في تركيا، وعلى الرغم من كلّ التسهيلات التي تُقدّم إلى اللاجئين السوريين، فإنّ كثيرين ما زالوا "مغبونين". من هؤلاء، أطفال في سنّ الدراسة لم يلتحقوا بالمدرسة لسبب أو لآخر.
يكشف تقرير صادر عن نقابة اتحاد قطاع التعليم في تركيا أنّ نحو 450 ألف طفل سوري لاجئ في تركيا من إجمالي نحو مليون طفل هم خارج العملية التعليمية التربوية، في حين يتلقى التعليم فقط نحو 54 في المائة من الأطفال. والتقرير الذي نُشرت نتائجه أخيراً، يبيّن أنّ تركيا تستضيف نحو 3.2 ملايين لاجئ سوري في مختلف ولايات البلاد، ويزداد تعدادهم باستمرار من دون أن ينقص. ومن بين هؤلاء نحو مليون في مرحلة التعليم، في حين أنّ مئات آلاف السوريين دخلوا إلى مجال العمل من دون الحصول على التعليم المناسب لأسباب تتعلق بالفقر.
ويوضح التقرير أنّ تركيا، ابتداءً من عام 2014، راحت تنفّذ خطة مكثفة من أجل تعليم الأطفال في مراكز التعليم المؤقتة ومدارس الدولة على حدّ سواء. يُذكر أنّ البلاد تضمّ 370 مركز تعليم مؤقت يدرس فيها 280 ألف طفل، في حين يدرس 243 ألفاً في مدارس الدولة ونحو 10 آلاف آخرين في مدارس مفتوحة، ليصير المجموع 533 ألف طفل سوري يتلقون التعليم.
وفي هذا الإطار، يفيد التقرير بأنّ تركيا توفّر القسم الأكبر من مصاريف تعليم السوريين، وابتداءً من العام الدراسي 2016 - 2017 صار لزاماً على تلاميذ الصف الأول الابتدائي والخامس الإعدادي والتاسع الثانوي، بحسب التعليم التركي، تلقي تعليمهم في مدارس الدولة بدلاً من مراكز التعليم المؤقت. إلى ذلك، وبهدف تكثيف تعليم اللغة التركية، خُصصت في مراكز التعليم المؤقت الابتدائية 15 ساعة لتعليم اللغة التركية من مجموع 30 ساعة تدريس، وفي الثانويات 15 ساعة من مجموع 35 ساعة تدريس.
ويوضح التقرير أنّه بحسب وزارة التربية والتعليم الوطني التركية، فإنّ 54 في المائة فقط من بين 976 ألف تلميذ يتلقون تعليمهم، فثمّة 450 ألف طفل سوري متسرّب تقريباً. ولعلّ أبرز ما يعيق تعليمهم هو عدم التأقلم مع المدرسة وغياب الحافز وحواجز نفسية أخرى. وعلى الرغم من أنّ الوضع صار مناسباً للأطفال لتلقي تعليمهم، فإنّهم يمتنعون عن الذهاب إلى المدرسة، بالإضافة إلى أنّ بعضهم توقف عن الدراسة لسنوات ولا يرغب في العودة بسبب فرق العمر وظهوره أكبر من زملائه.
تعليقاً على التقرير الذي يظهر أرقاماً مرتفعة جداً لتسرّب التلاميذ، يقول الخبير التربوي السوري الدكتور فواز العواد إنّ "تقارير الحكومة التركية تشير إلى وجود ثلاثة ملايين سوري في البلاد 30 في المائة منهم في سنّ التعليم، وهو ما يعادل 976 ألف طفل سوري في تركيا يحملون إقامات قانونية. و65 في المائة من هؤلاء ملتحقون بالدراسة، أي أنّ 612 ألف تلميذ تلقوا تعليمهم خلال العام الدراسي 2017 - 2018. وبالمقارنة مع الأعوام السابقة، تُعَدّ تلك الأرقام مرتفعة، ففي العام الماضي كانت النسبة 30 في المائة. وهذا أمر يعني تحسناً في التحاق التلاميذ بالمدارس، من خلال التوعية التي حصلت". ويشدد لـ"العربي الجديد" على "ضرورة إعداد دراسات استقصائية بهدف إيجاد الحلول المناسبة في هذا السياق"، فهو يرى أنّ "نسبة التسرّب ليست قليلة على الرغم من التحسّن الكبير الحاصل".
