37 خرقا قانونياً في "مذبحة" القضاة في مصر(1-2)

21 مارس 2015

قضاة مصريون في وقفة مطالبين باستقلال القضاء في القاهرة(25مايو/2006/أ.ف.ب)

+ الخط -

أصدر مجلس الصلاحية (مجلس محاكمة القضاة) في مصر حكما، في 14 مارس/آذار الجاري، في جلسة غير علنية، وفي غيبة المدعَى عليهم، قضى بإحالة 31 قاضيا من القضاة المتهمين بالتوقيع على بيان رافض لعزل الرئيس المنتخب، محمد مرسي، و10 من تكتل "قضاة من أجل مصر" إلى المعاش (التقاعد).

وقد حفلت محاكمة القضاة بامتهانات خطيرة، وتجاوزات مقصودة لأحكام القانون قصداً، للوصول إلى إقصاء هؤلاء الشرفاء من ولاية القضاء، استنادا لأسباب غير صحيحة وتحريات كاذبة، وتمت مصادرة حقهم في الدفاع بصورة بشعة، حتى لا يتمكنوا من تفنيدها ودحض دلالتها، وهي أكبر مذبحة للقضاة في تاريخ القضاء المصري ترتكب بيد القضاة، وتقسّم هذه الأخطاء الفادحة إلى أربعة أقسام رئيسية:

أولاً: أخطاء رئيس محكمة استئناف القاهرة

1ـ إصدار قرار ندب قاضي التحقيق، وهو غير مختص، وذلك اغتصابا لسلطة الجمعية العامة للمحكمة، والتي تتكون من جميع قضاة المحكمة. فقد نصت المادة 65 من قانون الإجراءات الجنائية، قبل تعديلها بالقانون 138 لسنة 2014، على أنه "لوزير العدل أن يطلب من محكمة الاستئناف ندب قاضٍ لتحقيق جريمة معينة، أو جرائم من نوع معين، ويكون الندب بقرار من الجمعية العامة، وفي هذه الحالة، يكون القاضي المندوب هو المختص، دون غيره، بإجراء التحقيق من وقت مباشرته العمل. وهذا النص هو المنطبق، لأن البيان تمت تلاوته في 24 /7 /2013، كما أن الوقائع المسندة لقضاة من أجل مصر وقعت في عام 2012، الأمر الذي يعني أن قاضي التحقيق باشر التحقيق، استنادا لقرار ندب صادر من غير مختص، ما يترتب عليه انعدام هذه التحقيقات، وعدم ترتيبها أي آثار.

2ـ اختيار قاضي تحقيق معين. نظرًا لعدم وجود نظام يحدد أسس ندب قاضي التحقيق، ونظراً للصلة القوية التي تربط رئيس مجلس إدارة نادي القضاة، المستشار أحمد الزند برئيس محكمة استئناف القاهرة، المستشار نبيل صليب، والتي وصلت إلى حد مجاملة الزند، بإصدار قرار ندب قاضٍ للتحقيق في قضية المتهم فيها الزند بالاستيلاء على أراض مملوكة لمواطنين من البدو، في منطقة الحمام في مرسى مطروح، خلافا لصريح نص المادة 69 من قانون الإجراءات الجنائية، وهو ما ترتب عليه إغلاق الملف بإجراء منعدم. وترشح هذه الصداقة بقوة للقول إن ندب المستشار محمد شيرين فهمي للتحقيق كان خدمةً للزند، وهو أول الشاكين في قضية البيان، وصداقته الزند مشهورة، وقد اعترف لي شخصيا بصداقته للزند ولرئيس نادي القضاة السابق، وأحد مؤسسي تيار الاستقلال القضائي، المستشار زكريا عبد العزيز في مكالمة هاتفية، تمت عن طريق مساعد النائب العام، المستشار حسن يسن، وفي حضوره. ونظرا لهذه الصداقة، تنحّى محمد شيرين عن التحقيق مع المستشار زكريا عبد العزيز في قضية "قضاة من أجل مصر" نفسها، لكنه أصرَّ على استكمال التحقيق في القضيتين، بالنسبة لباقي القضاة، على الرغم من أن تنحيه عن التحقيق مع أحد القضاة يوجب عليه التنحي عن التحقيق مع باقي القضاة، لوحدة الموضوع، وعلى الرغم من مواجهته بصلته بالزند ومطالبته بالتنحي.

