"ج س د" لـ يزن الأصلي... تشريح موسيقي من ست مقطوعات

20 مايو 2018
ألبوم إلكتروني كثيف الأصوات (غنوة ضاهر)
+ الخط -
اختار مؤلف الأغاني والموسيقي يزن الأصلي، استديو فرقة "كون" في مسرح دوار الشمس – بيروت، لإقامة الحفل الخاص بإطلاق ألبومه الموسيقي الأول بعنوان "ج س د". في الجزء الأول من الحفل، لعب الموسيقي يزن الأصلي تراكات من الألبوم، ثم شارك في الجزء الثاني المنتج والموسيقي ومهندس الصوت زياد مكرزل. هذه الموسيقى قُدّمت بمرافقة عروض بصرية من تصميم وتنفيذ ساندي وسالي قسطون، اللتين ساهمتا أيضاً بالتصميم الغرافيكي وتحقيق الهوية البصرية للألبوم.

"ج س د"، هذه الأحرف غير المتلاصقة، تشكّل عبارة "جسد"؛ اختار القائمون على التصميم أن تكون أحرف المفردة منفصلة؛ كي يعيد ذهن المتلقي تركيبها. يعرّف يزن الأصلي عمله: "ألبوم إلكتروني كثيف الأصوات، فيض من الأحاسيس المتراتبة على إيقاعات منظمة وألحان منتظمة". ست قطع تشكّل الألبوم الذي يمتلك خصوصية تستحق الإشارة إليها، وهي تتعلق بالطريقة التي عمل بها المؤلف للوصول إلى تسجيلاته الستة. وهي طريقة يمكن وصفها بأسلوب التأليف المفاهيمي؛ أي بناء الألبوم على مفهوم، والذي هو هنا الجسد، بمعنى استلهام الجماليات والموضوعات من هذا المفهوم المحدد.

تحمل كل من القطع الست عنواناً لها، هو اسم عضوٍ من أعضاء الجسد، وبالتالي تستمد منه جمالياتها وعوالمها الصوتية. كأن التأليف أراد أن يجعل من أعضاء الجسد موضوعات تلهم المعاني، وكذلك جماليات تلهم الموسيقى. هذا التأليف المفاهيمي لا يقتصر على تأويل المعنى، بل أيضاً على بنية وتركيب المقطوعة الموسيقية.


الفم: الناطق والمنطق
يصعب التعرف إلى السبب الذي حدا بالمؤلف إلى اختيار عنوان وموضوعة "الفم" للقطعة الأولى في الألبوم. مقطوعة موسيقية من خمس دقائق تنتمي إلى "التكنو" كنوع موسيقي، يقول عنها المؤلف: "أردتها مقطوعة قليلة التغييرات والإيقاعات، أي اتجهت إلى جملة إيقاعية ثابتة، بحثاً عن البنية الصلبة، لكن من دون فقدان الحيوية. واخترت لها أصوات أوتار كمنجات على المستوى باص Bass الجهوري".

في نهاية مقطوعة "الفم"، نستمع إلى حوار بين لحنين بطبقتين صوتيتين، يتكرّران بطريقة ارتدادية؛ إنها التجسيد الأدق لفكرة الجدل، الذي من دون شك يرتبط بعمق بعضو الفم من أعضاء التواصل والتعبير الإنساني.


الرأس: ناصية الانطلاق
القطعة الثانية بعنوان "راس"، مقطوعة من خمس دقائق، اختار لها المؤلف نوعاً موسيقياً هو البسيكاداليك، أو موسيقى الجوانيات النفسانية التي برزت بداية مع موسيقى الروك في الستينيات، روك بسيكاداليك، ومن ثم أسست لجمالياتها وتقنياتها الخاصة، وما تزال تحتل دور الفاعلية بين الأنواع الموسيقية المعاصرة اليوم.

يعبر المؤلف عما أرداه من تراك "راس" بالقول: "هذه المقطوعة ذات طابع راقص، تتألّف من أربع حركات، يحكم الأول والثالث منها انسياب الآلات الإيقاعية، بينما يسيطر صوت الباص الجهور على القسم الثاني، أما في الجزء الرابع والأخير فيدخل صوت المعدن، ويعمل على ضبط كامل المقطوعة".


