01 فبراير 2019
16 سنة من حُكم محمد السادس
بِحُكم العادة، يُصبح موعد عيد العرش الذي يَحُلّ الأُسبوع المقبل، ويجسد ذكرى تولية محمد السادس المُلك في المغرب، مناسبة لمساءلة الحصيلة السياسية والدستورية لهذا العهد. حصيلةٌ جرّت وراءها ستة عشر عاماً من الانتظارات والآمال والتراكمات.
عندما نُفكّر، اليوم، في هذا التمرين، فلا بد أن ننطلق من حقيقة واضحة، تتجلى في أن النظام السياسي المغربي عمل أكثر من عقد على التأجيل المستمر لملف الإصلاحات الدستورية، قبل أن يكون للربيع العربي رأي آخر في الموضوع. تأجيل سينطلق تارة من خطاب أولوية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، أو من الدفاع عن تأهيل الأحزاب، بدل تأهيل الدستور. ثم تارة أخرى، من فكرة اكتمال النسق المؤسساتي، والحاجة فقط إلى إصلاحات ترابية، تنقل صلاحيات المركز الى الجهات.
بعد عشر سنوات من التأجيل المستمر، يعود الملف الدستوري بقوة، في سياق التفاعل مع الربيع العربي، وأثراً مباشراً من جهة لدينامية 20 فبراير، التي رفعت شعار إسقاط الفساد والاستبداد، وأعادت الحياة إلى شعار "الملكية البرلمانية"، ومن جهة أخرى، للخطاب الملكي في التاسع من مارس/آذار2011. ستعرف هذه العودة، من جهة، تحولاً على مستوى الانتقال من ملفٍّ طالما تم تدبيره ضمن هامش نخبوي إلى ملف يتملكه الشارع والفاعلون الاجتماعيون والمجتمع المدني.
أدت دينامية 20 فبراير إلى معالجة جذرية لبراديغم الإصلاح، كما تم تبنيه منذ 1999، فقد شكل سياق تبلور دستور 2011 لحظة أُفول "النموذج المغربي للإصلاح" الذي تكرس منذ بداية الألفية الثالثة، وهو نموذج تأسس على نجاح الدولة في تحويل النقاش، من الإطار الماكرو سياسي إلى إطارات جزئية، وعلى تحكم الدولة في أجندة الإصلاح عبر "تأميمها" إيديولوجيا الإصلاح التي أصبحت جزءا من المشترك العمومي، ونجاحها في عملية "اختصار دورة المطالب"، حيث لم تبق الدولة أسيرة لمطالب المجتمع والأحزاب، بقدر ما خلقت آليات مؤسسية وموضوعاتية لإنتاج المطالب والتوصيات الضرورية للتغذية الذاتية للنظام السياسي.
لا يرتبط سياق دستور 2011 فقط بعودة الإشكالية الدستورية إلى الواجهة، عقدة مركزية لأي إصلاح، وبالحاجة إلى إصلاح "السياسة" و"المؤسسات"، لكنه يرتبط بالعمق المجتمعي الذي انطلقت منه المطالب الدستورية، وبدور الشارع في احتضان هذه المطالب، ثم باتساع غير مسبوق لدائرة الحوار العمومي حول قضايا الدستور.
وهكذا، لا يمكن الحديث عن الحصيلة الدستورية والسياسية للسنوات الست عشرة الماضية، من دون التطرق، بالطبع، إلى دستور 2011، والمؤكد أننا أمام دستور متقدم، من حيث البناء المؤسسي للتجربة الدستورية المغربية منذ 1962، على مستوى الإقرار بالحقوق والحريات، وتكريس وضعية القضاء سلطة دستورية، وتقوية الصلاحيات البرلمانية في التشريع والرقابة، ومحاولة تصور الحكومة سلطة تنفيذية بصلاحيات حصرية، وبرئيس يتجاوز وضعية الزميل الأول وسط الوزراء إلى صاحب سلطة رئاسية وتحكيمية حقيقية. كل هذا داخل هندسة مؤسساتية تسمح بالحديث عن طابع برلمانيٍ متقدم نسبياً، على الرغم من كل الحدود التي احتفظت بها وثيقة يوليو/تموز 2011، والتي حاولت تجاوز الملكية التنفيذية من دون أن تصل بالطبع إلى لحظة الملكية البرلمانية.
