تترقب منظمات المجتمع المدني، والعديد من المؤسسات الحقوقية المصرية، بعد غدٍ الاثنين 10 نوفمبر/تشرين الثاني، ما يصفه البعض بـ"مذبحة المنظمات" في مصر، مع قرب انتهاء مهلة الحكومة للجمعيات لتسجيل أوراقها وفق قانون الجمعيات الأهلية الجديد.
فإذا كان واضحاً للمتابعين والمدققين خلال الفترة الماضية لطبيعة العلاقة بين السلطة المصرية ومنظمات حقوق الإنسان في مصر، أن ثمة حضوراً قويّاً لرائحة قضية التمويل الأجنبي التي أطلقتها وزير التعاون الدولي السابقة، فايزة أبو النجا عقب ثورة 25 يناير؛ والتي تم تعيينها أخيراً في منصب مستشار الرئيس للأمن القومي، فإن رائحة هذه القضية، أصبحت الآن تزكم أنوف الجميع، المتابعين وغير المتابعين، عقب جلسة الأمم المتحدة التي عقدت يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وفي عقب الرقم القياسي من الملاحظات (300 ملاحظة وتوصية) قدمها مجلس حقوق الإنسان الدولي لمصر.
وحسب تقرير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، فإن الفترة من شهر يوليو 2011 وحتى الآن، شهدت أسوأ حملة تلويث لسمعة المنظمات غير الحكومية، التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، كما شهدت تلك الفترة الزج بالقضاء وتوظيفه سياسيّاً للتخلص من الأصوات المعارضة عن طريق التحقيق القضائي مع عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، وإحالة عدد آخر إلى محكمة الجنايات والحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين سنة مع إيقاف التنفيذ حتى خمس سنوات.
وتشن الحكومة المصرية منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز من العام الماضي، حملة ضدّ منظمات المجتمع المدني في مصر، معتمدة على ظهير من المؤيدين تماماً ومطلقاً للحكومة وقراراتها، فيما تدعي أنه "حرب على الإرهاب".
ومن هذا المنطلق، تخشى المنظمات الحقوقية في مصر الآن، من التنكيل بهم في قضايا مشابهة لقضية التمويل الأجنبي التي حكم فيها في يونيو/حزيران 2013، ولكن هذه المرة ستكون بمباركة شعبية واسعة باعتبارهم "عملاء وخونة وممولين"، بحسب ما يمليه الإعلام المصري الرسمي كان أو الخاص.
يومان قبل المذبحة
كانت الحكومة المصرية، قد أمهلت المنظمات غير الحكومية المصرية والأجنبية غير المسجلة
لدى وزارة التضامن الاجتماعي، حتى العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، لتقنين أوضاعها حتى لا يتم غلقها، وذلك تطبيقاً لقانون "يفرض قيوداً على المجتمع المدني، موروث من عهد حسني مبارك الذي أطاحته ثورة يناير/كانون الثاني 2011" على حد وصف بيان للمنظمات. والهدف هو وضع عشرات المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان تحت السيطرة المباشرة للنظام، وبالتالي مراقبتها عن كثب.
وكانت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، قد حددت المهلة بـ 45 يوماً تنتهي في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، ولكنها قامت بتمديد المهلة 45 يوماً آخرين تنتهي في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وهو ما وصفه المحامي الحقوقي، جمال عيد، بأنه "محاولة لإسكات الأصوات الأخيرة التي لا تزال ترتفع ضد الأساليب القمعية للدولة البوليسية".
وبعد استهدافها الإسلاميين، قامت السلطة باستهداف المعارضة الليبرالية واليسارية. وتم توقيف وحبس عشرات الناشطين الشباب الذين برزوا أثناء الثورة ضد مبارك، تطبيقاً لقانون التظاهر المثير للجدل، الذي يصفه المعارضون بأنه "يقيد حق التظاهر بدلا من أن ينظمه"، وأصبح واقع الحال يقول، إن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بات مطلق اليدين.
ويتيح القانون المنظم لعمل الجمعيات الأهلية للحكومة أن تشرف على أنشطة المنظمات والجمعيات، وينبغي أن توافق السلطات على أي تمويل أجنبي لها، وكذلك على أي عملية جمع أموال لمصلحة الجمعيات.
