.
نظرة متفائلة
ورغم الانعكاسات الخطرة لقرار تعويم العملة على معيشة عشرات ملايين المواطنين وتفاقم عجز الموازنة وأعباء الديون الخارجية والداخلية، تقول الحكومة إنها بدأت حصاد هذا الإجراء، الذي ساهم في تحفيز تدفقات النقد الأجنبي والاستثمارات الخارجية وحسّن الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وأنعش أداء البورصة.
وقال البنك المركزي المصري، في بيان أمس الثلاثاء، إن تحويلات المواطنين المقيمين خارج البلاد زادت بنسبة 13.8% في الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني إلى مارس/ آذار.
وأوضح أن البيانات الأولية للبنك أظهرت ارتفاع إجمالي تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو 964.8 مليون دولار ،لتصل إلى نحو ثمانية مليارات دولار من نحو سبعة مليارات في الفترة ذاتها قبل عام.
وأعلنت الحكومة أن مؤشر البورصة ارتفع بنسبة 56.8% منذ قرار التعويم وحتى نهاية مارس/ آذار.
وقال وزير الصناعة والتجارة، طارق قابيل، قبل أيام، إن الواردات انخفضت بعد تعويم الجنيه بقيمة 7 مليارات دولار، فيما ارتفعت الصادرات بقيمة مليار دولار.
اقــرأ أيضاً
"موضوع الدولار ده مش هيستنى كده كتير، لأن ده مش سعره العادل"، هكذا قال الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد شهر واحد من قرار تحرير سعر الصرف الذي اتخذه البنك المركزي في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقتها كان سعر الدولار يتأرجح بين 17 و18 جنيها، مقابل 8.88 جنيهات قبل قرار التعويم.
ومع مرور ستة أشهر بالتمام على هذا الإجراء المصيري، تُظهر بيانات المصارف أن سعر الدولار لا يزال يحوم حول مستوى 18 جنيها، وأعلى من ذلك قليلا في شركات الصرافة، ما يؤكد انفلات زمام العُملة من يد الحكومة، ليستقر عند مستويات منخفضة أرهقت الشعب الذي يعتمد مُجبرا على البضائع المستوردة في سد أغلب احتياجاته.
ويتجلى أن المستوى المتدني الذي وصل إليه الجنيه، لم يكن ضمن توقعات الحكومة ولا أي من مؤسسات المال، بما فيهم صندوق النقد الدولي الذي طلب من مصر تطبيق التعويم كأحد شروط تمرير قرض بقيمة 12 مليار دولار.
غير أن واقعا جديدا فرض نفسه على المشهد بعد تعويم الجنيه، يتمثل في ارتفاع أسعار السلع بنسب تصل إلى الضِعف أحيانا، وقفز التضخم لمعدلات هي الأعلى في أكثر من ثمانية عقود وتسريح عشرات آلاف العمال من المصانع وركود في الأسواق بسبب الغلاء المطرد، خاصة ما يتعلق بالسلع المستوردة.
وقال المحلل المالي هشام إبراهيم، لـ"العربي الجديد": "الجنية والدولار لا يزالان في مرحلة الشد والجذب، ولم يستقر الوضع النهائي"، مضيفا أن التعويم كان خطوة ضرورية، ولكن كان يجب أن يكون مسبوقا بمنح تمويلات للمشروعات وإنهاء مشاكل المصانع المتعثرة وغيرها من القرارات التي تدعم الإنتاج المحلي، وبالتالي تخفف من حدة الأسعار والتضخم.
ومع ثبات دخول الموظفين، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، وعدم زيادتها لتتماشى مع القيمة الجديدة للعملة المحلية، تغيرت خارطة الفقر في الدولة، وبات الخط الذي يفصل بين الطبقة الفقيرة وغيرها، أكثر سُمكا، حيث قفزت معدلات الفقر لأكثر من الضعف، وفقا لتقديرات غير رسمية، استنادا إلى المستوى الذي يعتمده الجهاز المركزي المصري للإحصاء، وهو ذاته المعيار الذي يحدد البنك الدولي بدولارين يوميا كدخل للفرد.
في المقابل، تقول الحكومة إن القرار ساهم في جذب استثمارات أجنبية، ورفع معدلات السياحة وأنعش أداء البورصة واحتياطي النقد الأجنبي.
غلاء متسارع
لم تتوقف نسب التضخم عن وتيرتها المتسارعة في الصعود منذ قرار تحرير العملة. ووفق بيانات رسمية، وصل معدل التضخم السنوي في مصر إلى 32.5% بنهاية مارس/ آذار الماضي، وهي النسبة الأعلى منذ نحو 80 عاماً، وسط عجز حكومي عن وقف الغلاء.
