وقال عبد النبوي في كلمة خلال لقاء دراسي نظمته النيابة العامة بتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" حول زواج القاصرات بمدينة مراكش، يومي 29 و30 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إن الارتفاع المتزايد لطلبات الزواج بقاصرات أمر مثير للقلق.
وتساءل عبد النبوي: "هل تعامل القضاة مع هؤلاء القاصرين كأبنائهم وبناتهم، أم كملفات قضائية. وهل راعوا مصلحتهم كما يراعي الآباء مصالح أبنائهم القاصرين، واختاروا لهم ما يؤهلهم لكسب رهانات المستقبل المعقدة، وحافظوا على سلامتهم الجسدية والنفسية، ومكنوهم من الاستمتاع بطفولتهم ومواصلة دراستهم وتكوينهم"؟
ودعا رئيس النيابة العامة المغربية إلى وقفة جدية للتأمل ومراجعة هذا الوضع، "كونه لا شك في تماس مع حقوق الطفل المكفولة دستوريا ودوليا، ولأن حماية هذه الحقوق جزء لا يتجزأ من التنمية الشاملة وبناء المجتمع الديمقراطي الحديث".
وشدّد الوكيل العام للملك بمحكمة النقض المغربية، على أن مكان القاصر الطبيعي هو مقاعد الدراسة "والنعيم بحضن الأبوين ودفء الأسرة بعيداً عن تحمل مسؤولية الزواج وما يترتب عنها من تبعات جسام، قد تتفاقم حين تكون الأم طفلة تربي طفلا أنجبته من بطنها أو حين يكون الأب طفلا مسؤولاً عن تربية طفل من صلبه".
وأوضح عبد النبوي أن رئاسة النيابة العامة قامت بإصدار عدة دوريات من أهمها الدورية المتعلقة بزواج القاصرين التي تم توجيهها لأعضاء النيابة العامة بمختلف محاكم المملكة، "من أجل حثهم على ضرورة الحرص على مراعاة المصلحة الفضلى للقاصرين بمناسبة تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة، وذلك عبر تقديم الملتمسات والمستنتجات الضرورية، وعدم التردد في معارضة طلبات الزواج التي لا تراعي المصلحة الفضلى للقاصر".
وشدّد على أن هذه التوجيهات شملت ضرورة جعل جلسات البحث التي تعقدها المحاكم مع مقدمي الطلبات، "مناسبة لتوعية القاصر بالأضرار التي يمكن أن تترتب عن الزواج المبكر، والاستعانة في ذلك بالمساعدات الاجتماعيات والحرص على الحضور في جميع الجلسات المتعلقة بزواج القاصر".
وكشف عبد النبوي عن وجود دراسة قيد الإنجاز، تهدف إلى الكشف عن مختلف صور التحايل التي يتم اللجوء إليها لشرعنة الزواج المبكر أو جعله أمرا واقعا وملزما للقرار القضائي، في إشارة منه إلى ما يعرف بالمغرب بـ"زواج الفاتحة"، الذي يتم بطريقة عرفية ودون إذن المحكمة، ليتم تقديم طلب الاعتراف بالزواج بعد أن يرزق المتزوجان بأبناء، ما يرغم المحكمة على توثيق زواجهما حفاظا على مصلحة الأطفال.
يشار إلى أن مدونة الأسرة التي صدرت عام 2003، وشكّلت حينها ثورة إصلاحية في مجال حماية المرأة، نصّت على أن أهلية الزواج لا تتحقق إلا بعد بلوغ سن 18 سنة، مع ترك الباب مفتوحا أمام الاستثناءات في حالة تعلّق الأمر بقاصرات، شريطة الحصول على إذن مسبق من القاضي.
وحسب وثيقة مسجلة في أرشيف الموقع الرسمي لوزارة العدل المغربية، فإن عدد حالات زواج القاصرات عرف ارتفاعا متواصلا، إذ كان في حدود 18 ألف طلب في سنة 2004، ليتجاوز عتبة الـ39 ألفا في سنة 2011 التي تحتفظ بالرقم القياسي في هذا المجال، رغم أن الوثيقة تقلّل من أهمية ذلك الارتفاع لكون عدد عقود الزواج عرف ارتفاعا استثنائيا في تلك السنة، وليس حالات زواج القاصرات وحدها.
ولا تشكلّ نسبة الطلبات المرفوضة من أصل مجموع الطلبات المقدمة إلى المحاكم، سوى أقل من 10 في المائة، حيث تم رفض أقل من 5 آلاف طلب في سنة 2011.
وكشفت دراسة أنجزتها جمعية "حقوق وعدالة" ونشرتها في مارس/آذار 2018، أن ظاهرة زواج القاصرات تهم الحواضر والبوادي على حد سواء، لكنها ترتبط أكثر بالبطالة والفقر، حيث يؤدي عوز الأسر إلى دفعها نحو تزويج بناتها.