ويقول محمد زارع، الباحث في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان "إنهم (النظام) يستطيعون التدخل في كل أنشطة المنظمات وفي أدق التفاصيل".
وترغب الحكومة في تشديد الرقابة على المنظمات غير الحكومية. فقد قدمت في يونيو/
حزيران الماضي مشروع قانون جديد لتنظيم عمل 47 ألف جمعية أهلية في مصر، ولكنه أثار عاصفة من الاحتجاجات.
وبمقتضى مشروع القانون الجديد، تخضع المنظمات غير الحكومية والأجنبية وأنشطتها لإشراف لجنة حكومية تضم خصوصاً ممثلين للأجهزة الأمنية. ويشترط المشروع كذلك موافقة هذه اللجنة على أي مساعدات مالية أجنبية، وهي مصدر التمويل الرئيسي للمنظمات غير الحكومية المصرية.
وإثر هذه الاحتجاجات، قررت الحكومة تشكيل لجنة خبراء لوضع مشروع قانون توافقي.
وتعهد خالد سلطان، وهو مسؤول في وزارة التضامن الاجتماعي، بأن يستجيب مشروع القانون الذي يجري إعداده "للمعايير الدولية".
ويقول سلطان "لسنا ضد حقوق الإنسان، ولا ضد المنظمات المدافعة عنها، ولكن أي منظمة غير حكومية يجب أن تخضع لإدارة مراقبة".
إرهاب المجتمع المدني.. من مبارك إلى السيسي
وكانت 17 منظمة غير حكومية مصرية وأجنبية أغلقت في ديسمبر/كانون الأول 2011، إبان فترة حكم الجيش التي تلت إسقاط حسني مبارك، بعد أن تمت مداهمة مقراتها وحكم في يونيو/حزيران 2013 على 43 شخصاً، كانوا يعملون فيها، بالسجن، بعد إدانتهم بتلقيهم تمويلاً غير مشروع.
ويعتبر المحامي في البيت العربي لحقوق الإنسان، إيهاب راضي، أن "الهدف هو ذاته منذ أيام مبارك، وهو أن تكون هناك قبضة حقيقية على كل العمل الحقوقي".
إلا أن مشاركة مصر في مؤتمر المجلس الدولي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والذي عقد الأسبوع الماضي، كان يحجّم الحكومة عن المساس بقضية منظمات حقوق الإنسان المصرية، حيث كانت تخشى من تقديم المنظمات الحقوقية المصرية، تقارير معارضة لها أمام الأمم المتحدة.
وتقدمت ثلاث منظمات حقوقيّة مصريّة، بتقرير مشترك لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حول الحقّ في التظاهر والتجمّع السلمي في مصر، غير أن سبع منظمات، أعلنت لاحقا، وقبل ساعات من بدء فعاليات الاستعراض الدوري في الأمم المتحدة، عدم مشاركتها في فعاليات الاستعراض، بسبب ما وصفته بـ"التهديدات الموجهة لمؤسسات حقوق الإنسان".
وفيما ندد بيان المنظمات بتعنت الحكومة المصرية، فإنه أعلن الاكتفاء بـ"ما قدمه ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة من توصيات للحكومة المصرية للدورة الثانية من الاستعراض، وتأسفت لعدم مشاركتها في فعاليات جلسة الاستعراض، والتي كانت تراها فرصة لفتح الحوار مع الحكومة المصرية على مواضيع مختلفة بمشاركة الأمم المتحدة، من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، ومساعدتها في بناء استراتيجية للأربع سنوات المقبلة للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان، وهو ما قد تراه الحكومة محاولة للنيل من سمعتها الدولية" بحسب بيان المنظمات.
ضد أي انتقاد
وهذا الصيف، طردت مصر من مطار القاهرة المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، كينيث روث، الذي كان وصل العاصمة المصرية لتقديم تقرير منظمته حول القمع الدامي يوم 14 أغسطس/آب 2013، الذي وصف ما جرى بأنه "على الأرجح جريمة ضد الإنسانية".
