فبعد أكثر من سنتين ونصف السنة من تواجدها في المنطقة لتدريب قوات البشمركة، بدأت تظهر بعض التحركات على القوات التركية في المناطق التابعة لمحافظة نينوى الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية التابعة لرئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني. تشير المعلومات الأولية إلى أن القوات المسلحة التركية أرسلت، ليل الجمعة، ما يقارب 180 عسكرياً وبين 20 و25 دبابة إلى معسكر الزليقان الواقع شمال بعشيقة، التي تقع بدورها على بعد 27 كيلومتراً غرب مدينة الموصل في محافظة نينوى، وهي من المناطق المتنازع عليها بين الإقليم وبغداد والتي قامت إربيل بتحريرها من "داعش". بذلك، يصبح تعداد العسكريين الأتراك في المعسكر نحو 1000 عسكري.
التسريبات حول الرواية التركية الرسمية تفيد بأن هذه التعزيزات تأتي في إطار تبديل مناوبات للجنود والمدربيين الأتراك في المعسكر، الذين كانوا يعملون على تدريب قوات البشمركة وأيضاً قوات الحشد الوطني التركمانية والقوات العربية، وأن رفع التعداد جاء لتأمين المعسكر القريب من مناطق سيطرة "داعش"، حيث إن هذه القوات تضم وحدات تابعة للاستخبارات التركية العامة، وأيضا استخبارات الجيش، إضافة إلى وحدات تابعة للقوات الخاصة التركية (من ذوي القبعات الزرقاء والحمراء)، والفرقتان معروفتان بالقدرات القتالية العالية في المناطق الجبلية وفي إدارة المواجهات القريبة والقيام بعمليات كشف وتثبيت للمواقع الاستراتيجية للعدو وتوجيه ضربات لمحوها. من هنا، لا يبدو أن مهمة هذه القوات ستقتصر على التدريب بل قد تكون القيام بعمليات محدودة وسريعة في المنطقة تستهدف قيادات وأماكن حساسة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وربما قوات "العمال الكردستاني"، بحسب معلومات "العربي الجديد".
يأتي هذا بينما نقلت صحيفة "حرييت" التركية المعارضة، بأن التحركات العسكرية التركية في محافظة نينوى تأتي ضمن اتفاق بين أربيل وأنقرة على منح تركيا قاعدة عسكرية دائمة في منطقة بعشيقة، حيث تم توقيع الاتفاق بين كل من البرزاني ووزير الخارجية التركي السابق، المسؤول الحالي عن ملف الشرق الأوسط والتحالف الدولي ضد التنظيم في الخارجية التركية، فريدون سينيرلي أوغلو، خلال زيارة قام بها المسؤول التركي إلى أربيل في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ويقول وزير عراقي لـ"العربي الجديد"، إنّ "غرفة عمليات التحالف الدولي المشتركة في بغداد أبلغت رئيس الوزراء أن القوات التركية البالغ عددها نحو 180 جندياً وعسكرياً من القوات الخاصة دخلت بعلم التحالف الدولي وحكومة كردستان وتتواجد حالياً في جبل العبد العاشق على حدود مدينة بعشيقة. وتقدم هذه القوات دعماً للقوات الكردية في مواجهة تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني الذي اقترب من مناطق سهل نينوى عقب استعادة البشمركة الكردية مدينة سنجار، شمال العراق، ودخول مقاتلي الحزب إلى المدينة بهدف اتخاذها معقلاً لهم عقب خسارتهم في معاركهم مع الجيش التركي في جبال قنديل ومنطقة خاوة وليفيان على الحدود العراقية التركية"، مشيراً إلى أنّ "وجود قوات تركية أفضل بكثير للعراق الذي نحرص عليه جميعاً من داعش أو حزب العمال المصنّفين كتنظيمين إرهابيين".
ويوضح الوزير نفسه أنّ "القوات التركية، على الرغم من قلّة عددها لكنها تقدّم خدمات تصب لصالح العراق، وهو ما أبلغه التحالف الدولي لرئيس الحكومة حيدر العبادي. لكن أجندات سياسية تتعلق بإيران والمليشيات الموالية لها، دفعت العبادي إلى اتخاذ موقف متشنّج من هذا التدخل"، مضيفاً أنّ "مواقف العبادي الأخيرة تصبّ في خانة مجاملة للمليشيات التي باتت تبتزّ الرجل في هذا المجال بشكل واضح لسيطرتها على بغداد وإمكانياتها في قلب الموازين ضده".
