خمسة أسباب رئيسة حالت بين وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، وبين تحقيق تطلعاته في إقناع الحكومة السودانية بالتطبيع مع إسرائيل، أثناء زيارته، أمس الثلاثاء، للخرطوم التي تصارع ظروف التغيير، بعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
جاءت الزيارة في إطار جولة إقليمية غرضها الأساسي إقناع دول عربية من بينها السودان، بالمضي قُدماً في الطريق الذي مضت فيه دولة الإمارات، بإشهارها التطبيع الكامل مع إسرائيل.
موقف الحاضنة السياسية لحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، المناهض للتطبيع مع إسرائيل، شكّل السبب الرئيس الذي دفع الحكومة للاعتذار عن السير في خطى التطبيع العلني، تلك الحاضنة تتألف من أحزاب وتيارات لديها عقيدة سياسية راسخة تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي، كحزب "البعث القومي الاشتراكي، والحزب "الناصري"، والحزب "الشيوعي"، إضافة لحزب "الأمة القومي" ذي الميول الإسلامية.
السبب الثاني، وراء فشل مهمة بومبيو، هو توقيت الزيارة نفسها، إذ جاءت في أيام تتصاعد بها الخلافات العميقة بين المكونين العسكري والمدني في السلطة الانتقالية في السودان، لذا لم يتحمس المدنيون لوضع رصيد إضافي للعسكر الأكثر تماهياً مع فكرة التطبيع منذ فبراير/شباط الماضي، تاريخ اللقاء بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بمدينة عنتيبي الأوغندية.
ثالث الأسباب، يتصل برئيس الوزراء عبد الله حمدوك نفسه الذي لا يريد تقديم خدمة للإدارة الأميركية بهذا الحجم، دون أن يكسب ما يقابلها، أقله إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وما دفع حمدوك للتردد أكثر هو التصريح الأميركي، الذي سبق الزيارة بيوم واحد وينفي وجود صلة بين التطبيع وإزالة اسم السودان من القائمة السوداء، التي تعتقد الخرطوم بأنها أساس مشكلاتها الاقتصادية، وتحول بينها وبين الاندماج مع المجتمع الدولي، والحصول على دعم مؤسسات التمويل الدولية.
في رابع الأسباب، تأتي تخوفات الحكومة السودانية وحاضنتها السياسية، من زيادة حدّة الاستقطاب والانقسام السياسي في البلاد، بإضافة بند التطبيع الذي من المؤكد، وحال الموافقة عليه، أنه سيثير انقسامات جديدة، وخصماً من رصيد الحكومة الشعبي المتأثر سلفاً بسوء الأوضاع المعيشية، وغلاء الأسعار، وتدهور قيمة العملة الوطنية.
السبب الخامس والأخير، هو شعور السودانيين وأيضاً مسؤولين في الحكومة وسياسيين، بأن التطبيع مع إسرائيل بعد أيام من تطبيع الإمارات، سيظهر الدولة السودانية، كمجرد تابع لأبوظبي، وفضلوا أن يكون القرار سودانياً محضاً سواء بالرفض أو الموافقة.
وهذه الأسباب مجتمعة لا تعني فشلاً نهائياً لمساعي وزير الخارجية الأميركي، إذ إن رهان تل أبيب وواشنطن سيظل كما هو على المكون العسكري الذي لا يزال على حماسه الأول، وهذا ما يؤكده بيان وزارة الخارجية الأميركية عقب اللقاء بين البرهان وبومبيو، إذ أشار البيان بوضوح شديد إلى استمرار تعميق العلاقة بين السودان وإسرائيل.