03 يوليو 2019
يعيش الرئيس.. يعيش
لا تزال أمراض الملوك والرؤساء والأمراء من أهم أسرار الدول، في مختلف أنحاء العالم العربي، وفي بعض بلاد الدنيا التي تشبهه، من حيث خضوعها لأنظمة الاستبداد والفساد والتخلف. يمرض جلالته، أو فخامته، أو سموه، كما تمرض المخلوقات كافة، ويطعن في السن، إلى أن يقع مغشياً عليه، بذبحةٍ قلبيةٍ أو جلطةٍ دماغية، ويهن العظم منه، فيعجز عن المشي، والحركة، والكلام، وعما هو أدنى في وظائف الجسد البيولوجية، لكن بيانات قصره لا تصدر، في مثل هذه الحال، إن صدرت، إلا لتنفي شائعات الأعداء المغرضة عن أسباب دخوله المستشفى، وتطمئن جماهير الشعب إلى شفائه من وعكةٍ صحيةٍ عارضةٍ ألمت به، أو عمليةٍ جراحيةٍ بسيطةٍ أُجريت له في شحمة أذنه، أو في كاحل قدمه، مؤكّدة عودته، بحفظ الله ورعايته، إلى مزاولة مهمات عمله كالمعتاد.
وربما لا يحتاج المرء سوى أن يلقي نظرةً عاجلةً على البقعة الجغرافية الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، ليرى بوضوح كيف يواصل قادةٌ عربٌ تربعهم الصوري على كراسي الحكم، على الرغم من بلوغهم أرذل العمر، وعجزهم شبه الكامل، بينما يتولى أولياء عهودهم ومساعدوهم مواقع القيادة الفعلية، دونما اعتراف رسمي بأن "الزعيم الذي ندر أن يجود الزمان بمثله" قد انتهت صلاحيته، للأسف، حتى ما عاد قادراً على القيام بأبسط أعباء منصبه.
وقد يتذكّر هنا من يريد أن يتذكّر نكاتاً وطرائف مضحكة مبكية، أنتجتها روايات إنكار "العجز القيادي" باختلاف مستوياته، وكان من أحدثها عهداً الفيديو الشهير الذي يتحدث فيه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، عن تعيين أحد أبنائه في منصب سفير لدى واشنطن، حتى ليبدو كأنه ينتهز فرصة استقبال وزير الخارجية الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، ليوصيه خيراً بولده، بدلاً من أن يرد على الرسالة التي كان الأخير قد استهل اللقاء بالقول إنه ينقلها إلى جلالته من الرئيس دونالد ترمب.
ولك أن تتخيّل ما قد يكون جال في خاطر تيلرسون، أو سواه من المسؤولين والمراقبين الغربيين الذين تابعوا المشهد، بعيون أمم تفرض على من يسعى إلى زعامتها أن يقدّم تقارير طبية عن حاله الصحية، الجسدية والعقلية، حين يأتي إلى السلطة، وكلما أصابته وعكةٌ أو علةٌ مفاجئة، طوال فترات حكمه، لأن ذلك يُعتبر شأناً عاماً، من حق كل مواطن أن يعرف تفاصيله.
والمضحك المبكي، مرة أخرى، أن التعامل مع مرض الزعيم العربي، بوصفه من أسرار الدولة، ما عاد يقتصر على الممالك والجمهوريات الراسخة، بل امتد إلى السلطة الفلسطينية، بما هي عليه من هشاشةٍ وضعف، فوجدناها تتكتم أخيراً على ما أصاب رئيسها محمود عباس (أبو مازن) وفرض إدخاله المستشفى، ليحار الناس بين أن يُصدِّقوا التسريبات عن معاناته من التهاب رئوي حاد وقد يودي بحياته، أو يقبلوا التصريحات عن خضوعه لعمليةٍ في الأذن الوسطى، واصل بعدها أداء واجبات منصبه.
