28 عاماً على النظام السوداني: مسيرة من الإخفاقات والتبدّلات

01 يوليو 2017
احتفظ النظام بثلاثة من قادته أبرزهم البشير(أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -


أكمل النظام الحاكم في السودان بتاريخ الثلاثين من يونيو/ حزيران، 28 عاماً على رأس السلطة في البلاد، بعد وصوله إلى سدة الحكم في ذاك التاريخ من العام 1989 عبر انقلاب عسكري وقفت خلفه الحركة الإسلامية بزعامة الراحل حسن الترابي. 28 عاماً شابتها إخفاقات واتهامات كثيرة، إلا أن عوامل ومعطيات عديدة ساهمت باستمرار النظام، مع انتهاجه سياسة براغماتية استطاع من خلالها تغيير مواقفه وسياساته وفق الظروف والمعطيات.

عند وصوله إلى الحكم، رفع النظام الحالي مجموعة من الشعارات الإسلامية، وعمد إلى تطبيق الشريعة على حياة الناس، بما في ذلك في حياتهم الاجتماعية، واستعدى مجموعة من الدول بينها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، باعتبارهما أعداء الدين، فضلاً عن دول غربية أخرى. وانتهج النظام في سنواته الأولى سياسة تصدير الثورة إلى الدول العربية والإسلامية، بدعم الإسلاميين في تلك الدول ومساعدتهم للوصول إلى الحكم. كما كان حاضراً في حرب الشيشان وصربيا والبوسنة والهرسك والصومال، وضالعاً في أحداث الجزائر، وساهم في تغيير حكومات دول الجوار (إثيوبيا وإريتريا وتشاد). وفي الداخل، عمل على إحداث تغييرات وتحوّلات كبيرة في المجتمع السوداني، ونجح في تدجين الشارع، كما غزا المناطق والقبائل وعمل على إعلاء قبائل على حساب أخرى.

أما اليوم، ومقارنة بوضعه عند وصوله للحكم، فهو أحدث تغييرات كبيرة، بدءاً بعلاقاته الخارجية وتحوّلاته في المحاور الدولية والإقليمية، وصولاً إلى سياسته داخل السودان. داخلياً بدأ هذا النظام التراجع عن المشروع الذي أعلنه عند وصوله، إذ يُلاحَظ تغيير واضح في الشارع السوداني بين سنوات "الإنقاذ" الأولى واليوم، في سلوك السودانيين ومظهرهم.
إخفاقات وإنجازات لازمت النظام الحالي في مسيرته، وإن كان الأخير يرى أن مسيرته تُوجت جلها بالإنجازات، بينها تقديم نفسه كبديل لتحقيق طموحات السودانيين، ما جعلهم يصبرون عليه خلال الأزمات التي لحقت بالبلاد أخيراً، كالأزمة الاقتصادية وما صاحبها من إجراءات، فضلاً عن استخراج البترول وإنهاء الحرب الأهلية في جنوب السودان التي استمرت 21 عاماً.

بينما يرى معارضون ومراقبون أن النظام الحالي أدخل البلاد في أزمات اقتصادية وسياسية ودبلوماسية عديدة، من خلال عدم الاتزان في سياساته الاقتصادية والخارجية وتقلّبها وغياب الرؤية الاستراتيجية في إدارة البلاد، وتفشي الفساد وتراجع القيم الإنسانية، فضلاً عن تدويل القضايا السودانية وفرض 63 قراراً ضد السودان من قِبل مجلس الأمن الدولي بينها قرار إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وما ترتب عليه من اتهامات لمسؤولين على رأسهم الرئيس السوداني عمر البشير، بارتكاب جرائم حرب في دارفور وملاحقته قضائياً. إضافة إلى دخول قوات دولية إلى الأراضي السودانية في دارفور.

وعلى الرغم من إخفاقات النظام طيلة فترة وجوده في سدة الحكم، إلا أنه تمكّن من تجاوز العواصف واحدة تلو الأخرى، كما أنه أصبح من الصعب التكهن بتركه السلطة على الرغم مما يعانيه من ضعف ووهن. ويرى مراقبون أن مجموعة عوامل ومعطيات ساهمت باستمرار حكم "الإنقاذ" في السودان، أهمها انتهاجه سياسة براغماتية استطاع من خلالها تغيير مواقفه وسياساته وفق الظروف والمعطيات، فضلاً عن ضعف المعارضة المحلية ونجاحه في شق صفوفها، إضافة إلى توفر الحماية له من قِبل الجيش والأمن، إلى جانب تغيّر التوازنات الدولية والإقليمية.

وكان من أبرز الاختبارات التي مر فيها النظام الحاكم، خروج السودانيين في تظاهرات في سبتمبر/ أيلول 2013 كانت الأعنف في فترته، لكن النظام نجح خلال يومين فقط في قمعها بالرصاص الحي، ما أثار الذعر في نفوس السودانيين وتراجعت معه الاستجابة لأية دعوات للتظاهر، خصوصاً تلك التي تطلقها قوى المعارضة. كما شهدت البلاد العام الماضي عصياناً مدنياً شكّلت مواقع التواصل الاجتماعي نقطة انطلاقه وحقق نجاحاً نسبياً في اليوم الأول، لكن سرعان ما لاحق الفشل العصيان في دعوته الثانية بعد أن نجح النظام في مواجهته عبر وسائل التواصل وعبر حزمة إجراءات تتصل بالخدمة المدنية للحد من تغيّب العاملين والطلاب والمعلمين عن الدارسة والعمل.


