يوم الأسير الفلسطيني... كورونا يزيد أوضاع سجون الاحتلال سوءاً

17 ابريل 2020
يأتي يوم الأسير الفلسطيني في ظلّ كورونا (نضال اشتيه/الأناضول)
+ الخط -

يطلّ يوم الأسير الفلسطيني هذا العام، وسط أجواء من الخوف والتوتر تعيشها عائلات الأسرى الخمسة آلاف الذين يقبعون في سجون الاحتلال في ظروف قاهرة غير إنسانية، زادها تفشي فيروس كورونا الجديد رعباً

سمعة سجون الاحتلال الإسرائيلي في الإهمال الطبي راسخة ولا تحتاج إلى أدلة، ما جعل الأسرى المحررين في زمن انتشار فيروس كورونا الجديد، يعكفون على حجر أنفسهم بمجرد تحررهم خوفاً من نقلهم المرض إلى الخارج، فيما يبقى الخوف على الأسرى القابعين في السجون مسيطراً.

بعد ثمانية عشر عاماً من الاعتقال، وجد الأسير المحرر طارق دولة، نفسه أمام قرار شخصي لم يعتقد في أسوأ كوابيسه أنّه سيحصل، وهو"سجن" نفسه اختيارياً، حيث قرر دولة الخضوع للحجر الصحي المنزلي لحظة تحرره من الأسر في السابع من الشهر الجاري. القرار الصعب لكنّه الصائب كما يقول دولة جاء نهاية شهر مارس/ آذار الماضي أي قبل أن يتحرر بنحو أسبوعين، إذ أخبر عائلته ومحافظة نابلس مسقط رأسه أنّه قرر إخضاع نفسه للحجر المنزلي حفاظاً على السلامة العامة ووقاية لأهله وأصدقائه الذين طال انتظارهم له. يتابع دولة: "منذ انتشار المرض وخضوع فلسطين لإجراءات الطوارئ قررت أن أخضع للحجر المنزلي حال تحرري، لا سيما في ظل وجود أسرى محررين مصابين بكورونا التي لا يتخذ الاحتلال ضد انتشارها الإجراءات اللازمة".



وبينما جرت العادة أن يتم استقبال الأسير بموكب مهيب من السيارات أمام الحاجز العسكري الإسرائيلي الذي يطلق الاحتلال سراح الأسير من أمامه، استعداداً لحفل يؤمه الآلاف من المهنئين، استقبلت سيارة إسعاف المحرر دولة وكانت عائلته تتبع هذه السيارة، وجرى إخضاعه للفحص الطبي الخاص بكورونا، وبعد ذلك تم لقاؤه مع عائلته بعد ثمانية عشر عاماً من دون عناق أو قبلات بل بالإشارة فقط.

تقلصت أمنيات دولة التي جدولها طوال فترة اعتقاله إلى الحد الأدنى، إذ زار قبر والدته فقط التي توفيت قبل تحرره بعامين، وكان مصير بقية الأمنيات التأجيل. يقول دولة: "كنت أريد أن أمشي في شوارع مدينة نابلس التي افتقدتها وكنت أمشي فيها في خيالي كلّ ليلة، ولن أذهب إلى جامعة النجاح الوطنية حيث درست الفنون الجميلة وعملت فيها أستاذاً لمدة أربع سنوات. كثير من الأمنيات تأجل بسبب كورونا، والحجر الصحي الذي أخضع له وسينتهي يوم الثلاثاء المقبل".

يقضي دولة حجره الصحي في منزل عائلته وحيداً بعدما ذهب والده الثمانيني إلى بيت أحد أشقائه للإقامة لديه موقتا، فيما يتولى أشقاؤه إحضار الطعام له أمام عتبة البيت. يقول دولة الذي خرجت نتائج فحصه سليمة من كورونا، إنّ الاحتلال يضع عشرات من الأسرى في معتقلات قبل فرزهم على السجون، وتفتقر هذه النقاط إلى أدنى مستويات النظافة والمعاملة الإنسانية ما يعزز فرصة انتشار الأمراض.



