210 أحزاب في تونس: طفرة بلا بركة

19 أكتوبر 2017
كثرة الأحزاب لم تفاجئ المواطنين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تجاوز عدد الأحزاب في تونس الـ200 حزب أخيراً، ومن المتوقع وصول العدد إلى 210 أحزاب، بعد الإعلان عن تأسيس حزب "التيار البيئي للتعايش السلمي" وإعلان أحمد نجيب الشابي نيته تأسيس حزب "الحركة الديمقراطية" قبل نهاية هذا الشهر، وتأكيد النقابي، الوزير السابق للوظيفة العمومية، عبيد البريكي، نيته أيضاً تشكيل حزب يساري جديد خلال الأيام المقبلة. ولم يكن تجاوز حاجز المائتي حزب مفاجأة حقيقية، على اعتبار أن معظمها تبقى على الورق، واعتادت تونس نسبياً على الأمر منذ تجاوز حاجز المائة حزب مباشرة بعد الثورة (2010 ـ 2011). لكن هذا الأمر دفع إلى التساؤل عن تفسير هذه الظاهرة والبحث عن أسبابها، وإذا ما كان معدّل حزب لكل ستين ألف مواطن مسألة عادية في ديمقراطية ناشئة، خصوصاً أن ثقة التونسيين في المؤسسات السياسية في تراجع مستمر، وعزوفهم عن المشاركة في الحياة السياسية كذلك، خصوصاً لدى فئة الشباب، أغلبية المجتمع التونسي.

وكشفت آخر استطلاعات الرأي، أن 20 في المائة فقط من التونسيين يثقون بالأحزاب، و32 في المائة بمجلس نواب الشعب، فيما أكدت مؤسسة "سيغما كونساي"، أن "النتائج التي تحصّلت عليها بخصوص الانتخابات البلدية تبيّن أن نسبة العزوف عن التصويت قد تبلغ 68 في المائة". وبحسب الجهات فإن أكثر العازفين عن الانتخابات هم من محافظات الشمال الغربي بـ 76 في المائة، الجهة الأكثر فقراً في تونس.

وأكد نفس الاستطلاع الذي أنجزته "سيغما كونساي" بالتعاون مع "جريدة المغرب"، أن "الوضع مشابه كثيراً في بقية المحافظات، مع بلوغ نسبة العزوف عن التصويت 65 في المائة، ما يعني أن الحالة عامة، رغم أن الانتخابات قد تغير من هذه الأرقام مع انطلاق الحملات الانتخابية، ومع فتح باب التسجيل من جديد".

من جهته، فسّر النائب عن التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "تونس مرت بفترة جفاف سياسي في عهد الديكتاتورية، وهي فترة استمرت عقوداً، لذلك فإنه من الطبيعي أن تشهد ارتفاعاً في عدد الأحزاب، والتونسي كان محروماً طيلة تلك الفترة من العمل السياسي، وبفضل الثورة حصل شبه انفجار في الأحزاب السياسية وتكثفت الرغبة في العمل السياسي".


وأضاف أن "أي شخص أصبح بإمكانه إنشاء حزب في تونس، خصوصاً أن الإجراءات سهلة، وعادة ما يجمع الشخص الراغب في تكوين حزب سياسي الأصدقاء ومن يشاركونه نفس الآراء ويؤسس حزباً. بالتالي فإن هذا العدد الكبير هو ظاهرة صحية أفرزتها الديمقراطية والحرية التي اكتسبها التونسيون بعد الثورة".

ولفت الشواشي إلى أن "الواقع يبيّن أن الأحزاب الفاعلة لا يتجاوز عددها الـ15 حزباً، وأن بقية الأحزاب، رغم ارتفاع عددها، لم تجد مكاناً لها في المشهد السياسي ومصيرها أن تندثر"، مبيّناً أن "عدداً قليلاً من الأحزاب ممثل في مجلس نواب الشعب. وهي الأحزاب التي تتمتع بحضور سياسي ويتم الاستماع إلى صوتها، وهي ناشطة إما في السلطة أو المعارضة". وأشار إلى أن "الأحزاب غير الممثلة في البرلمان لا يسمع صوتها لأن النظام السياسي يقصيها ولا يمكنها أن تمارس أي ضغط".

وتابع إن "الانفجار في الأحزاب أمر جيد وبمرور الوقت لن تبقى في الساحة سوى الأحزاب الفاعلة التي ستحاول أن تجمع شتاتها في شكل عائلات سياسية، عائلة ذات مرجعية إسلامية، وعائلة يمينية وأخرى يسارية وقومية، للوصول إلى عدد معقول يستوعبه المشهد السياسي ويقبله المواطن".