على المستوى السياسي، لا يمكن لأية محاولةٍ، في الحصيلة، أن لا تلتفت للحرص على نوعٍ من التطبيع مع الممارسة الانتخابية، واحترام الانتظامية والدورية العادية في ولاية الانتدابات العامة، حيث لم يعد الزمن الانتخابي خاضعاً للمزاج السياسي، كما كان الأمر في عهد الحسن الثاني، حيث شهد التطور المؤسسي حلقات غير منتظمة، تميزت إما بالقطائع (حالة الاسثتناء) أو بالتمديدات، فضلاً عن تسجيل محاولة جادةٍ لإخراج المؤسسات الوطنية والسلطات الاستشارية من دائرة الصُورية والهشاشة إلى لحظة الفعالية والمردودية والكثافة، في إثراء الحوار العمومي، على نحو ما تساهم به هيئات مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المجلس الأعلى للتربية والتكوين..، ما يجعلنا أمام حالة انتقال، نسبيٍ ومراقبٍ، من مجرد مجالس ملكية إلى مؤسسات حديثة للاستشارة البرلمانية والحكومية.
وإذا كان المجال الحقوقي يبقى إحدى نقط قوة هذه الحصيلة، خصوصاً على مستوى تدبير ملفات الماضي، وطريقة معالجة التجربة المغربية في العدالة الانتقالية، لإرث سنوات الرّصاص، وتراجع منطق الانتهاكات الجسيمة والمُمنهجة لحقوق الإنسان، والتقدمات الهائلة في ملف المرأة، فإن عناصر قلق كثيرة تتعلق بالحياة الحزبية، حيث على الرّغم من النهوض بالأرضية التشريعية، والتقدم على مستوى شفافية الدعم العمومي وظروف العمل الحزبي، لا يمكن القفز على ما وقع عام 2009، من عودة لمنطق بناء حزب تحوم حوله شُبهة "حزب الدولة"، وعلى ما وقع بعد 2011، من تراكم قرائن كثيرة على محاولات المس باستقلالية القرار الداخلي للأحزاب الوطنية، وهي الملاحظة التي لا بد أن تستدعي الوقوف على التراجع الكبير على مستوى طبيعة النخب السياسية، والانحطاط الملحوظ على مستوى الخطاب السياسي.
الواقع أننا أمام حصيلة مبنية على مفارقة واضحة لتقدم دستوري ومؤسساتي مُكَرّسٍ، مقابل تراجع سياسي تعكسه عودة إلى خنق القرار الحزبي المستقل، وانحطاط مهول للنخب السياسية، ما يجعل من سؤال الانتقال والخروج من السلطوية سؤالاً معلقاً مرة أُخرى.
بعد عشر سنوات من التأجيل المستمر، يعود الملف الدستوري بقوة، في سياق التفاعل مع الربيع العربي، وأثراً مباشراً من جهة لدينامية 20 فبراير، التي رفعت شعار إسقاط الفساد والاستبداد، وأعادت الحياة إلى شعار "الملكية البرلمانية"، ومن جهة أخرى، للخطاب الملكي في التاسع من مارس/آذار2011. ستعرف هذه العودة، من جهة، تحولاً على مستوى الانتقال من ملفٍّ طالما تم تدبيره ضمن هامش نخبوي إلى ملف يتملكه الشارع والفاعلون الاجتماعيون والمجتمع المدني.
أدت دينامية 20 فبراير إلى معالجة جذرية لبراديغم الإصلاح، كما تم تبنيه منذ 1999، فقد شكل سياق تبلور دستور 2011 لحظة أُفول "النموذج المغربي للإصلاح" الذي تكرس منذ بداية الألفية الثالثة، وهو نموذج تأسس على نجاح الدولة في تحويل النقاش، من الإطار الماكرو سياسي إلى إطارات جزئية، وعلى تحكم الدولة في أجندة الإصلاح عبر "تأميمها" إيديولوجيا الإصلاح التي أصبحت جزءا من المشترك العمومي، ونجاحها في عملية "اختصار دورة المطالب"، حيث لم تبق الدولة أسيرة لمطالب المجتمع والأحزاب، بقدر ما خلقت آليات مؤسسية وموضوعاتية لإنتاج المطالب والتوصيات الضرورية للتغذية الذاتية للنظام السياسي.
