25 عاماً على الوحدة اليمنية: أزمات وحروب أرهقت التجربة

23 مايو 2015
نجحت احتجاجات الحراك الجنوبي في فرض القضية الجنوبية (Getty)
+ الخط -
اعتاد اليمنيون منذ حرب إعادة فرض الوحدة بالقوة في العام 1994، على إحياء ذكرى وحدة 22 مايو على وقع أزمات سياسية أو عسكرية، لكن الوضع هذا العام يبدو أشد تعقيداً، إذ حلت الذكرى الـ25 للوحدة بين الشطرين الشمالي والجنوبي فيما البلاد تغرق في حرب وتتحول إلى كتلة من الدمار.
وكانت الوحدة اليمنية التي أعلنت في الـ22 من مايو/أيار 1990 قد شكّلت استثناءً عربياً يومها، إذ توحد شطرا اليمن، جمهورية اليمن الديمقراطية (جنوب)، والجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، لتولد الجمهورية اليمنية، بعدما وقع رئيسا الشطرين علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض، في عدن اتفاق إلغاء دولتيهما وتأسيس الدولة الجديدة، عبر وحدة اندماجية بمرحلة انتقالية تولى قيادتها مجلس رئاسي، يرأسه صالح وينوبه البيض وتشكلت حكومة من الحزبين، على أن تنتهي المرحلة الانتقالية مع إجراء أول انتخابات مباشرة من الشعب.
لم تستمر الفرحة كثيراً، سرعان ما عصفت أحداث بالمنطقة أثرت على مسار الوحدة، في ظل بروز الخلافات بين شريكين في الوحدة. ولم تمر غير شهور، حتى أصبح كل طرف يتوجس من الآخر (الاشتراكي بقيادة البيض والمؤتمر بقيادة صالح)، وجرت اغتيالات تعرضت لها قيادات في الحزب الاشتراكي اتهم نظام صالح بتدبيرها.

اقرأ أيضاً: هكذا احتفت القوى اليمنية بالعيد الوطني الفضي

مسار التوتر لم يكن ينخفض على الرغم من العديد من المحاولات لتقريب وجهات النظر، بل
كان يزداد مع كل استحقاق أو اختبار تمرّ به البلاد بعد الوحدة. في العام 1993 جرت أول انتخابات برلمانية، كانت نتائجها من أبرز مؤشرات الحرب، إذ حصل حزب المؤتمر على المركز الأول، وحصل حزب التجمع اليمني للإصلاح على المركز الثاني، وحصل الاشتراكي (الشريك الجنوبي في الوحدة) على المركز الثالث. وكان الإصلاح والمؤتمر حليفين بصورة أو بأخرى، الأمر الذي رفع من توجس الاشتراكي. وكان البيض قد اعتكف في عدن ورفض العودة إلى صنعاء. ومن أبرز العوامل التي مثلت فتيلاً في الحرب، أن جيشي الشطرين لم يُدمجا عند التوحد، فظل كل طرف محتفظاً بجيشه ويستعد لمواجهة الآخر، وخصوصاً بعد الانتخابات. وقد وقع الطرفان اتفاقاً في العاصمة الأردنية عمان عُرف بوثيقة العهد والاتفاق، في فبراير/شباط 1994، ظل حبراً على ورق حتى اشتعلت الحرب.
استمر التصعيد العسكري، وحدثت بعض الاشتباكات في مواقع عسكرية ابتداء من فبراير/شباط وحتى مايو/أيار من نفس العام، حين تطور الموقف إلى مواجهات بمختلف الجبهات بين القوات الموالية للاشتراكي والقوات الموالية للمؤتمر. وفي الـ21 من مايو، أعلن البيض الانفصال وعودة دولة اليمن الديمقراطية في الجنوب، ومن جانبه اختار تحالف "الشرعية" الذي كان بقيادة صالح شعاره "الوحدة أو الموت". وكان صالح متحالفاً مع جناح في الجيش الجنوبي والحزب الاشتراكي النازح إلى الشمال، بقيادة عبد ربه منصور هادي، كما كان متحالفاً مع حزب التجمع اليمني للإصلاح وحتى مع السلفيين.
انتهت حرب 1994 بدخول "قوات الشرعية" إلى عدن والمكلا، ونزوح البيض والعديد من القيادات الجنوبية إلى خارج البلاد.