لكن، وأياً ما كان الأمر، فإن ما قد تستدعيه هذه الظاهرة العربية من بحثٍ علمي في أسبابها، لا يمنع من أن نرى، في مثالها الفلسطيني، على الأقل، علاقةً جدليةً بين التكتم على مرض الرئيس والواقع القائل إنه نجح، على مدى أربع عشرة سنة مضت، في خلق معادلة تجعل من احتمال غيابه نذيراً بصراع على التركة الهزيلة، بين أسماء قادة كثر، وبعضهم مستعد لفعل أي شيء، في سبيل الحصول على تزكية واشنطن وتل ابيب، لجدارته بالمنصب. وحيث يحدث ذلك في زمن "صفقة القرن" التي يرفضها عباس، وينخرط بعض المتنافسين على خلافته في مساعي تمريرها، لا يعود أمام الفلسطينيين سوى أن يتغاضوا عن اتهاماتهم للرجل، منذ إبرام اتفاقيات أوسلو، وحتى تجويع غزة، ليتمنّوا له طول العمر، ويهتفوا بصوت واحد: يعيش الرئيس.. يعيش.
وربما لا يحتاج المرء سوى أن يلقي نظرةً عاجلةً على البقعة الجغرافية الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، ليرى بوضوح كيف يواصل قادةٌ عربٌ تربعهم الصوري على كراسي الحكم، على الرغم من بلوغهم أرذل العمر، وعجزهم شبه الكامل، بينما يتولى أولياء عهودهم ومساعدوهم مواقع القيادة الفعلية، دونما اعتراف رسمي بأن "الزعيم الذي ندر أن يجود الزمان بمثله" قد انتهت صلاحيته، للأسف، حتى ما عاد قادراً على القيام بأبسط أعباء منصبه.
وقد يتذكّر هنا من يريد أن يتذكّر نكاتاً وطرائف مضحكة مبكية، أنتجتها روايات إنكار "العجز القيادي" باختلاف مستوياته، وكان من أحدثها عهداً الفيديو الشهير الذي يتحدث فيه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، عن تعيين أحد أبنائه في منصب سفير لدى واشنطن، حتى ليبدو كأنه ينتهز فرصة استقبال وزير الخارجية الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، ليوصيه خيراً بولده، بدلاً من أن يرد على الرسالة التي كان الأخير قد استهل اللقاء بالقول إنه ينقلها إلى جلالته من الرئيس دونالد ترمب.
ولك أن تتخيّل ما قد يكون جال في خاطر تيلرسون، أو سواه من المسؤولين والمراقبين الغربيين الذين تابعوا المشهد، بعيون أمم تفرض على من يسعى إلى زعامتها أن يقدّم تقارير طبية عن حاله الصحية، الجسدية والعقلية، حين يأتي إلى السلطة، وكلما أصابته وعكةٌ أو علةٌ مفاجئة، طوال فترات حكمه، لأن ذلك يُعتبر شأناً عاماً، من حق كل مواطن أن يعرف تفاصيله.
والمضحك المبكي، مرة أخرى، أن التعامل مع مرض الزعيم العربي، بوصفه من أسرار الدولة، ما عاد يقتصر على الممالك والجمهوريات الراسخة، بل امتد إلى السلطة الفلسطينية، بما هي عليه من هشاشةٍ وضعف، فوجدناها تتكتم أخيراً على ما أصاب رئيسها محمود عباس (أبو مازن) وفرض إدخاله المستشفى، ليحار الناس بين أن يُصدِّقوا التسريبات عن معاناته من التهاب رئوي حاد وقد يودي بحياته، أو يقبلوا التصريحات عن خضوعه لعمليةٍ في الأذن الوسطى، واصل بعدها أداء واجبات منصبه.
لكن، وأياً ما كان الأمر، فإن ما قد تستدعيه هذه الظاهرة العربية من بحثٍ علمي في أسبابها، لا يمنع من أن نرى، في مثالها الفلسطيني، على الأقل، علاقةً جدليةً بين التكتم على مرض الرئيس والواقع القائل إنه نجح، على مدى أربع عشرة سنة مضت، في خلق معادلة تجعل من احتمال غيابه نذيراً بصراع على التركة الهزيلة، بين أسماء قادة كثر، وبعضهم مستعد لفعل أي شيء، في سبيل الحصول على تزكية واشنطن وتل ابيب، لجدارته بالمنصب. وحيث يحدث ذلك في زمن "صفقة القرن" التي يرفضها عباس، وينخرط بعض المتنافسين على خلافته في مساعي تمريرها، لا يعود أمام الفلسطينيين سوى أن يتغاضوا عن اتهاماتهم للرجل، منذ إبرام اتفاقيات أوسلو، وحتى تجويع غزة، ليتمنّوا له طول العمر، ويهتفوا بصوت واحد: يعيش الرئيس.. يعيش.