5 دولارات في حسابي المصرفي

08 أكتوبر 2015
هذه هي الرأسمالية اللعينة (فرانس برس)
+ الخط -
كان صباحاً لطيفاً في بيروت. كل شيء بدا هادئاً. الشمس مشرقة في الخارج، والناس يواصلون يومهم بشكل اعتيادي. الوقت كان ظهراً. لم أنجح، يومها، في ضبط الساعة التي كانت تشير إلى الواحدة إلا أربع دقائق. عقارب الساعة كانت تتحرك أكثر من العادة. "يا إلهي لقد تأخرت، قد يغلق المصرف أبوابه في أي لحظة".

كنت قد قررت أن أفتح حساباً مصرفياً. لم أحب المصارف يوماً، ولطالما أفرحتني أخبار السطو عليها. لعنت مستلزمات العمل وأنا أقود السيارة. زحمة السير كانت خانقة. وصلت إلى المصرف ونظرت إلى الواجهة الزجاجية الكبيرة وأنا أفكر: "لو كان هناك روبن هود واحد في هذا الشرق اللعين، لما كنت الآن واقفة هنا. ربما كنت أعيش في بحبوحة في مكان ما بعيداً عن هذا المبنى المخيف". على الواجهة الزجاجية شعار تافه. إدارة المصرف أرادت طمأنتي بطريقة أو بأخرى أنه مهما كانت احتياجاتي المصرفية كبيرة أو صغيرة، فهي قادرة على تقديم حل بأقل خسائر ممكنة. هذه هي الرأسمالية اللعينة. إنهم يكذبون، ويعرفون أنهم يكذبون، ويعرفون أننا نعرف أنهم يكذبون.

لم يكن بإمكاني الوقوف الى الأبد وأنا أنظر إلى الواجهة ببلاهة. دخلت. ها أنا، الآن، أمر بجانب من تجاوز عدد الأرقام في حسابهم المصرفي نصف عدد سكان هذا العالم، قلت في سري. في أوقات كهذه، أجدني بحاجة إلى الحديث مع نفسي على هذا النحو. "على سطح هذا الكوكب اللعين يوجد أكثر من مائة وستين مليون طفل يعانون من سوء التغذية". تناسيت الفكرة. في الداخل كان الجو بارداً. كل شيء في هذا المكان مدروس. لا يريدوننا أن نشعر بالضيق. أُنفقت أموال كثيرة هنا. يعرفون أنهم سيستردونها على أي حال. شعوري بالخوف في هذا المكان كان قد تجاوز شعوري بالضيق.

المصرف كان مزدحماً. أشخاص مهندمون لكن أغبياء المظهر. كل ما فيهم يبعث في نفسي الملل. بدوا جديين أكثر من اللازم. لم أعرف ما الذي جعلهم هكذا. لعلها الأرقام الكبيرة أو الفوائد المصرفية المرتفعة. أردت فقط أن ينتهي هذا اليوم. على الأرائك الجلدية السوداء توزع الرجال والنساء كأنهم ينتمون إلى مؤسسة ما. موظفو المصرف أشبه بكائنات غريبة مبرمجة، تنتقي كلماتها بعناية تامة. ملامحهم وحدها تشي بأنهم يكذبون. دائماً ما تراهم يتصنعون الابتسامة. كل واحد منهم يملك ابتسامة جاهزة للاستخدام بحسب الظرف، بحسب الأرقام المودعة في حساب الزبون. كانوا يتعلمونها كما يتعلمون كرة القدم. لم أستطع منع نفسي من الضحك يومها، وأنا أفكّر بابتسامة الموظف التي قد تختفي حين أعطيه خمسة دولارات ليضعها في حسابي المصرفي.

إقرأ أيضاً: أرض الحزن والفرح والبقشيش
المساهمون