3.5 ملايين سوري في تركيا حجرهم كورونا ينتظرون مبادرات إنقاذية

28 مارس 2020
طاولت التداعيات قطاع المطاعم التي يعمل فيها السوريون(العربي الجديد)
+ الخط -
تواجه العمالة السورية في تركيا مأزقاً مالياً ينعكس على الأحوال المعيشية المتردية بالأساس، في ظل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية للحد من انتشار فيروس كورونا الجديد، من إغلاق للمحلات وتقليص ساعات العمل في المصانع.
ويزيد من عمق هذه الأزمة استبعاد السوريين، البالغ عددهم نحو 3.5 ملايين، من خطة التحفيز الاقتصادي التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فضلاً عن غياب مبادرات من رجال الأعمال، لمد يد العون للعمالة السورية التي يبلغ عددها نحو 700 ألف، غالبيتهم يحصّلون دخلهم من أعمال يومية، تقلصت أو في طريقها للتوقف.


مبادرات خجولة

خرجت مبادرات، وصفها مؤسس مجموعة "دفا" لمساعدة السوريين جمال مامو بـ"الخجولة"؛ لأنها برأيه لا تصل إلى حجم الحاجة المتزايدة للسوريين في تركيا "فهم يعيشون يوماً بيوم ومعظمهم فقد عمله وبدأ يستنزف مدخراته المحدودة ويعلن حاجته".

ويقول مامو لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "مجموعة دفا متخصصة لمساعدة سوريي الداخل، وتعتمد على تبرعات من بعض السوريين الميسورين بالشتات، لكننا، خلال الفترة الحالية، نحاول مد اليد وفق إمكاناتنا المحدودة للسوريين الأكثر حاجة وفقراً، كما أننا دعونا لتشكيل مبادرات لتوزيع سلل غذائية وتوجيه الشراء إلى المحال والمطاعم والمنشآت السورية كي لا تتوقف".


ويلفت مامو إلى أنّ "حاجة السوريين للغذاء ودفع الإيجار والفواتير، أكبر من قدرة مبادرة فردية، فهي بحاجة لوجود مجلس أو هيئة تتكفل بالسوريين"، داعياً "الائتلاف السوري المعارض والجمعيات السورية للتواصل مع الحكومة التركية للخروج بأي حل يبعد السوريين عن العوز، بعد توقف بعض الأعمال والتزامهم منازلهم".

وبادر أتراك، أخيراً، لتشكيل مجموعات مساعدة وإغاثة للسوريين، كما يقول مدير مركز الهجرة والدعم المعنوي في مدينة نيزب جلال ديمير، لـ"العربي الجديد".

وأضاف ديمير "قمنا بمبادرات عديدة من أجل مساعدة أهلنا السوريين بتركيا، منها توجيه رسائل إعلامية، عبر تلفزيونات وإذاعات تركية، لعدم أخذ إيجار من السوريين عن شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان".

وقال ديمير "تواصلنا أيضاً مع والي غازي عنتاب الذي قام مشكوراً بتدشين حملة (المس القلب واكسبه) لمساعدة السوريين، هذا فضلاً عن تأسيس مجموعة وفاء التعاونية الاجتماعية، والتي تضم ممثلين عن القطاعات التركية المعنية، كالشرطة، والصحة، والأوقاف، والإغاثة، حيث تم فرز أشخاص منهم للرد على السوريين ومحاولة تقديم المساعدة لهم".

وتابع "في المقابل وجهنا دعوات لرجال الأعمال والكوادر الطبية السورية، للوقوف مع أهلهم الأتراك خلال هذا الاختبار، حيث وضع أكثر من 30 طبيباً سورياً أنفسهم تحت تصرف وزارة الصحة التركية للقيام بأي دور يوكل إليهم".

ويصف البعض ما يقوم به سوريون من مبادرة، بإشراف الائتلاف الوطني المعارض، بأنها "الأنضج والأكثر تنظيماً"، وإن كانت متأخرة ولم تترجم أعمالها على الأرض بعد.
ويقول فارس الصالح، المنسق التقني للمبادرة، "وضعنا خطة طوارئ لمواجهة آثار كورونا الصحية والمعيشية على السوريين، نحاول خلالها جمع المبادرات لتصب بقناة واحدة، بعد جمع معلومات تضم المحتاجين والمتبرعين، بهدف التشبيك مع بعضهم، على صعيد الإغاثة والطوارئ الصحية وحتى التوعوية".

