وبنيت في بغداد عشرات الملاجئ العامة داخل الأحياء السكنية، أنشأتها شركات يوغسلافية وأخرى عراقية خلال الحرب العراقية الإيرانية.
ومن بين المواقع المدنية التي استهدفتها الطائرات الأميركية آنذاك ملجأ العامرية، الذي كان يضم مئات المدنيين من عوائل الحي.
وأدى سقوط صاروخ موجه إلى إحداث فتحة في سقف الملجأ المحصن، أعقبه صاروخ آخر نفذ إلى داخله، وتسبب في مقتل 408 مدنيين من بينهم 320 امرأة وطفلاً، فضلاً عن 26 مواطنا عربياً معظمهم مصريون وفلسطينيون.
ولا تفارق تلك الذكرى أذهان العراقيين، حتى اليوم، ممن فقدوا ذويهم أو أطفالهم أو أقارب لهم.
ويقول فاضل العبيدي (59 عاماً)، الذي فقد زوجته وأطفاله الستة في الملجأ، أثناء تواجده يومها في دائرة الكهرباء: "عند الرابعة فجراً من يوم 13 فبراير 1991، نفذ الأميركان أكبر عملية إرهابية بقتلهم زوجتي وأطفالي وزوجات وأطفال آخرين مثلي".
ويضيف: "أنا ضد داعش قبل كل شيء حتى لا يُفهم كلامي خطأ، لكن صدقاً يجب أن نضع تصنيفاً جديداً لمصطلح الإرهاب، ووضع الأميركان على رأس لائحة الجماعات الإرهابية".
وتابع: "رحلت زوجتي وأكثر شيء يحزنني أنني تشاجرت معها قبل خروجي من المنزل، وكلما أحن إليها ولأولادي أقصد الملجأ، وأهمس، حتى لا يسمعني أحد، (هلو حبايب اشونكم والله مشتاق لكم)".
ويروي عناصر الدفاع المدني مشاهداتهم الأليمة، مستعيدين اللحظات التي كافحوا فيها النيران، وأنقذوا المحاصرين داخل الملجأ دون جدوى.
ويوضح علي حسن، أحد المشاركين في عمليات الإنقاذ آنذاك، أن "الطائرات الأميركية قصفت الملجأ بقنبلتين كبيرتين تسببتا بإغلاق كافة أبوابه، وإشعال حريق في الطابق الأرضي الذي كان يؤوي أكثر من 400 مدني أغلبهم نساء وأطفال".
ويضيف، في تصريح لـ"العربي الجديد": "كل من كان داخل الملجأ مات حرقاً ولم تتمكن فرق الإنقاذ من فعل أي شيء بسبب الحريق الهائل الذين قضى على أكثر من 400 شخص، بينهم 261 امرأة و50 طفلاً رضيعاً".
وطالب العراق آنذاك مجلس الأمن والأمم المتحدة بالتحقيق في هذه الجريمة، معتبراً أنها جريمة إبادة جماعية. لكن الإدارة الأميركية تذرعت باشتباهها بوجود مسؤولين عراقيين داخل الملجأ في محاولة التملص من الجريمة.
وكشف شهود عيان لـ"العربي الجديد" أن "الطائرات الأميركية كانت تحوم في سماء المنطقة على مدى يومين متتاليين، وقصفته بعد امتلائه بالمدنيين الفارين من القصف على العاصمة".
ويقول هادي العلي (53 عاماً): "فقدت شقيقي وزوجته وأطفاله واثنين من شقيقاتي احتموا جميعاً بالملجاً، في حين كنت في عملي مع فرق الدفاع المدني". ويتابع: "في ذلك الفجر الأسود، أبلغنا فوراً بالتوجه إلى منطقة العامرية، هرعنا على الفور لنجد الملجأ مدمراً ومحترقاً بالكامل، وللأسف احترق الجميع".
ويضيف، وهو يمسح دموعه بمرارة: "ذكرى سوداء لا أنساها ما حييت، ولا أغفر للأميركان هذه الجريمة البشعة التي رفضوا حتى الاعتراف بها والاعتذار عنها أو حتى تعزية أسر الضحايا".
وبعد جريمة ملجأ العامرية، أقامت الحكومة العراقية نصباً تذكارياً للضحايا أطلق عليه اسم "الصرخة"، يجسد رأس إنسان يصرخ وهو محاصر بين قوالب من الحجارة. كما أنجز فيلم روائي عن الجريمة بعنوان "الفجر الحزين" مثل أحداثه عدد من الفنانين العراقيين ليكون جزءاً من ذاكرة العراقيين الأليمة في تلك الفترة.
مقطع من فيلم "الفجر الحزين" الذي يؤرخ الذكرى الأليمة التي تظهر للعالم بشاعة الحرب والاعتداء الدموي الذي سبب المجزرة.