الحوض: نقطة ارتكاز
"الحوض"؛ من هذا الجزء من الجسد البشري استمد المؤلف فكرته عن القطعة الثالثة. تسع دقائق من نوع البريك الموسيقي، الذي يعتمد على اللالحنية والجمل السريعة والمستمرة الحركة، هذه المقطوعة تحتوي على نوعين من الأصوات: صوت الإنسان (أنثى / ذكر)، وصوت آلات الذي يوحي بالميكانيكية.

يقول يزن الأصلي: "هذه المقطوعة تنقسم إلى ثلاث حركات نغمية لكل منها إيقاع وسرعة مغايرة للقسم التالي، وقد استعملت آلات مختلفة في كل منها، مثل أصوات الطبول وأصوات النقس التي تحاول التوليف بين التباينات الصوتية".


العين: آلية مركبة
القطعة الرابعة تحمل عنوان "العين"، وهي مقطوعة من نوع Downtempo، ستة إيقاعات بجماليات الإيقاع الممتد والبطيء، يتحدث عنها المؤلف: "صممت هذه المقطوعة لتماثل طريقة عمل العين من حيث قلب الصورة ومعالجتها داخلياً. اخترت أن أضمنها أصواتاً مستمدة من الأوركسترا السيمفوني بمصاحبة إيقاعات مرنة، بغاية التأثير على كل من خيال وسمع المتلقي".


الكتف: ميل تصاعدي
يصف الأصلي القطعة الخامسة: "مقطوعة كتف، ذات ميل تصاعدي، يغلب عليها أصوات الطبل التي تمتزج بنقرات من البيانو، ومن ثم تدخل صوتيات مستمدة من الدارات الكهربائية؛ فتخلق مساحة تناغمية بين أصوات النقر والقرع. وهنا، نقترب صوتياً وإيقاعياً من جماليات الموسيقى البدائية، أو القبائلية".


الأذن: العنصر الحسي
الإيحاء الحسي هو ما يميز القطعة السادسة والأخيرة، التي تحمل عنوان "أذن"؛ فتهيمن على المقطوعة أصوات الطبول مرافقة بنفخات من الأبواق، بما يوحي بالعناصر الموسيقية القبائلية، يقول الأصلي: "أردت في هذه المقطوعة الابتعاد عن التراكيب الصوتية الإلكترونية المركبة، وعملت على تقريب الأصوات من أداء الآلات الحية"، كأن الغاية هي التمثيل لآلية التقاط الأذن البشرية للصوت، ومروره عبر أعضاء الأذن الداخلية، إلى أن يتحول من اهتزاز فيزيائي إلى إشارة".

مهما تنوعت الآراء، واختلفت الذائقة بين متلقٍّ وآخر، إلا أن تجربة ألبوم "ج س د"، تحمل سمات طليعية، لذلك هي تجربة تستحق الفضول حيال كيفية تحقيقها، وتستحق التعرف إلى أفكار وجهود الفاعلين في تحقيقها، بالإضافة إلى المؤلف الموسيقي، يزن الأصلي، هناك مهندس الصوت، ويليام محفوظ، والمنتج الموسيقي، زياد مكرزل، اللذان وظفا الخبرة والتقنيات لتحقيق رؤية المؤلف من عمله الموسيقي، والذي يشرح بأن طريقة وخطة الأداء التي اختارها، هي التركيز على التقنيات الفنية التي تؤثر على المتلقي بأربعة جوانب، يوضحها بقوله : "لقد أردت للمستمع أن يستمتع بالإنصات، أن يبتكر المشهديات المرافقة للصوتيات، أن يتفاعل على صعيد الوجدان، كذلك أن يتفاعل عبر الحركة الجسدية".

أخيراً، نشير إلى أنه وبالإضافة إلى الموسيقى الإلكترونية، فإن يزن الأصلي مؤلف ومؤدٍّ لأغان الراب، وهو من الأسماء الفاعلة في تحميل موسيقى الراب العربية أبعاداً اجتماعية وسياسية. يعمل حالياً على تأليف وتسجيل سبع أغان راب عربي، ستشكل ألبومه التالي، ويتوقع صدوره قبل نهاية العام، تحت عنوان "فاعل".

المساهمون