ويضيف المنسق التقني، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأولوية الآن للمسنين الجالسين بمنازلهم ولا يوجد لديهم دخل أو معيل"، معلناً أنّ "الاحتياج ضخم وبتزايد ولكننا سنبذل ما نستطيع".

دور رجال الأعمال

واتهم سوريون رجال الأعمال السوريين، في تركيا، بعدم القيام بمبادرات على مستوى "الكارثة" التي يمكن أن تلحق بأكثر من 3.5 ملايين سوري مقيم هناك، مع توقف أكثر من 700 ألف عامل سوري عن أعمالهم، بحال استمرار الحجر المنزلي.

ويقول التربوي السوري خالد الأسعد، لـ"العربي الجديد"، "للأسف، لم نلمس مبادرات من رجال الأعمال السوريين، بتركيا أو حول العالم، لمساعدة السوريين بتركيا أو بلبنان وعلى الحدود، خلال فترة الإقامة الجبرية بالمنازل".



في المقابل، يرد رجل أعمال سوري في تركيا، فضّل عدم ذكر اسمه، بالقول إنه "يوجد تقاعس ولكن الحاجة أكبر من مبادرات، هي بحاجة لمنظمات دولية أو دول داعمة، وهذه مسؤولية الائتلاف والحكومة المؤقتة لتتواصل بهدف إيجاد دعم للسوريين".

بدوره، يقول رئيس مجلس رجال الأعمال السوريين في تركيا "صبا" محمود عثمان، إنّ "الوضع لم يزل بالبداية ومرشح لمزيد من التفاقم، وبدأنا منذ أيام بكل ما نستطيع"


وحول ما قامت به "صبا" على الأرض، يضيف عثمان، لـ"العربي الجديد"، "بالنسبة لنا، نحن حديثو العهد في تركيا ولم يدم على وجودنا أكثر من عام، وصراحة لا يوجد لدينا ملاءة مالية أو خطة تستطيع أن تنقذ السوريين من العوز أو الإصابات، لذا تواصلنا مع وزارة العمل التركية لإعادة تفعيل ومنح إذن العمل للسوريين بعد أن توقف، وتواصلنا مع المؤسسات الاقتصادية التركية لتشميل السوريين ضمن برامج ومبادرات المساعدات".


ويلفت عثمان إلى أنّ الشركات السورية في تركيا حصلت على الجنسية التركية، أي أنها مشمولة بحزمة المساعدات التي ستنالها الشركات التركية، مكرراً "ليست لدينا القدرة المالية لنقوم وحدنا بأدوار كبيرة ربما تحتاج لدول ومنظمات كبرى".


هؤلاء الأكثر تضرراً

أتت أزمة تفشي فيروس كورونا على عمّال سوريين يعملون بمنشآت سياحية وخدمية، فطاولهم التسريح من العمل أو إلزامهم بالحصول على إجازة مفتوحة من دون أجر، أو تخفيض الرواتب وساعات العمل بالنسبة للمنشآت التي لا تزال على قيد الإنتاج.

وقف "العربي الجديد" على العديد من الحالات لسوريين، يعملون بمنشآت سورية وتركية، فقدوا عملهم أو تراجع أجرهم منذ أن أعلنت تركيا انتشار الوباءوفرضت حجراً منزلياً على المسنين، وتخفيف الخروج من المنازل للجميع.

يقول بلال حسين من ولاية غازي عنتاب، "تم منحي وثمانية سوريين، إجازة مفتوحة ومن دون أجر، لأن الشركة السياحية التركية، التي كنا نعمل فيها في ولاية كوجالي، توقفت عن العمل".

وحول التعويض الذي أخذه العمال، يضيف حسين، لـ"العربي الجديد"، "لم نحصل على أي تعويض مالي، وبرر رب العمل أنه لم يسرحنا، وربما نعود للعمل فيما لو انتهى الوباء وعادت الحياة للقطاع السياحي".

وكان قطاع السياحة الأكثر تضرراً في تركيا، بحسب ما يقول مدير شركة سياحية بمنطقة تقسيم لـ"العربي الجديد"، مفيداً بأنّ "الخسائر لحقت القطاع وشركته ولا مبرر للإبقاء على الموظفين خلال توقف الموسم".

وتأثر قطاع التجميل وزراعة الشعر، كما يقول مترجم سوري يعمل في تركيا، موضحاً "تم تسريحنا من العمل بمشفى متخصصة بزراعة الشعر من دون أي تعويض، ولكن وعدنا بالعودة حين تمر الأزمة ويعود السياح والمرضى والعمل".

