تسببت الخلافات الداخلية الحادة في صفوف حركة طالبان والقيود التي فرضتها السلطات الباكستانية على قيادات الحركة اللاجئين على أراضيها، بالإضافة إلى الإغراءات المالية التي تقدمها الحكومة الأفغانية، في انضمام عدد كبير من مسلحي وقيادات "طالبان" إلى عملية المصالحة الأفغانية، والتي تسميها لجنة المصالحة بالعودة إلى الحياة الطبيعية. لكن هذه العملية تلقت صفعة لا يستهان بها، أخيراً، مع إقدام أحد المحاربين السابقين في "طالبان"، على تفجير نفسه داخل قاعدة عسكرية أميركية، نجح في الحصول على وظيفة فيها، بعد انضمامه إلى مسار المصالحة. وكانت أفغانستان شهدت في الأعوام الأخيرة ارتفاع عدد من غادر صفوف "طالبان". ويقول الناطق باسم اللجنة العليا للمصالحة، محمد إسماعيل قاسم يار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه خلال الأعوام الخمسة الماضية تمكنت اللجنة من إقناع نحو 11 ألف عنصر من "طالبان" بترك السلاح والانضمام إلى المصالحة الأفغانية. ويلفت إلى أنه خلال الفترة الأخيرة ولأسباب مختلفة، ازداد عدد المنضمين إلى المصالحة وشمل قيادات بارزة في "طالبان". ويضيف أن هؤلاء جاؤوا ومعهم ما بين 5000 إلى 6000 قطعة سلاح، خفيفة وثقيلة، وسلموها إلى الحكومة الأفغانية، مقابل ما تمنحه الحكومة لهم من تأمين حياتهم عبر راتب شهري، مشدداً على أن لجهود لجان المصالحة الإقليمية نتائج إيجابية على الأرض.
وفي أحد أبرز الأحداث بهذا الشأن، يقول المتحدث باسم الحكومة المحلية في إقليم ننجرهار، عطاء الله خوجياني، إن عشرة من قياديي "طالبان" ألقوا السلاح طواعية الأسبوع الماضي، أمام القوات المسلحة الأفغانية، وانضموا إلى عملية المصالحة الأفغانية. ويصف ذلك بالخطوة المهمة للغاية، إذ إن أولئك القياديين كان لهم دور مهم في الأحداث الميدانية في شرق البلاد. ودون أن يكشف عن هوياتهم، يؤكد أن لهؤلاء يد في تفجير الجسور والمباني الحكومية واستهداف المراكز الأمنية، وانضموا إلى المصالحة بعد التواصل مع المسؤولين في الاستخبارات الأفغانية. ويذكر أن هؤلاء القادة اعترفوا بأن دولة مجاورة كانت تستخدمهم لمصالحها وأنهم تعبوا من تدمير بلادهم لمصالح آخرين. ويشير إلى أن عدداً كبيراً من قيادات وعناصر طالبان يتواصلون حالياً مع الحكومة، لا سيما الاستخبارات، من أجل العودة إلى بلادهم والانضمام إلى المصالحة.
وتفيد مصادر من داخل حركة طالبان أن عدداً من أعضاء ما يسمى بشورى كويتا، المجلس القيادي في الحركة، هربوا من باكستان ودخلوا إلى مدينة قندهار بوساطة الزعامة القبلية بعدما تعرض عدد من القياديين في الحركة للاعتقال من قبل السلطات الباكستانية. وتعرض بعضهم لاغتيالات في ظروف غامضة، يزعم المحللون أن استخبارات دول المنطقة هي من تولى تنفيذها.
وفيما كانت آمال الأفغان قد انتعشت بتخفيض حالة التوتر في البلاد بعد استمرار عملية انضمام قيادات ميدانية في "طالبان" إلى المصالحة الأفغانية، وجهت الحركة لهذا المسار ضربة لا يستهان بها، من خلال تنفيذ عملية انتحارية داخل قاعدة أميركية، نفذها أحد المنضمين إلى المصالحة الأفغانية. وعلمت "العربي الجديد" أن منفذ العملية يدعى، قاري عناية الله، معروف في أوساط طالبان بقاري محمد برواني. وكان من سكان حي لغماني بمديرية باغرام في إقليم بروان، المجاور للعاصمة كابول. وكان عنصراً فعالاً في "طالبان" قبل أن ينضم إلى المصالحة من خلال أحد الوجهاء المحليين في عام 2008. ويقول مسؤول الحكومة المحلية بمديرية باغرام، عبد الشكور قدوسي، إن منفذ العملية كان يعمل في القاعدة الأميركية منذ أن ألقى السلاح وحتى تفجير نفسه الأسبوع الماضي. ولا يعرف المسؤول كيف تمكن الشاب من العثور على العمل داخل القاعدة الأميركية المحصنة أمنياً، لكنه يعرب عن استغرابه الشديد إزاء العملية التي نفذت بحزام ناسف وليس بالأسلحة الرشاشة كما يحدث غالباً في العمليات الداخلية ضد القوات الأفغانية والأجنبية.
قد تكون العملية من عشرات العمليات التي تنفذها طالبان كل شهر. لكنها ذات دلالات لا يمكن تجاهلها. الأميركيون في حيرة من أمرهم، ومربكون بشأن الثغرة الأمنية التي أتاحت وصول الانتحاري إلى داخل القاعدة. ويستغربون كيف أن منفذ العملية كان يعمل منذ مدة طويلة في هذه القاعدة مع أنه كان، في السابق، عنصراً بصفوف "طالبان" لفترة طويلة قبل أن يلقي السلاح ضمن مشروع العودة إلى الحياة الطبيعية التي دشنتها اللجنة العليا للمصالحة الأفغانية لأفراد وعناصر وقيادات التنظيمات المسلحة.
وكما حيرت العملية الأميركيين، فهي كذلك وضعت علامات استفهام على كل من انضم وينضم إلى المصالحة الأفغانية. وبعضهم ينضم إلى صفوف الجيش القبلي الذي يقاتل جنباً إلى جنب مع الجيش الأفغاني ضد "طالبان" والجماعات المسلحة.
في المحصلة، أدت العملية الانتحارية إلى تكبيد الأميركيين والحكومة الأفغانية خسارة فادحة، ومنحت حركة طالبان مكسباً معنوياً، ربما هي نفسها لم تكن تتوقعه.