ثانياً: أخطاء قاضي التحقيق

1ـ عدم رد قاضي التحقيق على الدفع ببطلان قرار ندبه، ومن ثم عدم اختصاصه بالتحقيق خلال 24 ساعة طبقا للقانون. وقد نصت المادة 82 إجراءات جنائية على أنه "يفصل قاضي التحقيق، في ظرف أربع وعشرين ساعة، في الدفوع والطلبات المقدمة إليه، ويبين الأسباب التي يستند إليها.

2ـ رفض قاضي التحقيق تسليم القضاة المدعى عليهم، المتهمين، صورا من التحقيقات على نفقتهم، على الرغم من عدم صدور قرار بإجراء التحقيق في غيبتهم، فقد نصت المادة 84 إجراءات جنائية على أنه "للمتهم وللمجني عليه وللمدعي بالحقوق المدنية وللمسؤول عنها أن يطلبوا على نفقتهم في أثناء التحقيق صورا من الأوراق، أياً كان نوعها، إلا إذا كان التحقيق حاصلاً بغير حضورهم، بناء على قرار صادر بذلك.

3ـ إفشاء قاضي التحقيق أسرار التحقيق والتشهير بالقضاة المدعى عليهم، وتهديدهم بإلقاء القبض عليهم، حال تخلفهم عن الحضور، واتهامه القاضيين، ناجي دربالة ومحمود محيي الدين، بتزوير توقيعات من أنكر صلته بالبيان، على الرغم من أن البيان لا يحمل أي توقيعات.

وتنص المادة 75 إجراءات جنائية على أنه "تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها، والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار، ويجب على قضاة التحقيق وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء، وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق، أو يحضرونه بسبب وظيفتهم، أو مهنتهم، عدم إفشائها، ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقا للمادة 310 عقوبات.

4ـ رفض قاضي التحقيقات إثبات ادعاء القضاة بالحقوق المدنية، قبل الشاكين، لمطالبتهم بالتعويض عن الأضرار التي أصابتهم بالبلاغ الكاذب المقدم منهم.

تنص المادة 76 إجراءات جنائية على أنه "لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يدّعي بحقوق مدنية أثناء التحقيق في الدعوى، ويفصل قاضي التحقيق نهائياً في قبوله بهذه الصفة في التحقيق.

5ـ قيام قاضي التحقيق بتاريخ 24 /8 /2013 باختيار 13 قاضياً، من دون أي سند موضوعي، وأصدر قرارا بمنعهم من السفر، ومن دون إبداء أسباب، ومن دون تحديد مدة للمنع من السفر، وهم وكيل وأعضاء نادي القضاة من تيار الاستقلال، ومن المشاركين في اعتصام القضاة عام 2006.

6ـ توجيه الاتهام للقضاة بصيغة عامة مطاطة، لا تصلح لأن تكون سنداً للمساءلة، كأن يتهم بعضهم بمخالفة قانون السلطة القانونية والانتماء لتيارات سياسية، أو ذات مرجعية سياسية، من دون تحديد لهذه التيارات التي يتهم القضاة بالانتماء إليها. فلا يصح في التحقيق أن يسند للمتهم ارتكابه جناية قتل، مثلاً، من دون أن يحدد المجني عليه بقتله، أو ارتكابه جناية الاختلاس، من دون أن يحدد الجهة المجني عليها، والمبلغ المختلس وهكذا، وذلك لتحديد الجريمة من جهة، ولتمكين المتهم من إبداء دفاعه، من ناحية أخرى.

7 ـ عدم مواجهة القضاة بتحريات الأمن الوطني، للرد عليها، وإبداء دفاعهم بشأنها، وقد تبين للقضاة أن هذه التحريات مزورة فور نشرها في صحيفتي الوطن واليوم السابع، وقد أبلغ القضاة النيابة العامة بواقعة التزوير.

