تسيطر على الشارع المصري، وكذلك الدوائر الرسمية المختصة بمتابعة جائحة كورونا، حالة من القلق بدلاً من الارتياح، إزاء الانخفاض الكبير الذي طرأ على المعدل اليومي المسجل للإصابات، والمستمر في التراجع منذ أسبوعين تقريباً. وكانت كل المؤشرات العلمية، التي تتوافر لدى وزارة الصحة وتلك الدوائر، تشير إلى عدم بلوغ مصر ذروة الجائحة، أو على الأقل ذروة المرحلة الأولى منها، قبل الوصول إلى مرحلة الموجات الارتدادية، إلا بعد أغسطس/آب المقبل، فضلاً عن مخالفة الأرقام المسجلة حالياً في مستشفيات وزارة الصحة للمصفوفات والخطط الافتراضية، سواء التي عملت عليها وزارة الصحة أو وزارة التعليم العالي ومعاهد البحث العلمي المختلفة.
وتدعم حالة القلق ثلاثة عوامل مهمة، الأول هو انتشار الشهادات الطبية والأهلية، خصوصاً في محافظات الصعيد، عن استمرار وجود أعداد كثيفة من المصابين غير المسجلين، لم يتم تشخيصهم على الإطلاق، بسبب التخوف من الوصم الاجتماعي، وما يستتبع ذلك من زيادة أعداد الوفيات غير معروفة الأسباب، خصوصاً بين كبار السن. أما العامل الثاني، فهو ملاحظة التراجع الكبير على مستوى التزام المواطنين باتخاذ الإجراءات والتدابير الاحترازية، وعلى رأسها ارتداء الكمامات، خصوصاً في التجمعات الخدمية والحكومية، وانعدام اتخاذها تقريباً في المحافظات، غير القاهرة والجيزة، وهو ما كان يُقابل في البداية بتشدد أمني، لكن الأوضاع صارت رخوة حالياً، وهو ما لا يستقيم مع ذلك الانخفاض في عدد الحالات المسجلة.
هناك زيادة ملحوظة في عدد الوفيات المسجلة وغير المتناسبة مع انخفاض حالات الإصابة المسجلة يومياً
أما العامل الثالث فهو الزيادة الملحوظة في عدد الوفيات المسجلة، وغير المتناسبة مع انخفاض حالات الإصابة المسجلة أيضاً يومياً. فحتى أول من أمس، وصل عدد الوفيات إلى 4251، لترتفع نسبتها إلى 4.9 في المائة من إجمالي الإصابات، في استمرار لارتفاع النسبة عن المتوسط المسجل خلال الشهر الماضي، والذي كان قد وصل إلى 3.6 في المائة في بعض الأحيان، نتيجة التوسع الكبير في التشخيص واستقبال الحالات. وهذا العامل يدل، بحسب مصادر طبية في وزارة الصحة، على أن مصر لم تبلغ بعد ذروة الجائحة، وأن السلبيات التي شابت الفترة الأولى التي بدأ الفيروس ينتشر فيها، والفترة الثانية التي تفشى فيها، لم يتم التغلب عليها حتى الآن، وعلى رأسها التعامل المتأخر مع حالات المصابين من حاملي الأمراض المزمنة، والنقل غير المبكر للمرضى إلى المستشفيات.
وتعطي المصادر على ضوء عدة مستجدات في تعامل الدولة والمجتمع المصري مع الجائحة، تفسيرات لانخفاض عدد الحالات المسجلة، رغم عدم وضوح الوصول إلى الذروة واقعياً، واستمرار انتشار العدوى في مناطق عديدة. أول تلك الأمور توسع الدولة في الاعتماد على العزل المنزلي، وانتشار طرق العلاج بين المواطنين بصورة تقليدية عبر وسائل الإعلام ومجموعات المصابين وحالات الاشتباه المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو مستجد قائم منذ منتصف الشهر الماضي، لكنه توسع وزاد تأثيره بسبب تخوف المواطنين المطرد من التوجه للمستشفيات، بسبب شكاوى المصابين وذويهم من ضعف الإمكانيات وعدم توافر الأسرّة، خصوصاً في وحدات الرعاية المركزة، الأمر الذي تسبب في وجود عدد كبير من المصابين خارج منظومة الصحة الرسمية لم يتم تسجيلهم، واعتمدوا في تشخيص الأعراض على أنفسهم أو أطباء.
