يوم نووي غير حاسم بجنيف...ورسائل متعدّدة اللغات من ظريف

03 يوليو 2014
عراقجي يلتقي الوفد الأميركي على هامش المفاوضات (ديتر نيغل/Getty)
+ الخط -

بدأت تحضيرات اليوم الأول من الجولة السادسة لمحادثات إيران النووية مع دول 5+1 في فيينا، بلقاءات جمعت، أمس الأربعاء، رئيس الوفد المفاوض، وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بمنسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، لينضم إليهما، لاحقاً، نائب وزير الخارجية الأميركي، وليام برنز، بهدف تحديد الجدول العام للمحادثات. واختار ظريف ترجمة الأجواء "الإيجابية الحذرة" بتوجيه رسالة مصوّرة إلى العالم.

وبدأت الفترة الأولى من محادثات هذه الجولة، اليوم الخميس، لتنتهي بعد ساعتين تقريباً. ولتشهد، بعدها، أروقة فندق "كوبورج"، الذي يستقبل المفاوضات، لقاءات ثنائية وثلاثية بين الأطراف المتفاوضة، كان أهمها اللقاء الذي جمع أعضاء الوفد الأميركي بعضوي الوفد الإيراني، عباس عراقجي ومجيد تخت روانجي، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا".

ويجري النظر لهذه اللقاءات على أنها يمكن أن تنعكس إيجاباً، لحلحلة الخلافات المتبقية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، في مسعى الأطراف للخروج باتفاق نهائي، تجنباً لإمكانية

التمديد، ستة أشهر أخرى، لاتفاق جنيف المؤقت، والموقع بين الأطراف ذاتها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، غير أن هذه اللقاءات قد تترجم عمق الخلافات، وصعوبة إرضاء الجميع، ولاسيما الطرفين الإيراني والأميركي.

وكان ظريف قد صرح، في وقت سابق، للصحافيين من مقر إقامته في فيينا، بأن إيران تريد، بالفعل، الوصول لحل نهائي للمسائل العالقة في برنامجها النووي، خلال هذه الجولة، والتي من المفترض أن تكون الأخيرة حسب اتفاق جنيف المؤقت. إلا أن النية الإيرانية للحل، بحسب ظريف، تتطلب جهداً غربياً لإزالة العوائق التي تعترض هذا الاتفاق، مشيراً إلى أن المحادثات مستمرة رغم صعوبتها.

وظهر ظريف في فيديو قصير وجه من خلاله رسالة إيرانية إلى العالم، مترجمة إلى لغات عديدة، ونشره على صفحاته الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك  قبل ساعات قليلة فقط من بدء الجولة السادسة من المفاوضات النووية بين إيران والدول الست الكبرى، اليوم الخميس.

في بداية الشريط المصور الذي حمل عنوان "رسالة إيران إلى العالم، يمكننا أن نصنع التاريخ"، يطل ظريف من باب مبنى وزارة الخارجية في طهران، البناء التاريخي الذي أمر ببنائه رضا شاه قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وتظهر فيه رسومات ونقوش تعود إلى زمن الإخمينيين، عمالقة حضارة بلاد فارس. ويطلّ رئيس الدبلوماسية الإيرانية كمن يحاول تعريف العالم على إيران "الجديدة القديمة"، إيران صاحبة التاريخ الطويل تتبنى اليوم خطاب الحوار والانفتاح كما يقول ناطقو الحكومة.

ويبدأ ظريف كلامه بالقول إنه "خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، ستكون أمامنا فرصة استثنائية لصناعة تاريخ جديد، ولنجمع على اتفاق يحل المسائل العالقة في ملف إيران النووي والتي شغلتنا عن تحديات كثيرة في المنطقة".

ولم يختلف مضمون الشريط المصور عن تصريحات وزير الخارجية من فيينا، التي تستقبل المحادثات، وكلها تصب بأن إيران تبحث بالفعل عن مخرج خلال هذه المرحلة الصعبة. ويبدو أن إطلالة ظريف للمرة الثانية بهذه الطريقة، ومخاطبته الدائمة للإيرانيين في الداخل، هدفها التأكيد أن طهران اليوم لم تعد كما كانت أيام الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، وأن طهران تريد بالفعل أن تتبنى سياسة الحوار، وهذا قد يعود بسبب خسارتها على الصعيدين الداخلي والإقليمي.

فمحلياً، دفع الإيرانيون ضريبة اقتصادية واجتماعية ومعيشية باهظة، فالحظر الغربي الذي أدى إلى اتباع طهران لسياسة الاكتفاء الذاتي وزيادة الإنتاج المحلي، وهو الشق الإيجابي من المعادلة، ضغط بشدة على نواح أخرى، فأثقلت العقوبات كاهل المواطن الإيراني بالدرجة الأولى.

وسبب اختيار المسؤولين الإيرانيين لتوجيه رسائل للعالم أولاً، وكتابة حكامها، وفي مقدمتهم الرئيس حسن روحاني، ووزير خارجيته، في صحف أجنبية معروفة ثانياً، قد يكون محاولة إنقاذ صورة إيران إقليمياً ودولياً، ولا سيما بعد مواقفها التي اتخذتها من بعض التغييرات في المنطقة، تحديداً مما يحدث في سورية.

من وجهة نظر إيرانية، تتطلب المرحلة الآن أن تمد طهران يدها إلى العالم، حتى يصبح بالإمكان إعادة ترتيب الأوراق المتزاحمة في المنطقة، وحلحلة المسائل النووية ستشكل أرضية مناسبة لتجلس طهران على طاولة واحدة مع "الكبار"، لتساعد في رسم حلول للمشاكل الإقليمية، وتحاول بذلك تعويض خساراتها خلال السنوات الماضية، وتحقيق مكاسب من نواح أخرى.

ويبدو أن عُقَد التفاوض تتمثل في رغبة إيران بالاحتفاظ في برنامجها النووي من دون تقديم تنازلات مصيرية، وهو الأمر المرفوض في الداخل الإيراني من قبل التيارات المحافظة، بدءاً من تيار مؤسسة المرشد، إلى المتشددين، وحتى المعتدلين من المحافظين، إذ لا تنازل، بالنسبة لهؤلاء، عن اليورانيوم المخصب، ولا إيقاف لعجلة التخصيب، وهو الأمر الذي يقلق الغرب عموماً.

وينص اتفاق جنيف المؤقت، على أن توقف إيران التخصيب بنسبة 20 في المائة، وتكتفي بنسبة خمسة في المائة، مقابل رفع العقوبات تدريجياً، لكن العقدة لا زالت تكمن في أن دول 5+1 تحاول كتابة بند يتعلق بعدد أجهزة الطرد المركزي، التي تمتلكها إيران، والتي تصل إلى عشرين ألفاً، وفق التصريحات الرسمية في البلاد.

وتسمح هذه الأجهزة لإيران بالتخصيب، وامتلاك كمية كافية من اليورانيوم المخصب، بما يمكنها من إنتاج قنبلة نووية، وهو الهم الغربي الأكبر، الذي حاولت إيران تبديده بإصدار فتوى من قبل المرشد الأعلى، علي خامنئي، بتحريم صناعة السلاح النووي واستخدامه.

في المقابل، لا تزال طهران تريد إلغاءً كاملاً لكل أنواع الحظر المفروض عليها، والذي كبدها الكثير من الخسائر خلال السنوات الماضية.