وقال الخبير الاقتصادي وائل النحاس، لـ"العربي الجديد": "قرار التعويم هو أسوأ إجراء اتخذته الحكومة المصرية"، مقدرا حجم الخسائر الاقتصادية من جراء التعويم بنحو تريليوني جنيه (111 مليار دولار)، تمثل فارق عجز الموازنة وفوائد الدين العام بالأسعار الجديدة عما كانت عليه قبل التعويم، فضلا عن زيادة الدين العام الخارجي وارتفاع كلفة استيراد السلع الأساسية، وتدني القيمة الشرائية للعملة المحلية وانحسار النهج الاستهلاكي للمواطنين.
واعتبر النحاس أن التدفقات المالية والاستثمارية التي دخلت مصر عقب التعويم، هي أموال ساخنة لا تحفز الاقتصاد ولا تساهم في دفع عجلة الإنتاج.
وقال إن استثمارات الأجانب تركزت منذ قرار التعويم في أدوات الدين القصيرة التي لا تتجاوز 6 أشهر والبورصة التي يمكن الدخول والخروج منها بسلاسة، مستفيدين من ارتفاع أسعار الفائدة.
وأكد أن المواطن المصري هو الضحية لتحرير العملة، وأن الأسعار لن تنخفض طالما تعتمد الحكومة سياسات كهذه، محذرا من موجة ارتفاع للدولار قريبا مع دخول شهر رمضان الذي تزيد فيه عمليات استيراد السلع، ولا سيما الغذائية منها.
حصار الصناعة
وعانت الصناعة المحلية كثيرا خلال الأشهر الستة الماضية، مع تخلي البنك المركزي عن توفير النقد الأجنبي اللازم لها، والذي تحتاجه لشراء مدخلات الإنتاج من الخارج.
وبالرغم من تداول الجنيه لأكثر من عامين - قبل تحرير العملة - خارج إطار السوق الرسمية بأسعار تزيد عن السعر الرسمي بنسب وصلت إلى 100% أحيانا، كان البنك المركزي يلتزم بتدبير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الأساسية والمواد الخام اللازمة للمصانع، ما حال دون تأثر قطاع الصناعة بفعل غلاء الدولار في السوق السوداء.
لكن مع تحرير العملة، وجدت المصانع نفسها مجبرة على شراء الدولار بأسعار تزيد عن تلك التي كان يوفرها البنك المركزي بأكثر من 110%.
ولم تقف حدود معاناة المصانع عند التعويم، بل إن القرارات المصاحبة له، والتي جاءت في إطار برنامج اقتصادي تعهدت مصر لصندوق النقد بتنفيذه، كان لها تأثير كبير خلال الأشهر الستة الماضية، مثل ارتفاع رسوم استيراد الخامات وكلفة الوقود والغاز.
وقال رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر، محمد المنوفي، لـ"العربي الجديد"، إن كافة الرسوم ارتفعت، بالإضافة إلى الضرائب، وإن قرار التعويم بقدر ما يحمل مؤشرا لزيادة الاستثمارات الأجنبية، إلا أن هناك عوائق كثيرة في توفير تمويل للمصانع، فضلا عن زيادة أسعار الغاز والكهرباء والسولار، وهي مواد تحصل عليها المصانع بأسعار مقومة بالدولار.
وقال إن أسعار الأجهزة الكهربائية ارتفعت بشكل كبير بعد التعويم، بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية على بعض الخامات وأسعار الصرف، ما أفضى إلى تعثر حركة البيع.
وقال رئيس المجلس التصديري للغزول، مجدي طلبه، إن المكون الأجنبي في صناعة النسيج مرتفع للغاية، ما يعني زيادة الكلفة، ويؤدي لأزمة في التعاقدات التصديرية التي كانت المصانع قد وقعتها، حيث تتحمل فروق الأسعار.
وأشار لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة أن تحفّز الحكومة صناعة الملابس والنسيج لإنعاشها محليا، لافتا إلى أن عددا كبيرا من المصانع خفض الإنتاج وقلل دوامات العاملين بسبب رسوم الغاز التي ارتفعت لأكثر من الضعف بعد تعويم العملة فضلا عن ارتفاع كلفة الاستيراد.
ركود الأسواق
مع القفزات المتتالية في أسعار كل السلع في مصر، وجد المواطنون أنفسهم أمام نمط استهلاكي جديد، مجبرون فيه على تقليص الإنفاق بشكل أوتوماتيكي، فالدخل الثابت لا يمكن أن يشتري الأحجام ذاتها التي تتعرض لتغير في قيمتها.