وطاولت الآثار قطاع المطاعم، خاصة بعد فرض تركيا عدم الجلوس بصالات المطاعم والاكتفاء بالطلبات الخارجية، بحسب ما يقول المستثمر السوري نزار البيطار، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "لدينا سبعة مطاعم بإسطنبول فقط، توقفت خمسة منها بشكل كامل وأبقينا على 10% من العمالة بمطعمين".

وحول تسريحه للعمالة يضيف البيطار، "يؤسفني القول إننا سرحنا جميع العمال، ولم نستطع دفع أي تعويضات لهم. كانت خسائرنا كبيرة خلال الشهر الفائت، لأنّ الحكومة التركية لم تقدم لنا أي دعم كما فعلت للمنشآت التركية". وحول السبب يردف البيطار "ندفع الضرائب كأتراك ولكن وقت الميزات يعاملوننا كسوريين".


ولم يسلم قطاع النسيج من الآثار السلبية التي فرضها انتشار الفيروس، فقد تم تخفيض ساعات العمل، بحسب ما تقول عاملة سورية، لـ"العربي الجديد"، مضيفة أنه "تم تخفيض ساعات العمل والأجر إلى النصف، وربما نفقد عملنا بعد الانتهاء من عقود التصدير المبرمة سابقاً مع الخارج".

بدوره، يقول العامل السوري حسين النايق، إنّ "الشركة خيرتنا بين تقديم إجازات مدفوعة الأجر، ولكن بأقل من الأجر المقطوع، أو الاستمرار بالعمل بأجر كامل، فأجرنا 2500 ليرة ولكن من يريد أن يجلس ببيته ريثما تنتهي الأزمة، يحصل على 1700 ليرة تركية".

وحول السبب في دفع أجور العاملين، على عكس ما يجري بكثير من المنشآت التركية، يقول العامل السوري "نحن مسجلون بالتأمينات وشركتنا تتبع للحكومة، كما لدينا عقود تصدير، وإنتاج شركتنا من قبعات وألبسة مطلوب للسوق التركية والخارج".

وفي الوقت الذي تراجع فيه إنتاج العديد من الشركات التركية، زاد الطلب على إنتاج بعض الشركات، إذ يؤكد العامل السوري عمر، من مدينة نيزب بولاية غازي عنتاب، أنّ الطلب على الصابون ومواد التنظيف زاد، خلال الفترة الحالية، وأعلنت شركة "دكتور أوغلو" عن حاجتها لمزيد من العمالة، "ولكن تبقى الأجور التي تتراوح بين 2000 و2500 ليرة تركية، أقل من تكاليف المعيشة"، بحسب ما يوضح.

تمثيل السوريين

وبينما يتم رمي كرة المسؤولية إلى التنظيمات السورية، مدنية كانت أم سياسية، تواصل "العربي الجديد" مع رئيس الجالية السورية في إسطنبول نزار خراط، الذي قال "حاولنا التواصل ولم نزل، مع رجال الأعمال السوريين بتركيا للإبقاء على العمال ولو بأجور أقل، وأن يتناوب العمال خلال ورديات كي لا يتوقف أجر أحد".
ويضيف "نحاول كمجلس جالية تنظيم المبادرات ومخاطبة الحكومة التركية والائتلاف السوري، للنظر بوضع السوريين المتأزم والمرشح لمزيد من الحاجة إن استمر الحجر المنزلي".


بدوره، قال الأمين العام للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عبد الباسط عبد اللطيف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الائتلاف هو هيئة سياسية ولا يمتلك مقومات دولة، لكننا لم ولن ندخر أي جهد تجاه شعبنا خلال محنة تجتاح العالم بأسره".

ويضيف المسؤول السوري "قمنا بمناشدات للأمم المتحدة ومنظمات دولية وتركية لتقديم العون للسوريين، سواء لاحتواء الجائحة وتقديم المعدات للكشف عن الإصابة، أو على صعيد المساعدات المالية بعد توقف العمل والتزام السوريين منازلهم".

ويلفت عبد اللطيف إلى أنّ "الائتلاف قام باجتماعات عدة وتواصل مع دول ومنظمات دولية، و"نأمل الاستجابة لتسليم أجهزة فحص سريع بالبداية كما وعدتنا منظمة أوروبية، ومن ثم تأمين مساعدات للسوريين بتركيا، ولو بالحد الأدنى، يبعدهم عن العوز ريثما يعودون إلى أعمالهم وتنجلي آثار هذا الوباء".