اقرأ أيضاً: استعدادات لقدوم أفواج من الجيش التركي لتحرير الموصل
وتقع مدينة بعشيقة، حيث وجود القوات التركية، إلى الشمال الغربي من الموصل، وتضم نحو 20 قرية تحيط بمركز المدينة، وتقطنها غالبية مسيحية من الروم الأرثوذكس والكاثوليك وطوائف دينية أخرى، مثل الأيزيدية والزرادشتية، فضلاً عن أقلية مسلمة وتركمان. وتعتمد بعشيقة على الزراعة بشكل كامل وتخضع لنفوذ واضح لحكومة كردستان العراق التي تجدها امتداداً لحدود ما يُعرف بـ"الحزام الآمن" للإقليم.
ووفقاً لمعلومات خاصة لـ"العربي الجديد"، فإن القوات التركية تتواجد داخل معسكر كبير يملكه لواء مدرع كردي يتبع لقوات البشمركة الكردية. ولا تتخذ القوات التركية أي شكل من الاستقلال في تواجدها العسكري، بل قدّمت الدعم للبشمركة في أكثر من مرة منذ منتصف الشهر الماضي.
وتستعد القوات الكردية بدعم دولي للهجوم على مدينة بعشيقة، حيث يُعتقد وجود أكثر من 400 امرأة أيزيدية ومسيحية، اتخذهم التنظيم سبايا له. ويعني تحرير بعشيقة بشكل كامل، أنّ الموصل أصبحت على قاب قوسين من التحرير، إذ إنّ تحرير الأولى يمكّن القوات البرية الكردية من فرض الحصار على عناصر داعش في الموصل.
وفضلاً عن ربط التحرك التركي المستجد في شمال العراق بالتمدد الكردستاني، ومحاربة "داعش" من قبل حلفاء أنقرة من قوات بشمركة ومقاتلين من العرب السنّة والتركمان، يضع كثيرون خطوة أنقرة في خانة دعم المقاتلين الأكراد المحسوبين على البرزاني في المواجهة مع مليشيات الحشد الشعبي المدعومة إيرانيّاً، لتكتمل تعقيدات المشهد. وظهرت جوانب جديدة من هذه التعقيدات في الموقف الحاد ضد تركيا الذي أعلنه الرئيس العراقي فؤاد معصوم، القيادي في حزب جلال الطالباني المحسوب سياسياً في فئة حلفاء طهران الوثيقين. ومن شأن التطورات أن تعمّق الشقاق الكردي ــ الكردي على المستوى العراقي وربما أبعد من العراق.
وتكشف مصادر عراقية رفيعة المستوى في حكومة العبادي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأخير أُبلغ من قبل واشنطن، أمس السبت، عن أنّ دخول القوات التركية جاء بترخيص من رئاسة إقليم كردستان وبشكل رسمي عبر منفذ حاج عمران الدولي بين البلدين، على عكس ما أعلن مكتبه، أنّه اختراق للحدود وانتهاك للسيادة".
في غضون ذلك، رحّبت كتل سنيّة وكردية وتركمانية بالتدخل التركي الذي وصفته بـ"المحدود". ويقول النائب عن جبهة الحراك الشعبي محمد عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إنّهم "مع الحراك التركي قلباً وقالباً، لأنّه يجنّب أهالي المدن كوارث عدّة، ويضمن عودة الأمور إلى ما كانت عليه بعد زوال داعش، وعدم تكرار سيناريو محافظة ديالى (شرقاً)، ومدينتَي جرف الصخر (غرب بغداد)، وتكريت (شمال بغداد).
ويؤكد القيادي في التحالف الكردستاني العراقي، حمّة أمين، لـ"العربي الجديد"، أنّ إعطاء الموضوع أكبر من حجمه (أي وجود القوات التركية) سياسي ولإسكات المنادين بوقف التدخل العسكري الإيراني، حتى يُقال إنّ هناك تدخلاً تركيّاً وليس فقط إيرانيّاً، مضيفاً أنّ "القوة التركية تقدم الدعم، وجاء ذلك ضمن اتفاق سابق بين كردستان العراق والأتراك، ويستحيل أن تتمكن الحكومة التركية من إرسال قوات ما لم يوافق برلمان تركيا على ذلك".