ورحلت سلطات مطار القاهرة، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، مدير المشروعات في المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، أشرف ميخائيل، إلى تركيا بعد منعه من الدخول لأسباب أمنية، رغم أنه من أصول مصرية قبل حصوله على الجنسية الدنماركية، وذلك على خلفية بيانات صادرة عن جهات أمنية، تفيد بتورطه فيما وصفته بـ"عمليات تدريب مشبوهة للشباب المصري".
وشنت السلطة في مصر، عبر أدواتها الحكومية والإعلامية، حملات استهداف وتشويه ضد المنظمات الحقوقية، فيما يبدو أنه فاتحة، وليس خاتمة لأشكال ودرجات استهداف السلطة لهذه المنظمات.
فإذا كان واضحاً للمتابعين والمدققين خلال الفترة الماضية لطبيعة العلاقة بين السلطة المصرية ومنظمات حقوق الإنسان في مصر، أن ثمة حضوراً قويّاً لرائحة قضية التمويل الأجنبي التي أطلقتها وزير التعاون الدولي السابقة، فايزة أبو النجا عقب ثورة 25 يناير؛ والتي تم تعيينها أخيراً في منصب مستشار الرئيس للأمن القومي، فإن رائحة هذه القضية، أصبحت الآن تزكم أنوف الجميع، المتابعين وغير المتابعين، عقب جلسة الأمم المتحدة التي عقدت يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وفي عقب الرقم القياسي من الملاحظات (300 ملاحظة وتوصية) قدمها مجلس حقوق الإنسان الدولي لمصر.
وحسب تقرير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، فإن الفترة من شهر يوليو 2011 وحتى الآن، شهدت أسوأ حملة تلويث لسمعة المنظمات غير الحكومية، التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، كما شهدت تلك الفترة الزج بالقضاء وتوظيفه سياسيّاً للتخلص من الأصوات المعارضة عن طريق التحقيق القضائي مع عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان، وإحالة عدد آخر إلى محكمة الجنايات والحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين سنة مع إيقاف التنفيذ حتى خمس سنوات.
وتشن الحكومة المصرية منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز من العام الماضي، حملة ضدّ منظمات المجتمع المدني في مصر، معتمدة على ظهير من المؤيدين تماماً ومطلقاً للحكومة وقراراتها، فيما تدعي أنه "حرب على الإرهاب".
ومن هذا المنطلق، تخشى المنظمات الحقوقية في مصر الآن، من التنكيل بهم في قضايا مشابهة لقضية التمويل الأجنبي التي حكم فيها في يونيو/حزيران 2013، ولكن هذه المرة ستكون بمباركة شعبية واسعة باعتبارهم "عملاء وخونة وممولين"، بحسب ما يمليه الإعلام المصري الرسمي كان أو الخاص.
يومان قبل المذبحة
كانت الحكومة المصرية، قد أمهلت المنظمات غير الحكومية المصرية والأجنبية غير المسجلة
وكانت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، قد حددت المهلة بـ 45 يوماً تنتهي في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، ولكنها قامت بتمديد المهلة 45 يوماً آخرين تنتهي في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وهو ما وصفه المحامي الحقوقي، جمال عيد، بأنه "محاولة لإسكات الأصوات الأخيرة التي لا تزال ترتفع ضد الأساليب القمعية للدولة البوليسية".
وبعد استهدافها الإسلاميين، قامت السلطة باستهداف المعارضة الليبرالية واليسارية. وتم توقيف وحبس عشرات الناشطين الشباب الذين برزوا أثناء الثورة ضد مبارك، تطبيقاً لقانون التظاهر المثير للجدل، الذي يصفه المعارضون بأنه "يقيد حق التظاهر بدلا من أن ينظمه"، وأصبح واقع الحال يقول، إن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بات مطلق اليدين.
ويتيح القانون المنظم لعمل الجمعيات الأهلية للحكومة أن تشرف على أنشطة المنظمات والجمعيات، وينبغي أن توافق السلطات على أي تمويل أجنبي لها، وكذلك على أي عملية جمع أموال لمصلحة الجمعيات.
ويقول محمد زارع، الباحث في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان "إنهم (النظام) يستطيعون التدخل في كل أنشطة المنظمات وفي أدق التفاصيل".