ولم يعد أمام المواطنين سوى تقليص نفقاتهم على مستلزمات ما لصالح أخرى، كمّا وكيفا، بفعل تدهور قيمة العملة المحلية، ما أضر بالأسواق وفرض حالة من الركود طاولت كل القطاعات تقريبا، على رأسها الأغذية والملابس والسيارات والعقارات والسياحة الداخلية والتعليم الخاص.
وعلى سبيل المثال، لم يكن حظ قطاع السيارات أفضل من غيره، حيث تأثر كثيرا، بعدما قفزت أسعار المركبات لأكثر من الضعف في الأشهر الستة الماضية، تلك زيادات أفضت إلى إحجام المستهلكين.
وأكد خالد سعد، عضو مجلس معلومات سوق السيارات، أن نسبة المبيعات هوت في غالبية الشركات بسبب تحرير سعر الصرف.
وقال لـ"العربي الجديد": "كنا نعاني قبل التعويم بسبب عدم القدرة على توفير الدولار، وكنا نضطر لتوفير العملة من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، الأمر الذي قلص هامش الربح، إلا أن المبيعات كانت أفضل بسبب المحافظة على مستويات أسعار مقبولة، أما حاليا فغالبية المصانع تعاني".
ولا تصنّع مصر السيارات، حيث تعتمد إما على استيراد الوحدات في شكلها النهائي أو استيراد أجزاء السيارات وتجميعها بمصانع متخصصة داخل مصر.
وأشار سعد إلى تنظيم حملات حاليا لخفض الأسعار عبر التخلي عن هوامش أرباح الشركات، في مسعى لتصريف المخزون بالسوق.
وفي قطاع العقارات، سجلت أسعار الوحدات بمختلف نشاطاتها ارتفاعا يصل إلى 50% في المتوسط، خلال الأشهر الستة الماضية، وفق مهنيين.
وقال رئيس شعبة الاستثمار العقاري بـ6 أكتوبر، رشاد عبد اللطيف، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ارتفاعا كبيرا في أسعار العقارات، خاصة في المناطق التي تتميز بوحدات سكنية راقية، بسبب ارتفاع كلفة مواد البناء وصعوبة استخراج تراخيص البناء حاليا، فضلا عن رفع قيمة الأصول العقارية بشكل عام في مصر، لتواكب التغير الكبير الذي سجله سعر صرف العملة المحلية.
وحمّل عبد اللطيف قانون الضريبة على القيمة المضافة جزءا من أسباب ارتفاع الأسعار في القطاع، حيث تخضع "التصرفات" العقارية للضريبة، ما رفع الأسعار بنسب تراوحت بين 30% و50%، مشيرا إلى أن حركة المبيعات كانت منحسرة في الفترة الماضية.
وأكد أن البيع بالتقسيط بات السمة الأكثر شيوعا في القطاع، حيث لا تمثل مبيعات الدفع النقدي الكامل (الكاش) أكثر من 10% من إجمالي التعاملات بسبب الأزمات المالية التي يعانيها المواطنون.
نظرة متفائلة
ورغم الانعكاسات الخطرة لقرار تعويم العملة على معيشة عشرات ملايين المواطنين وتفاقم عجز الموازنة وأعباء الديون الخارجية والداخلية، تقول الحكومة إنها بدأت حصاد هذا الإجراء، الذي ساهم في تحفيز تدفقات النقد الأجنبي والاستثمارات الخارجية وحسّن الميزان التجاري وميزان المدفوعات، وأنعش أداء البورصة.
وقال البنك المركزي المصري، في بيان أمس الثلاثاء، إن تحويلات المواطنين المقيمين خارج البلاد زادت بنسبة 13.8% في الفترة من نوفمبر/ تشرين الثاني إلى مارس/ آذار.
وأوضح أن البيانات الأولية للبنك أظهرت ارتفاع إجمالي تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو 964.8 مليون دولار ،لتصل إلى نحو ثمانية مليارات دولار من نحو سبعة مليارات في الفترة ذاتها قبل عام.
وأعلنت الحكومة أن مؤشر البورصة ارتفع بنسبة 56.8% منذ قرار التعويم وحتى نهاية مارس/ آذار.
وقال وزير الصناعة والتجارة، طارق قابيل، قبل أيام، إن الواردات انخفضت بعد تعويم الجنيه بقيمة 7 مليارات دولار، فيما ارتفعت الصادرات بقيمة مليار دولار.