لا يرتبط سياق دستور 2011 فقط بعودة الإشكالية الدستورية إلى الواجهة، عقدة مركزية لأي إصلاح، وبالحاجة إلى إصلاح "السياسة" و"المؤسسات"، لكنه يرتبط بالعمق المجتمعي الذي انطلقت منه المطالب الدستورية، وبدور الشارع في احتضان هذه المطالب، ثم باتساع غير مسبوق لدائرة الحوار العمومي حول قضايا الدستور.
وهكذا، لا يمكن الحديث عن الحصيلة الدستورية والسياسية للسنوات الست عشرة الماضية، من دون التطرق، بالطبع، إلى دستور 2011، والمؤكد أننا أمام دستور متقدم، من حيث البناء المؤسسي للتجربة الدستورية المغربية منذ 1962، على مستوى الإقرار بالحقوق والحريات، وتكريس وضعية القضاء سلطة دستورية، وتقوية الصلاحيات البرلمانية في التشريع والرقابة، ومحاولة تصور الحكومة سلطة تنفيذية بصلاحيات حصرية، وبرئيس يتجاوز وضعية الزميل الأول وسط الوزراء إلى صاحب سلطة رئاسية وتحكيمية حقيقية. كل هذا داخل هندسة مؤسساتية تسمح بالحديث عن طابع برلمانيٍ متقدم نسبياً، على الرغم من كل الحدود التي احتفظت بها وثيقة يوليو/تموز 2011، والتي حاولت تجاوز الملكية التنفيذية من دون أن تصل بالطبع إلى لحظة الملكية البرلمانية.
على المستوى السياسي، لا يمكن لأية محاولةٍ، في الحصيلة، أن لا تلتفت للحرص على نوعٍ من التطبيع مع الممارسة الانتخابية، واحترام الانتظامية والدورية العادية في ولاية الانتدابات العامة، حيث لم يعد الزمن الانتخابي خاضعاً للمزاج السياسي، كما كان الأمر في عهد الحسن الثاني، حيث شهد التطور المؤسسي حلقات غير منتظمة، تميزت إما بالقطائع (حالة الاسثتناء) أو بالتمديدات، فضلاً عن تسجيل محاولة جادةٍ لإخراج المؤسسات الوطنية والسلطات الاستشارية من دائرة الصُورية والهشاشة إلى لحظة الفعالية والمردودية والكثافة، في إثراء الحوار العمومي، على نحو ما تساهم به هيئات مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، المجلس الأعلى للتربية والتكوين..، ما يجعلنا أمام حالة انتقال، نسبيٍ ومراقبٍ، من مجرد مجالس ملكية إلى مؤسسات حديثة للاستشارة البرلمانية والحكومية.
وإذا كان المجال الحقوقي يبقى إحدى نقط قوة هذه الحصيلة، خصوصاً على مستوى تدبير ملفات الماضي، وطريقة معالجة التجربة المغربية في العدالة الانتقالية، لإرث سنوات الرّصاص، وتراجع منطق الانتهاكات الجسيمة والمُمنهجة لحقوق الإنسان، والتقدمات الهائلة في ملف المرأة، فإن عناصر قلق كثيرة تتعلق بالحياة الحزبية، حيث على الرّغم من النهوض بالأرضية التشريعية، والتقدم على مستوى شفافية الدعم العمومي وظروف العمل الحزبي، لا يمكن القفز على ما وقع عام 2009، من عودة لمنطق بناء حزب تحوم حوله شُبهة "حزب الدولة"، وعلى ما وقع بعد 2011، من تراكم قرائن كثيرة على محاولات المس باستقلالية القرار الداخلي للأحزاب الوطنية، وهي الملاحظة التي لا بد أن تستدعي الوقوف على التراجع الكبير على مستوى طبيعة النخب السياسية، والانحطاط الملحوظ على مستوى الخطاب السياسي.
الواقع أننا أمام حصيلة مبنية على مفارقة واضحة لتقدم دستوري ومؤسساتي مُكَرّسٍ، مقابل تراجع سياسي تعكسه عودة إلى خنق القرار الحزبي المستقل، وانحطاط مهول للنخب السياسية، ما يجعل من سؤال الانتقال والخروج من السلطوية سؤالاً معلقاً مرة أُخرى.