‏"أحبيني" كَسَر المحرّمات

07 سبتمبر 2018
من "أحبّيني" لجمال عبد جاسم (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
تفاصيل التعقيد المجتمعي والسلوكي ‏في العراق غالبًا ما تُبقي تجارب فنية عديدة حبيسة الورق‏ بسبب الـ‏"تابوهات"، كالجنس والعِرْق والمذهب. تبعات قاسية تحلّ بمن يتجرأ على طرحها في معالجة سينمائية أو تلفزيونية.
لكن تجربة جمال عبد جاسم، المتمثّلة في "أحبّيني" (من تأليفه أيضًا)، كسرت أول حواجز ‏الخوف والتردّد، بتطرّقها إلى ‏قضيتي الحبّ والجنس في آن واحد.

تبدأ الحكاية من صدمة على وجه ‏مهند (مهند الأمير)، بسبب رشقة ‏ماء بارد من والدته، التي ضاقت ‏ذرعًا به لأنه لم يفلح في الحياة قط، ‏لينتهي الأمر به صبّاغ أحذية، ‏وهذا مُعيب.

صبّاغ أحذية ‏يُراجع مع نفسه قصّة حب يعيشها ـ ‏ولا يزال يعيشها ـ مع ‏تمارا (سولاف جليل)، لترتسم في ‏مخيلة المُشاهد تلك القصص البالية ‏التي تبدأ بفقير الحال وكريم النفس و‏المعتَدّ بذاته، الذي يُحبّ ابنة القصر ‏والذوات، التي تعمل المستحيل ‏كي تظفر به، حتى وإن كلّفها هذا هروبًا ‏من الجنة الى الجحيم. لكن الأمر ‏ينقلب رأسًا على عقب، إذْ تكتشف تمارا كذبة مهند، المتمثّلة في استلافه ملابس صديقه الثريّ (لؤي أحمد) ‏وسيارته، علمًا أن الصديق هذا فاشلٌ هو ‏أيضًا، ومُتخرّج لكنه عاطل عن العمل، يعبث في الحياة بين مُعاكسات ‏ومُشاجرات.‏



تلك المناورة التي وضعها جمال ‏عبد جاسم في بداية الفيلم أضفت تشويقًا مطلوبًا ‏للمُشاهد العراقي، الذي سئم الصُوَر ‏والقصص المباشرة. ثم تبدأ رحلة ‏اقتناص تمارا، التي تعرّف إليها مهند في حادثة سيارة تسبّبت بها تمارا ‏بحقّه، قبل أن تتعاطف معه وتُحبّه. لكن، كيف سيتمكّن من إقناع والدها ‏صاحب المال به، هو الفقير صباغ ‏الأحذية الهالك؟ يستمر ‏الصراع في ذات مهند، الذي يُحرِّضه سمير ‏على الاختلاء بتمارا والنيل ‏منها جسديًا كي تُصبح له، فيضع بذلك والدها أمام خيارٍ من اثنين: الزواج أو الفضيحة.

يختلف السيناريو عمّا سبقه من نتاجات ‏سينمائية، اجتماعية وكوميدية. إنه خليطٌ ‏بين الرومانسية والكوميديا. ‏الحوار يقود إلى ‏التوقّع بأنّ جمال عبد ‏جاسم متأثّر بالدراما، وهذا جعله يخنق حيّز ‏المَشهد ليُبقي المتلقّي في حيرة أمام أفكاره، إذْ يتشظّى كلّ شيء في الربع الأول من الفيلم. فنيًا، افتقد هذا الأخير رصانة ‏الصوت، الذي ظهر ضعيفًا بسبب ‏العزوف عن الدوبلاج وجَعْل ‏المَشَاهد حيّة بتفاصيلها. أما ‏الموسيقى التصويرية فلها لمسة ‏ذكية بفضل الملحن أحمد ‏الشواك، الذي اقتبس ألحانًا ‏درامية تركية مُضيفًا إليها نكهة ‏عراقية صرفة، في ‏حركة مقصودة من المخرج لحثّ ‏الشباب على مشاهدته، لأنّ للدراما ‏التركية تأثيرًا كبيرًا فيهم.

رغم هفواته المختلفة، تطرّق "أحبّيني" إلى الممنوع عن البوح به في الفنون ‏كلّها، ما غيّب السينما العراقية عن ‏المنافسة أو المشاركة في المهرجانات، فانتهى الأمر ‏إلى نسيان وجود الفن السابع في العراق، مع ندرة الأعمال ورفض ‏الجمهور المُنتَجَ المحلي.
المساهمون