واعتبر الشواشي أن "تونس لا يمكنها استيعاب أكثر من 7 أحزاب، وأن العدد المهول للأحزاب لن يمكنه من الاختيار وقد يصعبه عليها"، مؤكداً أن "التصفية الطبيعية ستُبقي على الأحزاب التي اختارها الشعب والبقية ستبقى مجرد أسماء ولن يبقى لها وجود فعلي". وبيّن أن "هذه الأحزاب لا يمكنها ممارسة الحكم، باستثناء حزب المسار. وهو من الأحزاب القليلة غير الممثلة في البرلمان والموجودة في الحكومة، وهو من المفارقات الحاصلة في المشهد السياسي لأن الشعب لم يختره في حين اختارته الحكومة".

ولكن الشواشي لم يُفسّر كيف ستجتمع هذه الأحزاب في عائلات سياسية، لأن التجربة القصيرة أثبتت أن العكس هو الصحيح، فأغلب الأحزاب الكبرى تعاني من انقسامات كبيرة وتتشظى بدورها إلى أحزاب جديدة. كما أن المعارضة فشلت في كل المواعيد الهامة على الاجتماع وفشلت في الاتفاق على مرشحين موحدين في مواجهة الائتلاف.



بدوره، اعتبر القيادي في حراك تونس الإرادة، عدنان منصر، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأنّ "تعدد الأحزاب نظري لأنه في الواقع لا يوجد 208 أحزاب وتيارات سياسية"، مبيّناً أن "التيارات تقريباً هي 4 أو 5 تيارات، وتعدد رخص الأحزاب لا يعني أن هذه الأحزاب تعبّر عن توجهاتها في الواقع".

وأوضح أن "الحزب هو تعبير سياسي عن قوة في المجتمع تبحث عمن يمثلها في الساحة السياسية، ورغم أن القانون يسمح بتشكيل الأحزاب، إلا أن المتأمل في البرلمان لا يجد 208 أحزاب وأنه رغم وجود أحزاب قديمة ولها مرجعيات فكرية، إلا أنها غير ممثلة في البرلمان مثل الحزب الجمهوري والمسار".

وأفاد منصر أنّ "وجود مدارس فكرية متنوعة في الحزب الواحد دليل على التنوّع، إذ إنه ليس من المطلوب أن يفكر الجميع بنفس الطريقة، فالتوجهات الفكرية المختلفة مطلوبة، والحزب هو شكل من أشكال الاجتماع السياسي حول جملة من الأهداف". واعتبر أن "الاهتمام بالشأن العام يفترض وجود الحضور الشخصي للقائد والزعيم، وإلا لن يتقدم أي أحد لترؤس حزب ما"، لافتاً إلى أن "الأهم هو كيفية يتم ترتيب الزعامات داخل الحزب". وبيّن أن "هذا يعود إلى الديمقراطية الداخلية في الحزب وكيفية تنظيم التداول على المسؤوليات والمراتب وأنه لولا هذا التنافس لما كانت هناك أحزاب".



كما أكد القيادي في حزب "تونس أولاً"، عبد العزيز القطي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "العديد من الأحزاب في تونس موجودة كرقم، ولكن الفاعلين والمشاركين في الحياة السياسية قليلون، ومعدودون على أصابع اليد ويعرفهم التونسيون"، معتبراً أن "تعدد الأحزاب ظاهرة صحية لأن تونس تعيش على مواعيد انتخابية بلدية وتشريعية ورئاسية قريبة، واللاعب رقم واحد فيها هي الأحزاب". ورأى أن "التجربة الديمقراطية في تونس هي تجربة ناشئة بسبب دخولها عمرها السابع، وهذا المخاض طبيعي".

وأضاف القطي أنه "في خضم هذه التجربة، هناك أحزاب تضمحلّ وأخرى تنجح وبعضها يعيش انقسامات"، منوّهاً إلى أن "هذا التعدد والتنوع لا يؤثر على ثقة التونسيين في الأحزاب، لأن هذه الثقة تُبنى على مدى نجاعة الأحزاب وماذا ستقدم له. وهو ما أظهرته التجارب الحاصلة في الحكم، فالأحزاب المتداولة على السلطة منذ الثورة لم تقدّم حلولاً ولم تمنح الطمأنينة للتونسي".

واعتبر أن "الثقة تكون بالتداول على السلطة، والتجربة المتراكمة داخل الأحزاب هي التي ستجعلها قادرة على التقييم وعلى أن تكون فاعلة وقادرة على تقديم الحلول للتونسيين"، مشيراً إلى أن "هناك دعوات اليوم لتغيير النظام السياسي لأنه للأسف لا يمكن للتونسيين معرفة من هو المسؤول في الحكم، وما هي حصيلة الحكم سواء في الفشل أو في النجاح، لأن السلطة مشتتة بين عديد الأطراف من حكومة وبرلمان ورئاسة جمهورية وأحزاب بعضها لديه وزراء داخل الحكومة".

وأشار إلى أنه "على الأحزاب السياسية تقييم تجاربها وإصلاح ما يمكن إصلاحه. وهذا ما يجب أن يتم حتى على مستوى قانون الانتخابات بهدف إفراز سياسيين في مستوى تطلعات التونسيين وليس أشباه سياسيين ممن يمنحون صورة قاتمة ومغلوطة عن الوضع السياسي وينفّرون المواطن من الشأن السياسي".