وبحسب الورقة التي شارك في إعدادها عدد من الباحثين في المركز، فإن جائحة كورونا تتخطى كونها أزمة صحية ووباء عالمياً وتنذر بتحوّلها إلى نقطة تحوّل فارقة في العلاقات الدولية عموماً، وفي تاريخ الشرق الأوسط على نحو خاص. ولعل أبرز معالم الأزمة التي تسبّبها جائحة كورونا هي الصعوبة في محاولة استشراف مدة بقاء الوباء ونطاق وخطورة الضربة التي تتلقاها مختلف الدول بفعله، إلى جانب التشابك بين الزلزال الإقليمي في المنطقة والزلزال العالمي، مصحوباً بحالة عدم اليقين والمعرفة المرافقة للوباء. وأدرجت الورقة السيناريوهات التي تتوقع تحققها على أرض الواقع بفرص معقولة وممكنة وهي كالتالي:
انهيار أنظمة وأجهزة دولانية:
بحسب هذا السيناريو، فإن الأردن ولبنان والسلطة الفلسطينية وحتى مصر قد يواجهون مصاعب في احتواء الأزمة. ومع أن توقعات مواطني هذه الدول من حكوماتهم متدنية إلا أن احتمالات كارثة صحية أو نقص في المواد الأساسية من شأنه أن يقود إلى احتجاجات تؤدي إلى حالة فوضى وانهيار أجهزة هذه الدول. ومن شأن تفكك دول صديقة لإسرائيل أن يحوّل أراضي هذه الدول إلى مصدر تهديد متواصل لإسرائيل، ربما على المدى القريب الفوري في حال اعتبرت إسرائيل مكاناً آمناً، وهو ما سيهدد بموجة واسعة من اللاجئين على حدودها.
تصعيد أمني مقابل غزة:
قد يندلع تصعيد في حال وجود تقديرات عند حركة "حماس" بأن إسرائيل أكثر انضباطاً في ردها العسكري، وبالتالي تكون أكثر ميلاً للاستجابة للمطالبة بتحسين الظروف المدنية، أو على العكس من ذلك يمكن أن يبدأ تدهور في قدرة "حماس" على الحكم، ما سيوسع نطاق ووتيرة نشاط "الجهاد الإسلامي" وفصائل أخرى. ولكن كلما ساعدت إسرائيل سلطة "حماس" في مواجهة الجائحة فإن ذلك سيقلل من فرص تحقق هذا السيناريو.
موجة عمليات في الضفة الغربية:
يفترض هذا السيناريو ازدياداً في محاولات تنفيذ عمليات اختطاف أو عمليات فردية بفعل تفاقم الضائقة الشخصية عند أفراد غير منظمين فصائلياً، أو بفعل تقديرات فلسطينية بأن المخاطر في تنفيذ هذه العمليات قلت وتراجعت ويمكن استخدام العمليات لتحقيق مكاسب معنوية. ومن شأن هذا السيناريو أن يتحقق خصوصاً في حال تراجعت قدرات العمل وإحباط العمليات لكل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وكلما تصاعدت الأزمة والضائقة المدنية (الحياتية) عند الفلسطينيين، ومن شأن ارتفاع حالات المرض في صفوف الأسرى الفلسطينيين أن يرفع الدافعية لتنفيذ العمليات.
إعادة تأهيل "داعش" واستعادة قوته:
من شأن استمرار حالة انعدام الاستقرار السياسي في العراق، وتركيز الأنظمة على مواجهة الوباء، أن يضعف قدرة الحكومة على فرض سيطرتها في المناطق النائية، وهو ما قد يرفع الضغوط العسكرية عن تنظيم "داعش" الذي من شأنه استغلال هذه الأزمة لمحاولة ترميم قوته وقدراته ويعود لتنفيذ العمليات في المنطقة، واستعادة سيطرته على مناطق مختلفة، بينها أيضاً شمال شبه جزيرة سيناء.
تراجع وانسحاب أميركي من سورية والعراق:
قد تنفذ الولايات المتحدة مثل هذا الانسحاب بفعل انتشار الوباء في هذه المناطق أو إثر تراجع كبير في شعبية الرئيس دونالد ترامب، ما قد يدفعه لاتخاذ خطوات سياسية من هذا النوع. انسحاب أميركي من العراق سيتبعه أيضاً انسحاب من سورية، وهو ما سيؤدي إلى تفكيك التحالف الدولي ضد "داعش"، وبالتالي سيطرة نظام بشار الأسد على شرق سورية.
