"21-8-2013، يوم موت حقوق الإنسان"، "5 سنوات وما زال بشار الكيماوي حراً برعاية دولية"، هذه عباراتٌ، رُفعت في معرة النعمان، جنوب مدينة إدلب، من قبل ناشطين وسكانٍ محليين، شاركوا في إحياء الذكرى السنوية الخامسة، لأبشع جريمةٍ، شهدتها سورية، خلال السنوات القليلة الماضية، وهي مجزرة الكيميائي في الغوطة الشرقية لدمشق، التي راح ضحيتها مئات المدنيين، بمن فيهم من نساءٍ وأطفال، بينما بقي الجُناة دون أي مساءلةٍ أو محاسبةٍ حتى الآن.
وما يميزُ الذكرى السنوية الخامسة لـ"مجزرة الكيميائي"، أنها المرة الأولى، التي تُحيى فيها المأساة التي خلفت مئات القتلى خنقاً، دون أن يتمكن أهالي الضحايا، حتى من مجرد زيارة قبور الضحايا، فقد هَجّرَ النظام السوري، آلاف العائلاتِ من الغوطة الشرقية، نحو شمال غربي سورية، قبل نحو خمسة أشهر.
كما أن سلطات النظام السوري، بدأت نبش قبور الضحايا، خاصة في مدينة زملكا، وبدأت بنقلِ رفاتهم إلى مكانٍ مجهول.
"لن تختفي الجريمة بإخفاء أجساد الضحايا"
هذه أيضاً، عبارةٌ كتبها سكانٌ محليون، ومهجرون من ريف دمشق، على لافتةٍ رفعوها، أثناء إحيائهم ذكرى مجزرة الكيميائي الخامسة، أمس الإثنين، في مدينة معرة النعمان، بريف إدلب الجنوبي، إذ إنها تأتي، في وقتٍ قامت سلطات النظام السوري، بِنَبشِ مقبرة زملكا، التي دُفن فيها ضحايا مجزرة (21 آب/أغسطس سنة 2013) الكيميائية، لـ"إخفاء آخر الدلائل" حول المجزرة، وفق ما اعتبرَ عدد كبير من الناشطين السوريين.
وكانت شبكة "ممارسات الأسد في المناطق المُهجرة"، التي يُديرها ناشطون هُجروا من الغوطة الشرقية، قبل نحو أربعة أشهر، قد ذكرت، أنه و"ضمن سياسة إخفاء كل الأدلة، التي تدينه، عمد نظام الأسد في أواخر نيسان/إبريل من العام الجاري، إلى مُحاصرة الحديقة التي دُفن فيها شهداء مجزرة الكيميائي التي نفذها في دوما يوم 7/4/2017، حيث قام بنقل الجثث إلى مكان مجهول، في حين دفن الباقي في مقبرة المدينة القديمة، وذلك في سبيل إضاعة الأدلة على ارتكابه المجزرة".
وأكد مصدرٌ من "الشبكة" في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر نفسه قام به النظام بعد دخوله مدينة زملكا في الغوطة الشرقية، حيث حاصر مقبرة المدينة الأربعاء الماضي ليلاً، ونبش قبور شهداء مجزرة الكيميائي، التي قام بها يوم 21/8/2013، وأودت بحياة مئات الأشخاص بينهم نساء وأطفال، ونقل رفاتهم الى مكانٍ مجهول".
وقالت مصادر تتحدر من الغوطة الشرقية لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام، شنت قبل نبش القبور حملات اعتقال طاولت أواخر الناشطين الذين اختاروا البقاء في الغوطة، وكان لهم نشاطٌ في المجال الطبي والإغاثي والإعلامي، واقتادتهم إلى التحقيق، حيث طلبت منهم الإدلاء بكافة المعلومات التي يعرفونها، عن أماكن وجود جثث ضحايا مجزرة الكيميائي، وجميع الملابسات التي عاينوها وصوروها ذاك اليوم.