وترغب الحكومة في تشديد الرقابة على المنظمات غير الحكومية. فقد قدمت في يونيو/
وبمقتضى مشروع القانون الجديد، تخضع المنظمات غير الحكومية والأجنبية وأنشطتها لإشراف لجنة حكومية تضم خصوصاً ممثلين للأجهزة الأمنية. ويشترط المشروع كذلك موافقة هذه اللجنة على أي مساعدات مالية أجنبية، وهي مصدر التمويل الرئيسي للمنظمات غير الحكومية المصرية.
وإثر هذه الاحتجاجات، قررت الحكومة تشكيل لجنة خبراء لوضع مشروع قانون توافقي.
وتعهد خالد سلطان، وهو مسؤول في وزارة التضامن الاجتماعي، بأن يستجيب مشروع القانون الذي يجري إعداده "للمعايير الدولية".
ويقول سلطان "لسنا ضد حقوق الإنسان، ولا ضد المنظمات المدافعة عنها، ولكن أي منظمة غير حكومية يجب أن تخضع لإدارة مراقبة".
إرهاب المجتمع المدني.. من مبارك إلى السيسي
وكانت 17 منظمة غير حكومية مصرية وأجنبية أغلقت في ديسمبر/كانون الأول 2011، إبان فترة حكم الجيش التي تلت إسقاط حسني مبارك، بعد أن تمت مداهمة مقراتها وحكم في يونيو/حزيران 2013 على 43 شخصاً، كانوا يعملون فيها، بالسجن، بعد إدانتهم بتلقيهم تمويلاً غير مشروع.
ويعتبر المحامي في البيت العربي لحقوق الإنسان، إيهاب راضي، أن "الهدف هو ذاته منذ أيام مبارك، وهو أن تكون هناك قبضة حقيقية على كل العمل الحقوقي".
إلا أن مشاركة مصر في مؤتمر المجلس الدولي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والذي عقد الأسبوع الماضي، كان يحجّم الحكومة عن المساس بقضية منظمات حقوق الإنسان المصرية، حيث كانت تخشى من تقديم المنظمات الحقوقية المصرية، تقارير معارضة لها أمام الأمم المتحدة.
وتقدمت ثلاث منظمات حقوقيّة مصريّة، بتقرير مشترك لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، حول الحقّ في التظاهر والتجمّع السلمي في مصر، غير أن سبع منظمات، أعلنت لاحقا، وقبل ساعات من بدء فعاليات الاستعراض الدوري في الأمم المتحدة، عدم مشاركتها في فعاليات الاستعراض، بسبب ما وصفته بـ"التهديدات الموجهة لمؤسسات حقوق الإنسان".
وفيما ندد بيان المنظمات بتعنت الحكومة المصرية، فإنه أعلن الاكتفاء بـ"ما قدمه ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة من توصيات للحكومة المصرية للدورة الثانية من الاستعراض، وتأسفت لعدم مشاركتها في فعاليات جلسة الاستعراض، والتي كانت تراها فرصة لفتح الحوار مع الحكومة المصرية على مواضيع مختلفة بمشاركة الأمم المتحدة، من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، ومساعدتها في بناء استراتيجية للأربع سنوات المقبلة للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان، وهو ما قد تراه الحكومة محاولة للنيل من سمعتها الدولية" بحسب بيان المنظمات.
ضد أي انتقاد
وهذا الصيف، طردت مصر من مطار القاهرة المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، كينيث روث، الذي كان وصل العاصمة المصرية لتقديم تقرير منظمته حول القمع الدامي يوم 14 أغسطس/آب 2013، الذي وصف ما جرى بأنه "على الأرجح جريمة ضد الإنسانية".
ورحلت سلطات مطار القاهرة، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، مدير المشروعات في المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، أشرف ميخائيل، إلى تركيا بعد منعه من الدخول لأسباب أمنية، رغم أنه من أصول مصرية قبل حصوله على الجنسية الدنماركية، وذلك على خلفية بيانات صادرة عن جهات أمنية، تفيد بتورطه فيما وصفته بـ"عمليات تدريب مشبوهة للشباب المصري".
وشنت السلطة في مصر، عبر أدواتها الحكومية والإعلامية، حملات استهداف وتشويه ضد المنظمات الحقوقية، فيما يبدو أنه فاتحة، وليس خاتمة لأشكال ودرجات استهداف السلطة لهذه المنظمات.