ووفق مؤسسات مختصة في شؤون الأسرى الفلسطينيين، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي لم يوقف عمليات الاعتقال بحق الفلسطينيين منذ بداية انتشار فيروس كورونا الجديد، بل جرى اعتقال 357 فلسطينياً من الجنسين، خلال الشهر الماضي. ويقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدري أبو بكر على هامش مؤتمر صحافي عقد أمس في رام الله، بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف في السابع عشر من إبريل/ نيسان من كلّ عام: "يتم التضييق على أسرانا بسحب الإنجازات التي حققوها عبر عشرات السنين، من ضمنها مواد التنظيف والتعقيم التي تعد أبسط الاحتياجات وأهمها في هذا الوقت بالذات، وما زال الاحتلال يتعامل مع خطر كورونا بروح الاستهتار واللامبالاة". ويلفت أبو بكر إلى أنّه جرى توجيه رسائل بسبع لغات، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي وحكومات وبرلمانات وأحزاب العالم تطالب بالتدخل العاجل والضاغط على الاحتلال لإطلاق سراح الأسرى، خصوصاً كبار السن والأطفال والمحكومين إدارياً".

أكثر من مليون فلسطيني مرّوا بتجربة الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، منذ بدء الثورة الفلسطينية، ويوجد في سجون الاحتلال حالياً نحو 5 آلاف أسير وأسيرة، موزعين على 22 سجناً ومركزاً للتوقيف. وفي لقاء مع رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، يقول: "حماية الأسرى هي مسؤولية إسرائيلية لكنّ الاحتلال يتعمد إيذاء الأسرى، ونأمل بالضغط على إسرائيل لإطلاق سراح المهددين أكثر من غيرهم بالمرض بمعنى كبار السن والمرضى والأطفال والنساء والإداريين نأمل أن يتحقق ذلك بضغط دولي لكن ليس لدينا أوهام، نعلم تماماً أنّ إسرائيل دائماً وفر لها المجتمع الدولي هامشاً لممارساتها وتكون في منأى عن أيّ محاسبة وملاحقة دولية". يكشف فارس: "يلوح في الأفق أمل كبير بأن تنجز صفقة لتبادل الأسرى بين حركة حماس والاحتلال. ونأمل أن يأتي عيد الفطر وقد تحرر عدد كبير من أبنائنا وبناتنا، والأمل معقود بإنجاز صفقة متوازنة وكلنا أمل بأن يتضح وجود جندي أو أكثر من جندي على قيد الحياة، لتكون صفقة بمستوى آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني".



وحول أجواء الاحتفال هذا العام بيوم الأسير الفلسطيني في ظل انتشار كورونا، يقول قدورة لـ"العربي الجديد": "هذا وباء منتشر في كلّ العالم وليس تحدياً فلسطينياً بل تحدٍّ عالمي، وهناك رغبة للشعب الفلسطيني في أن يعبّر عن فيض محبته واحترامه وتقديره للأسرى بوسائل وطرق مختلفة، لكنّنا هذا العام ولتعذر إقامة الفعاليات التي كنا ننفذها وكانت جزءاً من تقاليد العمل الفلسطيني، فقد استعضنا عن ذلك بحملات إعلامية واسعة يشارك فيها الجميع في الداخل والخارج من خلال تظاهرة عالمية عبر الحملة التي أعلنّا عنها قبل أيام عدة ووجدنا فيها تفاعلاً كبيراً".

يعتبر الفلسطيني محمود بكر حجازي (يبلغ من العمر حالياً 84 عاماً) أول أسير للثورة الفلسطينية، بعدما جرى اعتقاله في ثاني عملية للثورة على أرض فلسطين في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1965 وأفرج عنه عام 1971 في صفقة لتبادل الأسرى. كذلك، تعد الأسيرة فاطمة برناوي، المعتقلة عام 1968، أول فلسطينية تتعرض للاعتقال. ويبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو 26 أسيراً. ويبلغ عدد الأسرى الذين مرّ على اعتقالهم 20 عاماً واحداً وخمسين أسيراً، من بينهم 14 أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من 30 عاماً على التوالي، ويبلغ عدد أسرى الأحكام المؤبدة 541 أسيراً، وأعلى حكم أسير من بينهم الأسير عبد الله البرغوثي ومدته 67 مؤبداً.