وعن الأسباب، يشير العواد إلى "أسباب إدارية، فثمّة تلاميذ مقيمون في القرى الزراعية والمناطق البعيدة لا يملكون بطاقة كملك (بطاقة الحماية المؤقتة الممنوحة من الحكومة التركية)، وهو ما يعني أنّهم لا يملكون أرقاماً. بالتالي، لا يمكنهم الالتحاق بالنظام التعليمي الذي يشترط وجود رقم لكل تلميذ مسجّل رسمياً". يضيف أنّه "على الرغم من أنّ التلاميذ بمعظمهم مسجّلين، فإنّ تدفّق اللاجئين السوريين مستمرّ، وثمّة عشرات الآلاف الذين لا يملكون البطاقة. ومن الممكن إيجاد حلّ عبر تسهيلات تلجأ إليها البلديات والمدن التركية، في ما يتعلق بإصدار بطاقات كملك مستعجلة لكلّ طفل في سنّ الدراسة، أو تسهيل التحاقه بالمدرسة إلى حين حصوله على كملك".
ويتابع العواد أنّ "ثمّة أسباباً اقتصادية مؤثّرة، فاللاجئون يعانون من دخل منخفض ولديهم متطلبات أساسية. والأطفال الذين يسكنون بعيداً عن المدارس، لا يستطيعون التنقل من دون مواصلات مكلفة. ونظراً إلى انخفاض الدخل يمتنع الأهل عن إرسالهم إلى المدرسة توفيراً لمصاريف النقل. كذلك، ثمّة آباء وأمهات يجبرون أولادهم على العمل للاستفادة من أجورهم وإن كانت ضئيلة. ويُعدّ هؤلاء الأطفال وسيلة دخل إضافي، وهو الوضع الأكثر انتشاراً. وللأسف، فإنّ الشركات لا تلتزم بالقوانين التي تحكم عمالة الأطفال، وهي في حاجة إلى مزيد من الإجراءات والضبط من قبل الحكومة. من هنا، فإنّ العامل الاقتصادي له أهميته الكبرى في امتناع الأهالي عن إرسال أبنائهم للمدرسة. إلى ذلك، ثمّة أسباب تتعلق بالجهل والأمية وقلة الوعي، فأسر كثيرة لا تكترث إلى أهمية تعليم أطفالها، وهي في حاجة إلى مزيد من التوعية في هذا السياق".
وعن الآثار المترتبة على بقاء الأطفال خارج العملية التعليمية، يقول العواد أنّهم "سوف يكونون بعيدين عن المجتمع الذي يتطلب معرفة للمهارات الأساسية في الحياة، والتعرّف على تلك الحياة بداية وعلى القيم والأخلاق والقراءة والكتابة. وحرمان الطفل من المدرسة يعني أنّه لن يمتلك مهارات الحياة الأساسية ولا مهارة التواصل، وسوف يفقد قيماً كثيرة". ويشدد على أنّ "الوضع في حاجة إلى دراسة استقصائية لمعرفة وضع الأطفال الذين تتراجع لديهم مختلف المهارات ويفتقرون إلى قيم كثيرة اجتماعية وأخلاقية يستقيها التلاميذ من البيئة التعليمية. كذلك فإنّ الآثار النفسية كثيرة ومعقدة، ونتحدّث عن شريحة كبيرة قد تفقد فرصة الدخول إلى ميدان العمل، بالتالي تكون بطالة تنشأ عنها مشكلات اجتماعية كبيرة".
في ما يتعلق بسبل مواجهة هذه الأزمة، يرى العواد أنّ "الحكومة التركية تعمل بجدارة وبطريقة يُشهد لها لإدخال مزيد من الأطفال إلى الحياة المدرسية. لكنّني أظنّ أنّه لا بدّ من القيام بأمور عدّة من أجل ذلك، ومنها إزالة الأسباب التي تعوّق إصدار بطاقة كملك وإدخال تسهيلات إلى سوق العمل خاصة بالسوريين، ودعم الشركات التي تستخدم اللاجئين. بالتالي، فإنّ ضمان حصول العاطلين من العمل، أمهات وآباء، على فرص تحسّن من أوضاعهم المادية، أمر يحفّزهم لإرسال أبنائهم إلى المدرسة. العامل الاقتصادي مهم، وإن حلّت هذه القضية فسوف تُحلّ قضية عمالة الأطفال".
ويتحدث العواد عن "دور لجان التفتيش الرقابية التركية، وضرورة أن تُشدّد العقوبات المرتبطة بعمالة الأطفال دون السنّ القانونية. ثمّة فئات انقطعت عن التعليم لسنوات عدّة ولم تلتحق من جديد بسبب الفجوة التي حصلت، والحلّ بالنسبة إلى هؤلاء هو التعليم التعويضي". ويشرح أنّ "فتح المجال أمام التعليم التعويضي ودعمه يأتي من خلال برامج ومناهج خاصة، على أن يكون بإشراف حكومي تركي. وفي نهايته، بعد الامتحانات، يحصل التلميذ على وثائق، الأمر الذي يمثّل حافزاً للأهالي والتلاميذ". ويكمل أنّ "ثمّة إجراءً تربوياً أخيراً وهو تدريب المدرّسين الأتراك على تأهيل التلاميذ السوريين الذين يلتحقون بالمدراس التركية ليندمجوا تدريجياً بالنظام التعليمي التركي".