في هذا السياق، يؤكد محمود سورجي، المتحدث باسم ما يُعرف بـ"حشد تحرير الموصل"، وهي قوات شعبية تم تشكيلها من سكان الموصل من قبل المحافظ السابق، أثيل النجيفي، وتحظى بدعم كردي وأميركي واسع، أنّ "ثورة عارمة ستشارك فيها حتى النساء في حال إعلان ساعة الصفر لبدء تحرير الموصل" المرتبطة بالتدخل التركي المستجد. ويشير سورجي إلى وجود 8200 مقاتل رسمي في "حشد الموصل"، لافتاً إلى استعداد أفواج إسناد من قوات البشمركة الكردية للمشاركة في المعارك، فضلاً عن 6000 عنصر من الشرطة المحلية. ويضيف "نحن على تواصل يومي مع أهلنا داخل الموصل"، مؤكداً أنّ مجموعة صغيرة من "كتائب تحرير الموصل"، قامت بعمليات نوعية وقتلت عدداً من قيادات وعناصر "داعش".
اقرأ أيضاً: تحركات متعددة الاتجاهات لتأمين تسليح البشمركة
و"كتائب تحرير الموصل" هي مجموعات مسلحة سرية ترتبط بقوات "حشد الموصل"، وتعمل داخل المدينة. نفّذت هذه الكتائب عمليات اغتيال لقيادات وعناصر تنظيم داعش خلال الفترة الماضية، وفقاً لما أعلنه محافظ الموصل السابق، أثيل النجيفي، الشهر الماضي.
ويكشف المتحدث باسم "حشد الموصل" عن وجود اتفاق يكمن في دخول قوات تركية إلى العراق، موضحاً أن نائب رئيس الجمهورية السابق، أسامة النجيفي، اتفق مع رئيس الوزراء حيدر العبادي على الطلب من تركيا مدّ يد العون لـ"حشد الموصل" والعشائر، مبيّناً أنّ القوة التركية التي دخلت إلى العراق أخيراً، جاءت لتوسيع معسكر تحرير الموصل، كما حملت بعض الإمدادات العسكرية للمتطوعين.
وينتقد سورجي مماطلة رئيس الوزارء، القائد العام للقوات المسلحة، حيدر العبادي، في إعلان ساعة الصفر لبدء المعركة وتأخُّره في تزويد متطوعي المحافظة بالسلاح، معتبراً تصريحات العبادي الأخيرة التي رفض فيها أي تدخل أجنبي غير واقعية، باعتبار أن هناك مستشارين إيرانيين وأميركيين يعملون بشكل علني في العراق، مطالباً الحكومة بإعادة النظر بخططها، ومشيراً إلى أن مقاتلي الموصل ينتظرون من التحالف الدولي الكثير.
ورفضت الحكومة العراقية التحضيرات التي تجري في الموصل لتحرير المحافظة من سيطرة تنظيم "داعش". ويوضح مكتب رئيس الوزراء وجود فوج تركي مُجهّز بالدبابات والمدافع قرب الموصل، معتبراً في بيان له، هذا الأمر، خرقاً خطيراً للسيادة العراقية. كما نأت قيادة عمليات نينوى المرتبطة برئيس الوزراء، بنفسها عن العمليات الجارية لتحرير الموصل. ويقول قائد العمليات نجم الجبوري، إن قاطِعَهُ يشرف على ثلاثة تشكيلات من "الحشد الشعبي"، هي: بيارق العراق، وأسود دجلة، وحشد جنوبي الموصل، ولا علاقة له بـ"حشد تحرير الموصل".
وترفض مليشيات "الحشد الشعبي" البدء بعمليات تحرير الموصل من دون مشاركتها. وانتقدت كتلة مليشيا "بدر" في البرلمان العراقي، ما سمته "صمت بعض السياسيين" على دخول قوات تركية إلى العراق، مبدية في بيان لها، استغرابها من عدم اعتراضهم على دخول الدبابات والمدرعات والجنود الأتراك واحتلالهم لمعسكر زليكان على أطراف الموصل. وتساءلت الميلشيات أنفسها عن المتباكين على السيادة العراقية، داعية الحكومة والبرلمان والكتل السياسية إلى اتخاذ موقف واضح وصريح من هذا الانتهاك الصارخ. وأضاف البيان أنّ "الشعب العراقي لن يسكت على ذلك، لأن الذين طردوا الأميركيين من قبل، هم على غيرهم أقدر"، مطالبة الادعاء العام بمحاسبة الذين جاؤوا بالقوات التركية وفقاً لقانون العقوبات بتهمة "الخيانة العظمى". وفي السياق، رفضت مليشيا " كتائب سيد الشهداء"، مشاركة قوات أميركية أو تركية في الحرب على تنظيم "داعش".
اقرأ أيضاً: العبادي يدعو أنقرة لسحب قواتها من الموصل