وتقول سحر فرنسيس، مديرة مؤسسة "الضمير" لرعاية الأسير وحقوق الإنسان: "يأتي يوم الأسير هذا العام في ظروف صعبة للغاية، خصوصاً على أهالي الأسرى ممن توقفت زياراتهم وانقطعت أخبارهم منذ شهر مارس/ آذار الماضي، عدا عن منع زيارات المحامين والأهالي". تتابع: "القائد العسكري للاحتلال أصدر بعض الإجراءات من خلال أوامر عسكرية منذ بداية أزمة فيروس كورونا تتعلق بإجراءات تمديدات التوقيف ووقف جميع إجراءات المحاكمات، والنظر فقط في قضايا التحقيق والاعتقال الإداري". تتابع: "أعتقد أنّ هذه مناسبة جداً مهمة للحركة الأسيرة وللمؤسسات الحقوقية والمساندين للحركة الأسيرة للنظر في التعسف بحق الحركة الأسيرة. ألم يحن الوقت لمقاطعة شاملة وكاملة لهذه المحاكمات والإجراءات التي تراعي المصلحة لقوى الاحتلال وليست المصلحة للمعتقلين والمدنيين وسكان الأرض المحتلة؟". تتابع: "دولة الاحتلال هي المسؤول الأول والأخير عن سلامة الأسرى ورعايتهم صحياً وطبياً داخل السجون، ونعلم أنّ هناك سياسة إهمال طبي دائمة أدت إلى استشهاد ثلاثة أسرى مرضى داخل السجون في 2019 بسبب عدم توفير علاج داخل السجون في الوقت المناسب، أما حالياً فسياسة الإهمال الطبي للاحتلال تتجلى بعدم إجراء فحوص حتى للمعتقلين الذين كان هناك شكوك في مخالطتهم لمصابين بفيروس كورونا، لأشخاص مشكوك بأنّهم خالطوا كما حصل مع أسير محرر منذ أسبوعين تبين إصابته بالمرض ولم يجرِ اتخاذ أيّ إجراء طبي من قبل الاحتلال تجاهه".

ويبلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة 222 شهيداً منذ عام 1967، بالإضافة لاستشهاد مئات بعد تحررهم متأثرين بأمراض ورثوها عن سجون الاحتلال، بينما يبلغ عدد الأسرى الذين قتلهم الاحتلال نتيجة لسياسة القتل الطبي البطيء عبر الإهمال الطبي المتعمد 67، وذلك منذ عام 1967، كان آخرهم العام الماضي 2019 باستشهاد خمسة أسرى، ويحتجز الاحتلال جثامين خمسة أسرى شهداء من بينهم ثلاثة استشهدوا العام الماضي.



ويبلغ عدد الأسرى المرضى قرابة 700 أسير منهم قرابة 300 حالة مرضية مزمنة بحاجة لعلاج مستمر، وعلى الأقل هناك عشر حالات مصابين بالسرطان وبأورام بدرجات متفاوتة.
وحول الجهود الحقوقية والقانونية لحماية الأسرى من تفشي المرض، تقول فرنسيس: "المؤسسات الحقوقية الفلسطينية تواصلت مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الموقعة كافة على اتفاقية جنيف الرابعة وجرى تحذيرهم لخطورة الأمر، لكن حتى الآن لم يصدر أيّ نداء حقوقي دولي، فيما اكتفى المقرر الخاص لفلسطين ريتشارد فولك بإعلامنا أنّه سيقوم بصياغة رسالة حول الأسر، لكن حتى اللحظة لم تجرِ المطالبة بالإفراج عن الأسرى خصوصاً الأطفال والنساء والأسرى المعتقلين إدارياً، أي من دون أيّ تهمة وبملف سري".