ربما يجد العديد من المسؤولين عن سرقات أموال الشعوب وإخفائها في بريطانيا أنفسهم أمام المساءلة القانونية، وربما المحاكمة خلال الفترة المقبلة، إذ تتجه لندن لتشديد قوانين مراقبة الأموال المستثمرة في "حي المال" والعقارات الفاخرة.
وكانت وحدة مكافحة الجرائم المالية قد أطلقت قبل أيام صفارة الإنذار حول التهديد المباشر الذي تمثله عمليات غسل الأموال للاقتصاد البريطاني.
وفي هذا الصدد، وصف رئيس وكالة مكافحة الجرائم المالية في بريطانيا، كيث بريستو، في تقرير صدر أخيراً، عمليات غسل الأموال بأنها "خطر استراتيجي يهدد الاقتصاد البريطاني".
وحسب أرقام حصلت عليها صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن حجم الأموال القذرة التي غسلت عبر شراء عقارات بريطانية فقط تقدر بحوالى 122 مليار جنيه إسترليني (حوالى 190 مليار دولار).
ولاحظت "العربي الجديد" أن أسعار العقارات في أحياء وسط لندن، تضخمت أثمانها بمعدلات خيالية خلال العقد الأخير لدرجة أصبحت أسعار الشقق الفخمة في أحياء مثل "ماي فير" و"نايتسبريدج" و"كينزنغستون"، تتراوح بين 25 و100 مليون جنيه إسترليني. وكانت هذه العقارات تعرض بأسعار لا تزيد عن 20 مليون دولار في أعلى الحالات.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي بسنغافورة، "إنه سيعمل على تعقب ومحاكمة المجرمين الأجانب الذين يتخفون تحت ثياب الاستثمار لغسل الأموال المسروقة في بريطانيا".
وأنشأت بريطانيا أخيراً وحدة خاصة لمراقبة جرائم الرشوة والفساد والتحقيق في ما يعرف بجرائم "ذوي الياقات البيضاء" بحي المال البريطاني. و"ذوو الياقات البيضاء" هم طبقة تتشكل من كبار المهنيين الذين يسهلون مهمة المسؤولين ومديري الشركات الحكومية في العالم الثالث وعصابات الإجرام على غسل الأموال القذرة في لندن عبر استغلال الثغرات القانونية.
وكشفت محاكمة الحاكم السابق لإقليم الدلتا الغني بالنفط في نيجيريا، جيمس إيبوري، والتي جرت في لندن، كيفية وأساليب وحجم التحالف بين طبقة "ذوي الياقات البيضاء" وعصابات الأموال القذرة التي تتشكل من مسؤولي وساسة العالم الثالث وخبراء المال والمحاماة والحسابات في لندن.
واعترف المسؤول النيجيري السابق في محكمة "أولد بيلي" بلندن بالاحتيال وإجراء عمليات غسل أموال تفوق قيمتها 50 مليون إسترليني (حوالى 77 مليون دولار). أخفى إيبوري هذه الأموال في عقارات فاخرة بحيي "سانت جونز وود" و"هانبستيد".
وحكم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً، ولكن القصة لم تنته عند الجرائم المالية التي ارتكبها المسؤول الحكومي النيجيري وإنما كشفت كذلك مجموعة من كبار المحامين والمحاسبين وشركات توظيف الأموال التي ساعدته في إخفاء الأموال وتحويلاتها عبر سلسلة من شركات الأفشور إلى أن أصبحت أموالاً قانونية.
ويلاحظ أن حوالى نسبة 50% من العقارات الفاخرة مسجلة تحت ملكية شركات واجهة بريطانية، لا تأخذ إجراءات تسجيلها أكثر من نصف ساعة وتكاليف تسجيلها 15 جنيهاً إسترلينياً. وهذه الشركات نفسها مملوكة لشركات أوفشور مسجلة في جزر الكاريبي.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تحقق في أكبر قضية غسيل أموال