اقرأ أيضاً: ضحايا حرب اليمن.. مدنيّون غالباً

انصرف صالح بعد حرب 1994 عن معالجة الآثار والتداعيات إلى بدء مسيرة التوريث لنجله أحمد، والالتفاف على شركائه، لتتأزم علاقته بالمعارضة، في الوقت الذي كانت سياسات الرئيس المخلوع في الجنوب تمهد لأزمة قديمة جديدة.
منذ العام 2007 بدأ يعود الحديث عن القضية الجنوبية، بعد ظهور الحراك الجنوبي، وتحولت المطالب الحقوقية لعسكريين وموظفين جنوبيين تم إقصاؤهم بعد حرب 1994 إلى مطالب سياسية، استمرت بالتصاعد وصولاً إلى العام 2009. يومها خرج البيض لأول مرة بخطاب أعلن فيه العمل لـ "استعادة دولة الجنوب"، واستمرت الاحتجاجات السلمية للحراك الجنوبي بالتصاعد حتى العام 2011 مع انطلاق الثورة الشبابية ضد صالح. توحدت في البداية مختلف المكونات السياسية اليمنية شمالاً وجنوباً وشاركت في الثورة إلى حين، قبل أن تدخل البلاد في مرحلة جديدة مع التوقيع على المبادرة الخليجية التي أديرت بموجبها البلاد طوال الفترة التي أعقبت تنازل صالح عن السلطة.
تسببت سنوات نضال الحراك الجنوبي بخلق وعي يدفع باتجاه تصعيد رئيس من المحافظات الجنوبية، وهو ما تم في العام 2011، عندما دعمت كافة القوى السياسية صعود الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي كان نائباً لصالح منذ 1994. لكن ذلك لم يكن كافياً لمعالجة القضية الجنوبية، فاستمر الحراك في مساره التصعيدي لأسباب عدة، منها أن بعض الجنوبيين يعتبرون هادي محسوباً على صالح وعلى طرف في الحرب الأهلية الجنوبية - الجنوبية التي وقعت في العام 1986، ومنها ما يتعلق باتهامات وجهت لهادي بأنه سعى للاستفادة من غليان الشارع الجنوبي للضغط على القوى الشمالية، وإجراء تغييرات.
في العام 2013 دخلت "القضية الجنوبية" كأحد أهم تسعة عناوين في مؤتمر الحوار الوطني، وللمرة الأولى تم تصنيف اليمنيين كشمال وجنوب، من خلال المشاركة بنسبة 50 في المائة لأعضاء من المحافظات الجنوبية، ومثلها من المحافظات الشمالية. وخرج مؤتمر الحوار بوثيقة تنص على المناصفة في المناصب القيادية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، في أول دورة بعد الاستفتاء على الدستور والانتخابات. لكن مخرجات الحوار الوطني لمعالجة القضية الجنوبية، وباقي الأزمات التي يمر بها اليمن لم تجد طريقها إلى التنفيذ، فالتدهور في المسارين السياسي والعسكري بدا ككرة ثلج لا يوجد من هو قادر على إيقافها.
ففي العام 2014 ومع بدء جماعة الحوثيين في مشروعها التوسعي عبر اجتياح المدن اليمنية الواحدة تلو الأخرى، كانت بعض الأصوات تتهم هادي بالتساهل مع توسع الحوثيين لإيصالهم إلى صنعاء لينتقل هو إلى عدن. ولكن مع وصول الحوثيين إلى صنعاء، واستكمال انقلابهم فرضوا الإقامة الجبرية على هادي بالتعاون مع الرئيس المخلوع، وعندما غادر هادي إلى عدن، وأعلنها عاصمة مؤقتة، جاءت دورة جديدة من الحرب، إذ أصدر صالح في خطاب شهير تهديدات لهادي، ومن قال إنهم "يهرولون إلى عدن من أجل الانفصال". وذكّرهم بحرب 94 قبل أن ينتقل تصعيد الحوثيين والمخلوع إلى مرحلة جديدة، كان عنوانها الأبرز اجتياح عدن، وتجاهل جميع التحذيرات التي وجهت لهم من كلفة مثل هذه الخطوة التي سرعان ما استتبعت ببدء التحالف الشعري "عاصفة الحزم"، عبر قصف مواقع الحوثيين والقوات الخاضعة لنفوذ المخلوع من صعدة إلى أبين جنوباً، فيما استماتت المليشيات في عدن، على الرغم من الكلفة الكبيرة التي قدمتها قواتهم هناك، وتعرضت الوحدة لشروخ كبيرة بسبب القصف العشوائي وأعمال القنص والقتل في عدن وما جاورها، منعاً لعودة الرئيس عبد ربه منصور هادي أو الحكومة إليها لإدارة البلاد. وفيما تُبحث اليوم الحلول السياسية للأزمة اليمنية، حيث ينتظر اليمنيون نتائج مؤتمر جنيف المرتقب عقده بعد انتهاء مؤتمر الرياض، بات مؤكداً أن أي حل لا يمكن أن يتجاوز القضية الجنوبية. ولعل كلمة نائب الرئيس اليمني، خالد بحاح، قبل أيام من الرياض تكفي للدلالة على ذلك، عندما قال إن "عدن مفتاح الحل".

اقرأ أيضاً: مؤتمر الرياض اليمني.. الخيار العسكري
المساهمون