الإجراءات التركية

اتخذت الحكومة التركية جملة من الإجراءات والتحفيزات، لضمان مسيرة الاقتصاد ضمن ما أسمته "درع الاستقرار"، وتسابقت المؤسسات والمصارف التركية بتقديم الدعم، للشركات والأفراد الأتراك فقط، لتخفيف الأعباء التي فرضتها "مرحلة كورونا".

وعلى صعيد تأمين فرص عمل جديدة، أعلنت العديد من مراكز التسوق، وبعض الشركات الإنتاجية، عن حاجتها للعمالة، ليأتي إعلان وزيرة الأسرة والعمل التركية زهرة زمرد سلجوق، عن الحاجة لتوظيف 32 ألف عامل في مجال الرعاية الصحية، ولكن للأتراك فقط.

وجاء الدعم المالي للأسر التركية فقط، جراء إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان عن تقديم الحكومة دعماً مالياً بواقع ألف ليرة تركية لنحو مليوني أسرة من ذوي الدخل المحدود، بهدف تخفيف الآثار الاقتصادية لتفشي كورونا.

ووعد الرئيس التركي، خلال تغريدات متتالية على "تويتر"، برفع الحد الأدنى لرواتب المتقاعدين إلى 1500 ليرة (235 دولارا تقريباً) و توفير 7 مليارات ليرة تركية كدعم فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، ورفع مخصصات مؤسسات التكافل الاجتماعي إلى 180 مليون ليرة.


وأشار أردوغان إلى إطلاق برنامج متابعة دورية لمن هم فوق سن الـ80، وسيتم تقديم موعد تسديد مكافأة العيد للمتقاعدين إلى شهر إبريل/نيسان المقبل.
وشمل برنامج الدعم، بحسب الرئيس التركي، إعفاء الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا من دفع الإيجار لمدة شهرين، وتأجيل مدفوعات جميع الشركات المتوسطة والصغيرة حتى 30 يونيو/ حزيران المقبل، وتقديم دعم مالي بقيمة 6 ملايين ليرة إلى الشركات التركية المصنعة للمعقمات والملابس الواقية والنظارات والكمامات الطبية، في حين لم يشر الرئيس التركي إلى أي دعم للسوريين، أفراداً كانوا أم شركات.

يقول مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ياسين أقطاي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدولة التركية عندما تتكلم عن رعاياها، فالسوريون محسوبون ضمن أهلنا الأتراك، ولا يمكن التخلّي عنهم في هذه الظروف العصيبة".

ويضيف أقطاي "ربما لم تشملهم منحة الألف ليرة، التي قال عنها الرئيس لمليوني أسرة، أو ربما تشمل بعضهم الذين حصلوا على الجنسية، ومصنفين ضمن قوائم وزارة العمل ضمن الأسر متوسطة وقليلة الدخل، ولكن يوجد للسوريين (كرت الهلال الأحمر) وهو بأكثر من ألف ليرة وهو مستمر حتى الآن".


ويلفت مستشار الرئيس التركي، إلى أنّ "السوريين بالمنشآت التركية لهم كما للأتراك تماماً، معظمهم لم يزل على رأس عمله، ومن توقف إنما على شكل إجازة، أو تم تخييره بين الجلوس بالبيت ويتقاضى أجراً أقل أو يستمر بالعمل بكامل أجره، وهذا الحل طاول العمال الأتراك أيضاً".

وحول المهن التي توقفت وصرفت عمالتها، وخاصة بقطاع السياحة، يؤكد مستشار الرئيس التركي أنّ "تلك المهن توقفت بالنسبة للأتراك والسوريين معاً، وقد توقفت بعد تأجيل الموسم السياحي لمدة شهر حالياً، بمعنى أنّ الضرر لحق الجميع وليس السوريين فقط".


واقترح أقطاي أن يقوم رجال الأعمال السوريون ومعهم الأتراك، بمبادرات لمساعدة الفئات والأسر الفقيرة، مشيراً إلى أنّ بلاده "تقوم بجهود جبارة لاحتواء هذه الأزمة، وربما خلال الأسابيع القلية المقبلة، تنتهي تركيا من الاختبار الأصعب وتبدأ الحياة بالعودة إلى طبيعتها وإن بالتدريج".

المساهمون