هل تتحقق العدالة؟
لعله السؤال الأبرز، الذي يدور بأذهان ملايين السوريين، ففي القرن الحادي والعشرين، ومع وجود عشرات المنظمات الحقوقية الدولية، والمحاكم والقوانين الدولية، ومع تطور وسائل التوثيق والاتصالات، ووقوع كمٍ هائل من الجرائم في سورية، ومعظمها قد تم توثيقه بشكل شبه كامل، فهل يُمكن أن يفلت الجناة؟
وتبدو الإجابة عن السؤال صعبة، بقدر صعوبة وتعقيدات القضية السورية، إذ وفي حالة المجازر الكيميائية، وأبرزها مجزرة الغوطة الشرقية (ومعضمية الشام بالغوطة الغربية في اليوم ذاته 21-8-2013)، ومجزرة الكيميائي في خان شيخون(4-4-2017)، ومجزرة كيميائي دوما(7-4-2018)، دان العالم كله هذه المجازر، ولكن فعلياً بقي الجناة دون أي مساءلة حتى الآن، رغم أن كبرى الدول الغربية، التي تمتلك أجهزة استخباراتها أفضل التقنيات وأدق المعلومات، وجهت أصابع الاتهام دون لبسٍ للنظام السوري.
فبالتزامن مع مجزرة الكيميائي بالغوطة الشرقية ومعضمية الشام، يوم الواحد والعشرين من آب/أغسطس 2013، كانت لجنة تفتيش تابعة للأمم المتحدة موجودة في دمشق، حيث زارت اللجنة موقعي الهجمات، شرق دمشق وغربها، بعد أيامٍ من المجزرة، وعاينت المواقع، وبقايا الصواريخ، وأخذت عيناتٍ من التربة، كما أجرت مقابلاتٍ مع عشرات السكان المحليين الناجين من المجزرة.
وبعد الزيارة هذه بنحو أسبوعين، أصدرت اللجنة تقريرها، حيث أكدت أن الهجوم المذكور، استُخدم فيه غاز السارين، قائلة إن الجهة التي نفذت الهجوم، خبيرة باستخدام الأسلحة المزودة بغازات سامة، وإن الذين نفذوا الجريمة، اختاروا المناخ والتوقيت الملائمَين، لتنفيذ الهجوم بحيث يوقع أكبر عددٍ من الضحايا.
لكن تقرير اللجنة الأممية الذي حدد كمية الغاز المُستخدم ونوع الصواريخ وجهة إطلاقها، لم يتطرق إلى ذكر الجهة المُنفذة، حيث إن صلاحيات اللجنة، كانت محصورة في أن تُحقق في الجريمة دون أن تحدد هوية الجاني.
وبعد أيامٍ من صدور تقرير اللجنة، وبالتزامن مع تهديداتٍ الولايات المتحدة، أنها ستوجه ضرباتٍ عسكرية للنظام، كونه تجاوز "خط أوباما الأحمر" واستخدم الكيميائي، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً، تم التصويت فيه بالإجماع، على القرار رقم 2118، الذي طالب بنزع مخزون سلاح النظام الكيميائي وإتلافه، دون أن يستطيع إدانة النظام نفسه بالجريمة، لكون روسيا دائماً ما تعرقل أي قرارٍ دولي يدين النظام.
من جهته، خلص التقرير الذي يحمل رقم "45" والصادر عن الائتلاف الوطني السوري، بعد المجزرة، إلى أنه و "في 21-8-2013 وبعد أيامٍ على تحضيرات شملت نقل الصواريخ إلى منصة الإطلاق، وبعد ليلة شهدت معارك عنيفة في عين ترما وحي جوبر الدمشقي وزملكا بين قوات النظام وكتائب الجيش الحر، بدأت قوات اللواء 155 بإطلاق صواريخ ابتداء من الساعة 2:31 فجراً، بإشراف العميد في جيش النظام غسان عباس باتجاه الجنوب".
وأشار التقرير إلى أن "هذه الصواريخ (كانت) تستهدف مناطق الغوطة الشرقية" وأن القصف استمر لاحقاً، وطاول نحو الخامسة فجراً منطقة معضمية الشام بالغوطة الغربية لدمشق، وأن هذه المجزرة خلفت "ما يقارب ألفاً وخمسمائة شهيد".
النظام من جهته أنكر التهمة، وتضاربت ردود فعل مسؤوليه في روايتهم ما جرى، لكنه رضخ لاحقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم "2118" الذي أدان الهجمات الكيميائية وصدر في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر 2013(أي بعد خمسة أسابيع من المجزرة، وبعد إصدار لجنة التفتيش الأممية التي زارت مواقع المجزرة تقريرها بـ12 يوماً).
ووصف ناشطون سوريون معارضون لنظام الأسد هذا القرار الدولي، بأنه قرر سحب بعض أدوات الجريمة، وإبقاء المُجرم حراً طليقاً ليرتكب مجازر أخرى، وهو الذي حصل عدة مرات بعد صدور القرار، لا سيما في خان شيخون(4-4-2017)، وفي دوما(7-4-2018).