لمعت ظاهرة المونولوغ بين حقبتي السيتنيات والثمانينيات في القرن الماضي، ولكنها تختفي تدريجياً من لبنان، وتكاد تخلو ساحتها اليوم تماماً من نجوم من الطراز الكبير. تربعت سيدة لبنانية على عرش هذه الظاهرة لسنوات عديدة. نتحدث عن الفنانة فريال كريم، والتي يصادف اليوم ذكرى رحيلها. "زمرّد" التي سقطت على خشبة المسرح في عام 1988، طوت إحدى أبرز صفحات الكوميديا اللبنانية معها.
ظلت فريال كريم التي ولدت في عام 1938 على هامش الصورة تماماً حتى عام 1976. تنقلت الفنانة بين أدوار عدة في عالم التلفزيون والسينما والمسرح وصولاً إلى مسلسل "الدنيا هيك". هنا، بسطت فريال كريم أجنحتها الجميلة، وموهبتها الخرافية في التمثيل الكوميدي، لدرجة أنها أربكت نجوماً كباراً عملوا معها في المسلسل نفسه.
إذ إنّ قدرتها على الارتجال أربكتهم فعلاً، خاصة أنّ عدداً من حلقات المسلسل عرضت مباشرة على التلفاز. احتلت كريم طوال ثمانية أعوام من بث حلقات "الدنيا هيك" قلوب اللبنانيين بضحكتها وموهبتها وقدرتها على إضحاكهم في أيام الحرب الأهلية اللبنانية. كانت "زمرد" نقيض الحرب ومآسيها.
الإبداع التي قدمته فريال كريم في "الدنيا هيك"، كان موازياً لتألقها في عالم المونولوغ. إذ قدمت فريال كريم مجموعة من الأغاني الخفيفة التي ما زالت تحظى بإعجاب اللبنانيين، وأبرز تلك الأغاني: "برات البيت عاملي عنتر" و"عم بزعلني للو" و"العب كاراتيه" وغيرها. ولم يكن فن التقليد بعيداً عن قدرات فريال كريم أيضاً، فقدمت "تابلوهات" عدة قلدت فيها أم كلثوم، فيروز، صباح و حتى الرجال، لا سيما فهد بلان.
كثيرون ممن شاهدوا "الدنيا هيك" لا يميّزون المشاهد المرتجلة لفريال كريم، فقد كان المؤلف محمد شامل حريصاً بشدة على عدم خروج الممثلين عن النص الأصلي. لكن "زمرد" باغتته في إحدى الحلقات التي كانت تعرض مباشرة على الهواء. فكانت تشتكي للـ"مختار" من تصرفات زوجها "عزيز السلمنكي" الذي قام بدوره الممثل إلياس رزق، قبل أن تسحب فجأة مسدساً لم يكن مذكوراً في النص.
اقرأ أيضاً: الإعلانات... من أم كلثوم إلى هيفاء وهبي
سألها "المختار" حينها باستغراب شديد غير مصطنع: "ليش هالمسدس؟"، فأجابته "زمرّد": "هيدا مسدس 12 بكرة". تابع المختار: "ليش يعني معك مسدس 12 بكرة هون عندي؟"، فقالت زمرد: "رح آخذ الموضوع من الآخر، هاي 12 بكرة رصاص، 6 إلك و6 لعزيز إذا ما بتنحل قصتي".
ولم يتمالك محمد شامل نفسه حينها، وراح الاثنان يضحكان بشدة على الهواء، ومرّ المشهد كأنه ضمن السياق. كان الناس خلف الشاشة يضحكون من دون أن يعلموا أن فريال كريم ارتجلته كله.
كل هذا العالم الذي شيدته فريال من ضحكات زرعتها على وجوهنا، كان خلفه امرأة خجولة ومجتهدة. أم سمير، كما كان يناديها المقربون منها، كانت أماً مثالية لسمير ومنى، وصديقة زوجها محمد الذي لم يفارقها في حفلاتها. كانت تحسن رعاية عائلتها وتعمل حد الإنهاك والتعب لأجلهم. في 4 تموز/ يونيو من عام 1988، افتتحت نشرة الأخبار الرسمية بصور سقوطها عن المسرح. كان اللبنانيون يشاهدون لأول مرة حالة موت مصوّرة على شاشتهم. ومن كانت؟ كانت ضحكتهم، وسلواهم أيام الحرب. كانت فريال كريم تموت أمام أعيننا لتختفي معها آخر نجمات المونولوغ.