أما الأمر الثاني، فهو أن وزارة الصحة لم تعد تربط صرف العلاج من المستشفيات بوجوب إجراء تحليل "PCR" للحالة، فمن الممكن الصرف بناء على الأشعة أو التشخيص الطبي الصادر من طبيب للحالة، طالما كانت معزولة منزلياً، ولا يتطلب الوضع دخولها المستشفيات، ما ساهم في توفير العلاجات الرسمية أيضاً للمصابين، وبالتالي استمرار عزلهم خارج منظومة التسجيل. والمستجد الثالث هو انتعاش سوق الدواء بمرور الوقت، وزيادة ضخ الشركات للأدوية التي تتضمنها بروتوكولات العلاج الرسمية والعرفية بشكل مكثف، ما أدى إلى انخفاض أسعارها من جهة، وعدم الاضطرار إلى التوجه للمستشفيات من جهة أخرى. والأمر ذاته بالنسبة للأدوات الطبية التي لم يكن من الشائع تعامل المصريين معها، وأصبحت في متناول الجميع، وتكونت لدى المواطنين خبرة جمعية في التعامل معها، مثل أسطوانات الأوكسجين وملحقاتها والأردية الواقية الجراحية، الأمر الذي جعل مقولة "ممكن نعمل في البيت اللي هتعمله المستشفى" سائدة في أوساط عديدة، خصوصاً مع تراجع الآمال المرجوة من العقاقير التي يتم تجريبها حالياً على المرضى، وعدم ظهور عقار فعال على مستوى العالم.
وهناك مستجد رابع أسهم في حالة وفرة الأسرّة التي ظهرت في الفترة الأخيرة، وهو أن المستشفيات التابعة لوزارة الصحة لم تعد تشترط تحول التحاليل إلى سالبة لإخراج المصاب من المستشفى، بل صارت تعتمد فقط على مدى اختفاء الأعراض. وارتباطاً بالأمر، فإن الوزارة كانت قد أوقفت في 28 يونيو/حزيران الماضي الإحصاء الخاص بعدد من تحولت تحاليلهم من موجبة إلى سالبة، والذين يكونون في طريقهم للتعافي، وهو الذي كان معتمداً على إجراء تحليل "PCR" مرة كل يومين أو ثلاثة لكل مصاب مسجل محجوز داخل المستشفى. وقد تم إلغاء هذا الأمر من الأساس، لتوفير إمكانيات المعامل المركزية لخدمة حالات الاشتباه فقط، وكذلك الأشخاص الراغبين في السفر إلى الدول التي تشترط إجراء التحاليل.
لم تعد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة تشترط تحول التحاليل إلى سالبة لإخراج المصاب
وأوضحت المصادر أنه على الرغم من انحسار الأعداد المسجلة بالفعل في العديد من المحافظات، فإن هناك بعض المناطق ما زالت تسجل أعداداً كبيرة، خصوصاً في القاهرة والجيزة والمنوفية والقليوبية ودمياط، لكن دخول مستشفيات الحميات والصدر، وبعض المستشفيات الحكومية العامة، إلى مضمار علاج مصابي الجائحة، وعدم قصر العلاج على مستشفيات العزل المحددة منذ بداية الأزمة، ساهم في توفير عدد أكبر من الأسرّة للمصابين.
وأعلنت وزيرة الصحة هالة زايد سلفاً أنه تم في القاهرة والجيزة والقليوبية، وهي المحافظات المكونة للقاهرة الكبرى، تسجيل نحو نصف عدد الإصابات بها، وأنه سيتم من الآن الاستغناء عن تسكين المصابين بالأعراض الخفيفة والمتماثلين للشفاء في نزل ومراكز الشباب، والاستعاضة عن ذلك بعزلهم منزلياً. ومنذ 27 يونيو/حزيران الماضي، ألغت الحكومة المصرية حظر التجوال مع فرض قيد مخفف على حركة وسائل النقل العامة من منتصف الليل وحتى الرابعة صباحاً، وأعادت فتح المقاهي والمطاعم ودور السينما والمسارح والنوادي الرياضية الخاصة يومياً حتى العاشرة مساء، بنسبة إشغال 25 في المائة، وغلق المحال التجارية الأخرى في التاسعة مساء، مع استمرار الإلزام بارتداء الكمامات، واستمرار غلق الشواطئ العامة والحدائق العامة. وأعلنت الحكومة عودة الطيران بجميع مطارات الجمهورية ابتداء من أول الشهر الحالي، مع عودة السياحة تدريجياً بفتحها للمواطنين والأجانب في 3 محافظات فقط، فضلاً عن عودة بعض الأنشطة الرياضية تدريجياً في بداية الشهر المقبل، وعودة الدوري العام لكرة القدم في 25 يوليو/تموز الحالي.