مكاسب روسية على حساب الولايات المتحدة:
من شأن موسكو أن تحاول دفع دول في الخليج لخفض التزاماتها مع الولايات المتحدة عبر شراء أسلحة ومفاعلات نووية من روسيا أو الاستثمار في الاقتصاد الروسي، مقابل ترميم مجموعة "أوبك+". كما أن من شأن روسيا أن تزود دول المنطقة بقدرات عسكرية تغيّر التوازن الاستراتيجي القائم، مثل بيعها منظومات "إس 400" لكل من إيران والعراق وتشجيع نظام الأسد على التوصل إلى تفاهمات مع الأكراد تسحب البساط من تحت أقدام القوات الأميركية في شرق سورية. إضعاف المكانة الأميركية مقابل تعزيز مكانة روسيا، قد يضر بحرية الحركة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي، ويُبقي إسرائيل وحيدة في مواجهة النشاط الإيراني في المنطقة، بدعم أميركي محدود (مقارنة بالدعم الأميركي الحالي لإسرائيل).
إضعاف الأنظمة الملكية في الخليج:
في ظل انخفاض أسعار النفط والغاز، حالياً، فإن من شأن جائحة كورونا أن تهز الأسس المالية وأن تعمّق من تحديات الاستقرار الداخلي لتصبح الانقلابات الداخلية محتملة وواردة. مثلاً في حال قرر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان استغلال الظرف الحالي لتسريع تتويجه ملكاً، فإن ذلك سيزيد من التوترات الداخلية في أروقة الحكم وبين السلطة والمواطنين، ما قد يضعف، في حال تحقق هذا السيناريو، الشراكة الإسرائيلية مع الخليج ضد إيران حتى في اليوم الذي تنتهي فيه جائحة كورونا.
تحوّل في مسار الذرّة الإيراني:
من شأن إيران استغلال ظروف الجائحة لتحسين قدراتها وتقصير أمد الفترة الزمنية التي تمكّنها من الوصول إلى بناء قنبلة نووية، أو أن تؤدي الظروف إلى خفوت سياسة "الضغط الأقصى" الأميركية بحيث تعتقد إيران أن امتلاكها ومراكمتها "لذخائر استراتيجية" سيكلفها أثماناً استراتيجية أقل، وبالتالي تتمكّن من تحسين موقفها التفاوضي مقابل الولايات المتحدة، وربما أيضاً تجميد الوضع الحالي مقابل مساعدات إنسانية. خفض الضغوط الاقتصادية ورفعها سيصعّب إعادتها من جديد بعد القضاء على الوباء.
إحراز تقدّم في مشروع تطوير دقة الصواريخ الموجودة بحوزة "حزب الله" وإمكانية تصعيد عسكري بين إسرائيل وإيران في سورية:
من شأن كل من "حزب الله" وإيران أن يقدّرا بأن ثقل المهام الملقاة على جهاز الأمن في إسرائيل وتراجع القوى الفاعلة فيه كما في باقي مناحي الحياة في إسرائيل، هو فرصة لتطوير خطوط إنتاج وتصنيع أجهزة تحسين دقة الصواريخ، على الأراضي السورية واللبنانية. في المقابل، قد تختار إيران نصب قدرات قتالية نارية في سورية أو العراق وإطلاقها باتجاه إسرائيل، كي تجسد لإسرائيل ثمن "المعركة بين الحروب" التي شنّتها إسرائيل، على غرار ما قامت به إيران من تعزيز المواجهة بين المليشيات الموالية لها في العراق والقوات الأميركية.
هجوم سيبراني عالمي واسع النطاق أو عيني يستهدف إسرائيل:
يرى هذا السيناريو أنه في ظل اعتماد "التباعد الاجتماعي" عالمياً لمواجهة كورونا والاعتماد شبه المطلق للاقتصاد العالمي على الاتصالات وشبكات الإنترنت وحتى أسلوب الحكم عن بُعد من قبل بعض الدول، هناك حاجة للانتقال السريع لمواءمة السوق والنشاط الاقتصادي لتفادي حالات وقوع ثغرات في أجهزة حماية المعلومات وشنّ هجمات سيبرانية على النطاق العالمي أو استهداف إسرائيل على نحو خاص، وهو ما قد يهدد الأمن الإسرائيلي.
ويخلص التقدير إلى وجوب قيام صنّاع القرار في إسرائيل، بموازاة مواجهة كورونا على ما تأخذه من جهد وما تستنفده من موارد الدولة والجيش نفسه، بدراسة واقعية لاحتمالات مثل هذه السيناريوهات وتخصيص موارد لجمع المعلومات ورصد مؤشرات تدل على احتمالات تحقق أي من هذه السيناريوهات، لأن من شأن رصد مسبق أن يمنح إسرائيل فرصة للتدخّل وتفادي ضربة استراتيجية تؤثر في مصالحها وتهدد أمنها الاستراتيجي.