لا القاتل يعرف المقتول ولا القتيل يعرف قاتله، وحدها الرصاصة لا تخطئ أبداً مسببةٍ فاجعة الموت أو الإعاقة الدائمة للجسد الذي تخترقه.
العاصمة العراقية بغداد سجلت خلال الشهرين الماضيين أكثر من 50 مصاباً توفيّ أغلبهم، في حين يرقد من بقي منهم على قيد الحياة معوّقا نتيجة إطلاق العيارات النارية في المناسبات السعيدة والحزينة التي تتسع رقعتها يومًا بعد آخر، في ظل غياب القوانين التي تلاحق مطلقيها.
وبحسب العقيد عبد الرحمن محمد المشهداني من قيادة شرطة بغداد "إن الضحايا أصيبوا برؤوسهم أو أكتافهم كون الرصاصة تنزل من السماء إلى الأرض وإصابات الرأس هي المميتة".
وبيّن أن هناك سيدة قتلت وهي في حديقة دارها، وأن طفلاً قتل عندما كان يلعب بالشارع، وأن مطلقي النار بالعادة إما محتفلون بعرس أو مباراة كرة قدم أو غاضبون بجنازة أو مشاجرة، والضحايا لا ذنب لهم.
"الموت مصيبة لكنه يصبح فاجعة أكبر حين يأتي من رصاصة مجهولة أطلقت من أشخاص استهتروا بأرواح الناس ومصائرهم"، يقول المدرس بكر محمود (35 عامًا)، لـ"العربي الجديد". ويضيف، "إن إطلاق الرصاص في المناسبات ليس بالأمر الجديد لكن نطاقه اتسع مع اتساع رقعة الفوضى في البلاد، لا سيما بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003".
ويتابع "لم تعد الانفجارات أو عصابات الخطف وحدها تترصدنا، بل صرنا نخاف من حضور المناسبات أو حتى الوقوف في الشارع خشية أن تصيبنا رصاصة طائشة، كما أن ما زاد من تلك الحالة هو انتشار السلاح بيد القاصي والداني، حتى الأطفال أصبحوا يجيدون استخدام السلاح، وهذا يشكل خطراً بالفعل على حياة العامة".
واعتبر أن "غياب القوانين وعدم اتخاذ أي إجراء بحق مطلقي تلك العيارات نزع الخوف من مستخدمي الرصاص خلال تعبيرهم عن الفرح أو الحزن أو الاحتفاء بالانتصارات الرياضية أو فوز المنتخب الذي تسبب في حصد الكثير من الأرواح بعد إطلاقهم العيارات النارية".
وتقول أستاذة علم النفس في جامعة ديالى الدكتورة زهرة الخزرجي (50 عامًا)، "إنّ ضبط النفس يحتاج إلى تدريب يفتقر إليه من يمارس ذلك التقليد السيئ في مختلف المناسبات، وزاد من انتشارها، إتاحة شراء الرصاص بيسر وبسعر زهيد وانتشار السلاح، فضلا عن العراضة والتقاليد العشائرية التي تجيز وتشجع إطلاق الرصاص عشوائياً في المناسبات، بل تفخر بذلك أيضاً، ما يعني سقوط المزيد من القتلى والمصابين".
وبيّنت الخزرجي، أن العراق بحاجة اليوم إلى مراكز تأهيل الشباب، وتبيان مدى خطورة ورجعية مثل تلك الممارسات، وآثارها السلبية على المجتمع عبر ندوات توعوية سواء في مراكز مخصصة أو داخل الجامعات، وعبر المحاضرات وتوزيع منشورات تظهر الحالات التي تضررت من تلك الظاهرة، وذلك بالتعاون مع وزارة الصحة والمستشفيات لأخذ الأرقام الحقيقية والإحصاءات الرسمية.
وأشارت إلى دور منظمات المجتمع المدني وأساتذة علم النفس والاجتماع في شرح خطورة هذه الظاهرة وكيفية الحد من انتشارها.
ويجيز القانون العراقي احتفاظ كل أسرة بقطعة سلاح خفيف، بعد تسجيلها لدى السلطات المعنية، غير أن العراقيين يحتفظون بالكثير من الأسلحة في منازلهم، نتيجة الفوضى التي عمت البلاد.
وسبق للمفوضية العليا لحقوق الإنسان أن طالبت في 28 كانون الثاني/يناير 2017، مجلس النواب بتشريع قوانين رادعة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت مصدر خطرٍ كبير على حياة وأمن وراحة المواطنين سواء في المدن أو القرى والأرياف لانتشار الأسلحة غير المرخصة بصورة كبيرة، كما طالبت الحكومة العراقية بتفعيل قانون منع إطلاق العيارات النارية وتشديد العقوبات على مطلقيها في مختلف المناسبات الاجتماعية كتشييع جثامين الشهداء وجنائز الموتى وحفلات الأعراس وغيرها.
وشددت المفوضية على ضرورة تشريع قانون للحد من انتشار الأسلحة غير المرخصة بصورة كبيرة واتخاذ إجراءات قانونية عاجلة لمنع الظاهرة.
وتسجل إحصاءات غير رسمية سقوط العشرات من القتلى والمصابين خلال المناسبات العامة والخاصة في مختلف محافظات العراق نتيجة ظاهرة إطلاق العيارات النارية.