8 ـ في 1/ 9 /2013 انتدب مركز المعلومات القضائية في النيابة العامة للدخول على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالقضاة، لبيان ما تم من مناقشات بين القضاة بشأن البيان. ولم يثبت رد المركز على المهمة التي انتدب لتنفيذها.

9ـ في 7/ 9 /2013 أذن للإدارة العامة للمعلومات والتوثيق في وزارة الداخلية لأداء المهمة السابقة عن المدة من 1/7 /2013 حتى 24 من الشهر نفسه. ولم يثبت القاضي مضمون رد الإدارة، لأنه تضمن عدم إمكان الدخول إلى مواقع القضاة المدعى عليهم.

10ـ كما قام، في 6 /9 /2014، بإثبات ورود محضر من مركز الإعلام في محكمة النقض بتفريغ تدوينات للقضاة على مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من عدم انتدابه لهذه المهمة، وعدم إرفاق المحضر المتضمن الإجراءات التي قام بها المركز، والنتائج التي انتهى إليها.

وعلى الرغم من عجز الإدارة العامة في وزارة الداخلية بإمكانياتها عن الدخول لهذه المواقع، ما يقطع بأن هذه التدوينات قد سلمت إليه يدوياً من جهة أو أشخاص مجهولين. وعدم مواجهة القضاة بهذه التدوينات لإبداء ملاحظاتهم عليها.

11ـ اختيار قاضي التحقيق 60 قاضيا من قضاة البيان لإحالتهم لمجلس الصلاحية، من دون الاستناد إلى أي أسس موضوعية، بل إنه أحال القاضي صفوت محمد حفظي الذي لم يوجه له اتهام، وأصدر قراراً بألا وجه لإقامة الدعوى، قبل زملائه الذين أسند إليهم عدة اتهامات.

ثالثاً: خطأ وزير العدل

بتاريخ 21 /10 /2014 أصدر وزير العدل قرارا بإحالة 56 قاضيا من قضاة البيان، و16 قاضيا من "قضاة من أجل مصر" لمجلس الصلاحية، عملا بالمادة 65 إجراءات جنائية. وقد نصت المادة 111، فقرة أولى من قانون السلطة القضائية، على أنه "إذا ظهر، في أي وقت، أن القاضي فَقَد أسباب الصلاحية لولاية القضاء لغير الأسباب الصحية، يرفع طلب الإحالة إلى المعاش، أو النقل إلى وظيفة أخرى غير قضائية، من وزير العدل من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب رئيس المحكمة إلى المجلس المشار إليه، في المادة 98، والمقصود برئيس المحكمة هو رئيس المحكمة التي يعمل بها القاضي، فليس من المتصور أن يرتكب قاض في محكمة أسوان عملاً ينال من صلاحيته لولاية القضاء، فيطلب رئيس محكمة الإسكندرية، مثلاً، إحالته للصلاحية.

ونظراً لأن قرار وزير العدل لم يصدر، من تلقاء نفسه، وإنما صدر بناءً على طلب من رئيس محكمة استئناف القاهرة في الدعويين، لكنه اشتمل على إحالة 8 قضاة فقط من محكمة استئناف القاهرة، بالإضافة إلى 48 قاضيا في قضية البيان من غير قضاة محكمة استئناف القاهرة، كما اشتمل على 9 قضاة فقط في قضية "قضاة من أجل مصر" من قضاة محكمة استئناف القاهرة، بالإضافة إلى 7 قضاة من محاكم أخرى، وهو أمر خارج نطاق اختصاصه، ومن ثم فليس هناك قرار صحيح بإحالة هؤلاء القضاة لمجلس الصلاحية، وهم 48 قاضيا من قضاة البيان، و7 في قضية قضاة من أجل مصر، وبالتالي، يكون اتصال المجلس بالنسبة لهم منعدما.

55062C80-597A-44D7-BE3D-C1A7C089A13E
أحمد سليمان

وزير العدل المصري الأسبق، عين في مايو/أيار 2013، واستقال في يوليو/تموز 2013، رفضاً للانقلاب، ويعد أحد أعلام تيار الاستقلال في نادي القضاة.