ويرى الخبير السياسي الطيب زين العابدين، أن عصبية الجيش السوداني تجاه النظام باعتباره جاء بانقلاب عسكري فضلاً عن وجود حزب منظّم خلفه يضم عدداً مهماً من المثقفين والكوادر المدرّبة، كلها مثّلت عوامل لبقائه في الحكم كل تلك الفترة، فضلاً عن استخدام النظام لنفوذ الدولة لتوطيد حكمه وإشراك القوى الأخرى، إضافة إلى براغماتية سلوكه وتغيير طروحاته من مرحلة إلى أخرى وفق الظروف والمتغيرات. ويتوقع أن يفوز النظام الحالي بالانتخابات المقررة عام 2020 حتى في حال تحسنّت ظروف البلاد وأجريت انتخابات ديمقراطية، ولكنه يرى أنها ستكون آخر حكومة لهذا النظام في حال استقرت البلاد وحظيت بالديمقراطية والحرية.

من جهته، يقول المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، إن النظام الحالي ليس هو النظام نفسه الذي وصل إلى الحكم في العام 1989 ولا هو النظام ذاته ما بعد مفاصلة عام 1999 بين البشير وزعيم حزب "المؤتمر الشعبي" الراحل حسن الترابي، ولا هو النظام ذاته ما بعد اتفاقية السلام الشامل ولا هو نفسه ما بعد انفصال الجنوب وتشكيل دولته المستقلة قبل سبعة أعوام في منتصف عام 2011. ويرى أنه "نظام جديد وإن ظل يحتفظ في قيادته بثلاثة فقط من قيادة مجلس الثورة وقتها بشخص البشير ورئيس الوزراء بكري حسن صالح وحاكم ولاية الخرطوم عبدالرحيم أحمد حسين".

ويشير إلى أن "من كانوا في سدة القيادة للنظام الحالي عند وصوله إلى الحكم على المستوى السياسي والإعلامي والأمني، غابوا تماماً وأصبحوا خارج المشهد على الرغم مما كانوا يتمتعون به من قوة ونفوذ وتأثير في سياسة الدولة". ويرى أن سر بقاء النظام في سدة الحكم في السودان حتى الآن مرتبط بقدرته على تغيير مواقفه والتنقل بين المحاور الخارجية، من المحور الإيراني إلى المحور الخليجي، فضلاً عن تحول مواقفه التي كانت ضد الولايات المتحدة وروسيا، إلى مساعٍ حثيثة لتحسين علاقته معهما فضلاً عن العمل لرفع العقوبات الأميركية. ويضيف أبو الجوخ أسباباً أخرى وراء استمرار النظام في الحكم، بينها فشل خصومه السياسيين في استثمار فترة التضييق الخارجية التي عانى منها النظام، فضلاً عن التحالفات الدولية والإقليمية، إلى جانب افتقار المعارضة السودانية لتقديم نفسها كبديل حقيقي للنظام الحالي وعجزها عن ابتكار طرق عمل جديدة للمقاومة تختلف عما توارثته تاريخياً، لا سيما أن النظام الحالي نجح في تفكيك مؤسسات الدولة والنقابات وأعاد تشكيلها، معتبراً أن هذا الأمر لم تستوعبه المعارضة في الخرطوم وظلت تعتمد على الثورة الشعبية لإسقاط النظام.

وتعترف المعارضة في السودان بفشلها في إسقاط النظام طيلة الفترة الماضية، على الرغم من رفعها شعار إسقاطه منذ وصوله للحكم. ويقول القيادي في قوى تحالف المعارضة ساطع الحاج، إن النظام الحالي منذ وصوله إلى الحكم أثبت فشله، بدليل أنه استلم الحكم بالقوة وتوالى في الفشل الاجتماعي والصحي والاقتصادي والسياسي، موضحاً "أننا لم نستطع إسقاطه نتيجة الانقسامات الداخلية التي شهدتها الحركة السياسية في الساحة السودانية أولاً، وثانياً بسبب ابتعاد النخب السياسية عن تشكيل خلايا في القواعد لبناء شبكة وطنية على مستوى الوطن". ويضيف أن "عدم سقوطه لا يعني أنه يحظى بتأييد ودعم شعبي، بقدر ما هي إشكاليات في الحركة السياسية التي تعمل على إسقاط النظام"، مشيراً إلى أن "التجارب بعد 28 عاماً أظهرت تماماً أن الانقسام لن يقود لإسقاط النظام وعلينا بالوحدة على مستوى الهدف الاستراتيجي".

أما القيادي في حركة "الإصلاح الآن" المعارضة، والتي انشقت حديثاً عن حزب "المؤتمر الوطني"، أسامة توفيق، فيعتبر أن استمرار النظام سببه عدم وجود معارضة من الأساس. ويوضح أن "المعارضة السودانية تعمل وفق مصالحها، فهي موجودة في سوق البيع والشراء"، مضيفاً: "هذا النظام يمكن أن يظل في سدة الحكم لخمسين عاماً إلى أن ينهار من الداخل، ولكن أن تعمل معارضة على إسقاطه فهذا مستحيل، فهي لا تقوى على إسقاط طاولة، ولا توجد معارضة حقيقية لتقديم نفسها كبديل، فهي منتهية".