حمل المشهد السياسي في المغرب للعام 2017، أحداثاً وملفات ساخنة نالت الكثير من الاهتمام لدى الرأي العام الوطني، لعل أبرزها ما أطلق عليه مراقبون "الزلزال السياسي"، والذي تمثل بإعفاء الملك محمد السادس لعدد من الوزراء، فضلا عن إعفائه عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة، وأيضاً عودة الرباط إلى منظمة الاتحاد الأفريقي، وتردي العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والجزائر، وغيرها من الأحداث البارزة.
وكان إعفاء العاهل المغربي بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة في مارس/آذار الماضي، من ضمن الأحداث السياسية البارزة في البلاد، وقد تدخل الملك حينها، ووفق ما ينص عليه الدستور من "السهر على حسن سير المؤسسات"، وأيضاً من أجل تجاوز حالة الجمود التي امتدت أكثر من 5 أشهر، إذ فشل بنكيران في إيجاد تشكيلته الحكومية، فبادر إلى تعيين سعد الدين العثماني مكانه.
هذا التعيين الملكي للعثماني وتشكيله للحكومة في وقت وجيز، بعد أن قبل بدخول حزب الاتحاد الاشتراكي إلى الحكومة، وهو ما كان يرفضه بنكيران بشدة، أفضى إلى تحولات عميقة داخل حزب العدالة والتنمية، اتسمت هذه التحولات بكثير من الاحتقان والاختلافات بين مؤيدي بنكيران، ومناصري العثماني، لكن دون أن يصل الأمر إلى حدوث انشقاقات، إذ استطاع الحزب أن يبقى موحداً، رغم الأزمة الحادة التي مر ولا يزال يمر بها.
أما شهر أكتوبر 2017، فكان شهراً حاسماً بالنسبة لأحداث سياسية مهمة، أولها في السابع من أكتوبر عندما تم استبعاد أحد القيادات الحزبية والسياسية المعروفة بكونها مثيرة للجدل، وهو حميد شباط، وانتخاب نزار بركة، المقرب من صناع القرار، على رأس حزب الاستقلال.
وفي العشرين من الشهر نفسه، اندلع خلاف دبلوماسي كبير بين المغرب والجزائر، زاد من تعميق التوتر السياسي بين البلدين الجارين، والذي امتد منذ السبعينات من القرن الماضي جراء تبعات ملف الصحراء، وذلك بسبب تصريحات وزير الخارجية الجزائري عبد القادر المساهل، الذي تحدث عن تبييض المغرب لأموال المخدرات في أفريقيا، وهو ما اعتبرته الرباط إساءة بالغة لها، فاستدعت سفيرها بالجزائر للتشاور.
وفي الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي، حدث "الزلزال السياسي" الذي سبق للعاهل المغربي أن أشار إلى قرب حدوثه في خطاب ألقاه في البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الخريفية، حيث قرر إعفاء أربعة وزراء في الحكومة الحالية، ومنع خمسة وزراء آخرين من الحكومة السابقة من تقلد أية مناصب مستقبلا.
وكان لإعفاء العاهل المغربي لعدة وزراء تداعيات كبرى على المشهد السياسي والحزبي، أولها اللجوء إلى تعديل حكومي لتعويض الوزراء المعفيين، والذي لم يتم الإعلان عنه لأسباب عديدة، وثانيها إعلان إلياس العماري زعيم حزب الأصالة والمعاصرة عن "استقالته"، وثالثها التأثيرات على قيادات حزبية أخرى، ومنها سقوط بنكيران من قيادة حزبه.
وهكذا في العاشر من ديسمبر 2017 عرف حزب العدالة والتنمية انعطافة سياسية كبيرة في تاريخه، بعد أن انقسم إلى تيارين، الأول ينادي بتمديد الولاية الثالثة لبنكيران حتى يقود الحزب إلى انتصارات حزبية جديدة، والثاني يرفض التمديد لبنكيران بداعي أن الحزب حزب مبادئ وقوانين وليس حزب "زعامات خالدة"، فكانت الكلمة الفاصلة لتيار الوزراء الذين استطاعوا "هزم" بنكيران خشية حدوث "صدامات مستقبلية" بين الحزب والقصر الملكي.
وعرف المشهد السياسي الداخلي بالمملكة خلال العام المنتهي تحولات بارزة قد يكون لها الأثر الكبير في مستقبل البلاد، خاصة إعمال مبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، والذي كان من نتائجه إعفاء وزراء أثبت تقرير المجلس الأعلى للحسابات مسؤوليتهم في تأخر تنفيذ مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، والذي كان من بين أسباب اندلاع الاحتجاجات في الريف، وأيضا إعفاء مسؤولين كبار في وزارة الداخلية.
وأما على الصعيد الخارجي فيمكن اعتبار إعلان عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي في يناير 2017 أكبر حدث للسياسة الخارجية للمملكة، بعد أن غابت الرباط عن كرسيها في هذه المنظمة الأفريقية منذ 1984 بعد قبول عضوية ما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، وهي العودة التي كرست التوجه الأفريقي للدبلوماسية المغربية التي يقودها الملك بنفسه.