​تداعيات الأزمة الأوكرانية: حرب إعلامية طاحنة

19 مارس 2017
عزّزت روسيا ترسانتها الإعلامية (تاس)
+ الخط -
بعد مرور ثلاث سنوات على تفاقم الأزمة الأوكرانية وقيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم في 18 مارس/آذار 2014، لم تهدأ الحرب الإعلامية بين روسيا والغرب وسط استمرار الطرفين في تبادل الاتهامات و"فضح" تصرفات أحدهما الآخر.

وتجاوز الأمر أجندة الأحداث الدولية، بل يتصدر أيضا الأجندات الداخلية، إذ دفعت ملفات السياسة الخارجية بنسبة تأييد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى الارتفاع إلى أكثر من 80 في المئة، بينما نالت روسيا حصة هامة من حملة انتخابات الرئاسة الأميركية في العام الماضي.

وتشير رئيسة شركة "سمي مونيتور" المتخصصة في رصد وسائل الإعلام، أولجا فيليبينكو، إلى أن وتيرة المواجهة الإعلامية بين روسيا والغرب لم تتراجع خلال آخر عام.
وتقول فيليبينكو لـ"العربي الجديد": "لا تزال الأحداث في أوكرانيا من أهم ملفات الأجندة الإعلامية الداخلية الروسية، ولم يحدث تخفيف للهجة التغطية".

وتضرب المحللة الإعلامية الروسية مثلاً على ذلك، قائلة: "في فبراير/شباط الماضي، ازداد استخدام تعبير "زمرة كييف" بمقدار الضعف مقارنة بعام 2016. ومع ذلك، لا يزال عدد حالات ذكر اسم الرئيس الأوكراني، بيترو بوروشينكو، بدون تغيير، ما يعني أن إجمالي عدد المواد حول أوكرانيا بوسائل الإعلام لم يتغير".

وتوضح أن استخدام تعبيرات لها دلالات سلبية بشأن القرم بوسائل الإعلام الغربية ازداد أيضا، وتضيف: "زاد استخدام تعبير "احتلال القرم" بوسائل الإعلام الناطقة بالإنكليزية بمقدار أكثر من ضعف. ويتم تعزيزه بإضافة كلمات مثل "غير المشروع" في أحيان كثيرة".

ومنذ هزيمتها في الحرب الإعلامية أثناء الأزمة الجورجية في أغسطس/آب 2008، توجهت روسيا نحو تعزيز ترسانتها الإعلامية، وفي مقدمتها شبكة "أر تي" التي تحولت من إطلاع المشاهد الأجنبي على روسيا إلى التركيز على نقل الرؤية الروسية للأخبار الدولية.


ومنذ انطلاق أحداث الربيع العربي في عام 2011، تناول الإعلام الروسي التداعيات السلبية للحراك الشعبي مثل توقف حركة السياحة وتدهور الأوضاع الأمنية في مصر، والتدخل الخارجي في ليبيا، وصعود قوى الإسلام الراديكالي في سورية.

وفي عام 2014، أصبحت أوكرانيا الشغل الشاغل للإعلام الروسي بشقيه الموجهين إلى الداخل والخارج، إذ كان يركز على أن ضم القرم جاء بعد استفتاء تقرير المصير، وأن السلطات الأوكرانية الجديدة المدعومة من الغرب وصلت إلى سدة الحكم عن طريق "انقلاب غير دستوري"، وأن الدول الغربية هي المتضرر الأكبر من حرب العقوبات الاقتصادية مع روسيا.

وأحدثت الأزمة الأوكرانية نقلة نوعية في لهجة الإعلام الروسي تجاه الغرب، ووصل الأمر إلى أنه بالتزامن مع فرز الأصوات في استفتاء تقرير المصير في القرم، أعلن إعلامي موال للكرملين في برنامجه بالتلفزيون الرسمي أن "روسيا هي البلد الوحيد في العالم القادر على تحويل الولايات المتحدة إلى رماد نووي!".

وظل الوضع في أوكرانيا يتصدر أجندة الإعلام الروسي حتى بدء التدخل العسكري المباشر في سورية في 30 سبتمبر/أيلول 2015. وزاحمت تغطية العملية العسكرية الروسية لأول مرة الأحداث في أوكرانيا، لتركز على تحميل قوات التحالف المسؤولية عن الفشل في القضاء على تنظيم "داعش"، وبث لقطات لاستخدام أحدث الأسلحة الروسية.

وبعد حادثة إسقاط قاذفة "سوخوي-24" من قبل سلاح الجو التركي على الحدود السورية التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بدأ الإعلام الروسي يردد تعبير "طعنة في الظهر من أعوان الإرهاب" الذي استخدمه بوتين بعد علمه بالواقعة، ويوجّه اتهامات إلى القيادة التركية بالضلوع في تجارة النفط مع "داعش".

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، كان انحياز الإعلام الروسي لدعم المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، واضحا، فيما واجهت قناة "أر تي" اتهامات بتشويه صورة منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، وهو أمر سارعت رئيسة تحرير الشبكة، مرغريتا سيمونيان، لنفيه بشدة.

وفي فترة انتخابات الأميركية، كان للمنافسة بين ترامب وكلينتون نصيب أكبر من التغطية مقارنة بانتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي في سبتمبر/أيلول 2016، ناهيك عن الأحداث الداخلية الأخرى.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، "تفوق" ترامب حتى على بوتين، إذ ذكرت وسائل الإعلام الروسية اسم الرئيس الأميركي 202 ألف مرة مقابل نحو 148 ألف مرة ذكرت فيها بوتين، وفق بيانات "منظومة التحليل الشامل للأخبار".

لكن بعد تنصيب ترامب وعدم وفائه بـ"التزاماته أمام الناخبين الروس"، بدأ ذكر ترامب في الإعلام الروسي في التراجع، ليعود بوتين إلى صدارة المشهد في فبراير/شباط الماضي بواقع 154 ألف ذكر مقابل 143 ألفا لترامب.




المساهمون