فارق شاسع بين أن تحصي أعداد المنازل التي هدمتها آلة بشار الأسد الحربية، وبين أن تقف إنسانياً على من تهدمت بيوتهم، أين ذهبوا؟ وكيف يتدبرون أمورهم؟ وما هي التنازلات التي قدموها على كافة الأصعدة ليستمروا وأسرهم في العيش حتى وإن كان تحت سقف من خيش (قماش) أو طين؟
أكبر ضحية
الدراسات وحتى كلمات الساسة والمنظمات الإنسانية تقول إن قطاع السكن هو الأكثر تأثراً بالحرب التي شنها الأسد على الثورة والشعب، نتيجة تحول المدن والمناطق السكنية إلى ساحات حرب حقيقية، ولكن يبقي الإنسان السوري هو الضحية الأكبر لهذه المعادلة. فتعرض أكثر من مليوني مسكن للضرر بدرجات متفاوتة، يعني أن أكثر من 11 مليون سوري، (أكثر من 50% من عدد السكان) تأثروا بانهيار قطاع السكن وتدمير البنية الحضرية، فبعضهم نزح إلى الداخل وآخرون إلى الخارج.
يقول أحمد خيرو، من مخيم الإصلاحية على الحدود السورية التركية، لـ"العربي الجديد": "أعيش وأسرتي مع زوجة ابني الشهيد وابنتي زوجة الشهيد في خيمة، بعد أن خرجنا من حلب إثر قصفها بالبراميل المتفجرة والصواريخ، وكنا نعتقد أن هجرتنا ستكون مؤقتة، فلم نأت للمخيم مباشرة، بل ذهبنا في البداية إلى منطقة سرمين المحررة في ريف إدلب واستضافنا مقربون، لكن سرمين لم تسلم من القصف، ولم يعد باستطاعة أحد
وأنهى خيرو حديثه، وهو يجهش بالبكاء، عندما تذكر أوجاعه خلال الحرب وأحلامه بالعودة إلى منزله.
أستاذ الرياضيات عبد الله صادق، المقيم في مدينة نذب التركية يسرد لنا أيضا جانبا من الأزمة حيث يقول: "ليت لي بيتاً في إدلب بدلاً من الذي دمّرته الحرب لأعود إليه ولو دُفنت تحت أنقاضه". وأضاف صادق لـ"العربي الجديد": "لقد قصفت طائرات النظام بيتي بعد أن فصلني نظام الأسد من التدريس بتهمة تأييد الثورة، ولم أر أو أقرأ عن وحشية وثأرية كالتي لمسناها من النظام في حربه على الشعب السوري، رأيت بعيني كيف تقصف الطائرات بالصواريخ والبراميل المتفجرة المنازل والمنشآت، وشاركنا مراراً بانتشال جثث الأطفال من تحت الأنقاض".
وتساءل صادق: "قد تسمح الحروب بالقصف وقتل الجنود واستخدام كل الوسائل بهدف النصر، ولكن أن تقصف البيوت ويستهدف الأطفال والمدارس على النحو الذي رأيناه في ريف إدلب، فهذا ما لم أعرفه حتى في قمع ثورة إسبانيا ولا حتى خلال الحربين العالميتين". وأوضح أن العالم تخاذل عن نصرة الشعب السوري، وبالتالي لن يساندوا السوريين في قضية إعادة إعمار سورية.
ويبقى الأمل
أكد لاجئون، في حديثهم لـ"العربي الجديد"، إصرارهم على العودة إلى منازلهم بعد الانتصار على نظام الأسد رغم أوجاعهم وآلامهم وخسارتهم لبيوتهم وأرزاقهم. فقد قال أحد اللاجئين، وهو المواطن جميل أبو عبدو، خلال لقطة بالفيديو على صفحات "اليوتيوب" وهو يبكي فوق ركام منزله بعد تهديمه ببرميل متفجر "اقصف يا بشار موتنا، لن نرحل وسيعمر أبناؤنا سوريا، ولكن دون آل الأسد".
وحسب إحصائيات منظمات دولية، يبلغ عدد النازحين في الخارج نحو 4.5 مليون سوري، وفي الداخل نحو 6.5 مليون سوري هربوا من القصف والموت.
وقالت الأمم المتحدة، في تقرير سابق لها، إن اللاجئين السوريين في الخارج موزعون على عدة دول منها لبنان وتركيا والأردن والعراق. وأوضحت الأمم المتحدة أن هناك مؤشرات مثيرة للقلق على أن رحلة الخروج من سورية باتت أكثر صعوبة للعائلات، وأن بعض المناطق في الداخل خالية من سكانها بسبب الحرب.
ومن جانبها، حذرت الدول التي تستضيف اللاجئين من تدهور أوضاع النازحين، بسبب عدم كفاية الدعم المالي المقدم لهم من المنظمات الدولية.