سلّم مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني) بهي الدين حسن مذكّرة موقعة من 23 منظمة حقوقيّة مصريّة أمس الخميس، إلى رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب، تتضمّن موقف تلك المنظمات من مشروع قانون الجمعيات الأهليّة القمعي المطروح من قبل وزارة التضامن الاجتماعي ومن الخطوات التصعيديّة التي اتخذتها وزارة التضامن مؤخراً ضدّ المجتمع المدني بشكل عام.
والاجتماع الذي عُقد في مقرّ رئاسة الوزراء أتى بناءً على طلب حسن بعد إعلان وزارة التضامن الاجتماعي –بشكل مفاجئ– عن مشروع قانون "قمعي جديد للجمعيات الأهليّة يؤدي إلى تأميم المجتمع المدني وتحويله إلى قطاع شبه حكومي خاضع للسلطات المطلقة للأجهزة الأمنية، ويمثّل كذلك انتهاكاً صارخاً للدستور".
وقد جاء هذا الاجتماع في أعقاب إعلان لوزارة التضامن الاجتماعي المصريّة، نشر في جريدة "الأهرام" الرسميّة، توجّه من خلاله إنذاراً إلى ما أسمته "الكيانات" التي تعمل في مجال العمل الأهلي بحلها خلال 45 يوماً. وهو الأمر الذي اعتبرته المنظمات الموقعة اعتداءً سافراً على نظم قانونيّة أخرى مستقرّة منذ زمن طويل، يمكن أن يؤدّي إلى إصابة البنية القانونيّة المصريّة بأضرار جسيمة ويهدر ما تبقى من ثقة محدودة بالنظم القانونيّة والقضائيّة وإغلاق عدد كبير من المنظمات الحقوقيّة وسجن العاملين فيها.
وفي مذكرتها، دعت المنظمات الحقوقيّة الموقّعة الحكومة المصريّة إلى اتخاذ عدد من التدابير الجادة والفوريّة التي من شأنها إيقاف التدهور المستمرّ الذي يطال حقوق الإنسان، وإعطاء مؤشر إيجابي على صدق نواياها لإرساء دولة القانون واحترام الدستور.
كذلك طالبت المنظمات وزارة التضامن الاجتماعي، بإعادة الدعوة إلى الحوار حول مشروع القانون الذي أعدته لجنة وزير التضامن السابق الدكتور أحمد البرعي في نهاية العام 2013 وعرضته الحكومة على المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ليكون هذا المشروع هو أساس الحوار المجتمعي حول القانون بهدف تحسينه، فيأتي أكثر اتساقاً مع المعايير الدوليّة، تمهيداً لتقديمه إلى البرلمان الجديد فور انتخابه.
وشدّدت المنظمات على أهميّة طلب المشورة الفنيّة من المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان، عند صياغة قانون الجمعيات الأهليّة لضمان توافقه مع التزامات مصر الدوليّة بموجب المادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنيّة والسياسيّة الذي صادقت عليه مصر. كذلك طالبت الحكومة بسحب إعلان وزارة التضامن الاجتماعي المشار إليه والمنشور في جريدة "الأهرام".
يُذكر أن مصر كانت قد تعهدت أمام الأمم المتحدة في الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان في البلاد في العام 2010، بتحسين بيئة عمل المنظمات غير الحكوميّة وتعديل قانون الجمعيات "السيئ السمعة" لسنة 2002 ليتوافق مع المعايير الدوليّة. إلا أنها لم تفِ حتى الآن بتلك التعهدات، بل استهدفت الحكومة منظمات مصريّة ودوليّة وأحالت عاملين فيها إلى المحاكمة وتمّ سجن بعضهم، فيما يجري الاستعداد لتقييم مصر من خلال الاستعراض الدوري الشامل الثاني لمصر أمام الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني من العام الجاري.
وكانت الحكومة المصريّة قد شنّت حملة شرسة على منظمات المجتمع المدني المصريّة منذ ثورة 25 يناير، فدهمت عدداً من مقرات المنظمات واعتقلت العاملين فيها كما حدث في مركز هشام مبارك في العام 2011 والمركز المصري للحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة للمرّة الأولى في العام 2013 والثانية في يناير/كانون الثاني 2014، وبعدها صادرت الحكومة المصريّة جريدة "وصلة" الصادرة عن الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان قبل أشهر عدّة. وهي الخطوات التي اعتبرتها المنظمات الحقوقيّة المصريّة بمثابة "هجمة شرسة على العمل الحقوقي والمجتمع المدني المصري"، بدأت بمداهمات أمنيّة ومصادرات وتنتهي بإقرار مشروع قانون الجمعيات الأهليّة "المقيّد للمنظمات" أو "المُؤمّم لها" على حد تعبيرها.
من جهتها، كانت منظمة "هيومان رايتس ووتش" قد أصدرت بياناً حول مشروع قانون الجمعيات الأهليّة الذي اعتبرت أنه "يهدّد الجمعيات الحقوقيّة المستقلة في مصر". وقالت إن "مشروع القانون المخصّص لتنظيم الجمعيات الأهليّة من شأنه منح الحكومة وأجهزة الأمن سلطة الاعتراض على أنشطة الجمعيات كافة في مصر، وإنه بمثابة إعلان عن نهاية الاستقلال الذي ناضلت الجمعيات للحفاظ عليه. وعلى الحكومة صرف النظر عن المسودة الحاليّة، وإصدار تشريعات لتعزيز حق المصريّين في حريّة تكوين الجمعيات كما كرّسها الدستور والقانون الدولي".