أزمات متلاحقة وضغوط اقتصادية يعيشها المصريون، الذين يستقبلون عيد الأضحى بأوضاع غير مسبوقة، إذ اعتادوا شراء الملابس الأنيقة والحلوى وذبح الأضاحي، لكنّ الوضع المعيشي المتردي، وارتفاع الأسعار، وإلغاء المنح التي كان الموظفون يحصلون عليها بالتزامن مع العيد، خطفت تلك العادات من المواطنين.
ليلة العيد، تحتفل الأسر المصرية بأغنية أم كلثوم "يا ليلة العيد آنستينا... وجددتِ الأمل فينا"، وبعد صلاة العيد، وأحياناً يوم الوقفة، ينتظر الأطفال العيدية من الأهل والأقارب التي تُعد مصدر بهجة بالنسبة لهم، إذ يفضّلون دائماً أن تكون من الأوراق النقدية الجديدة، وإن كانت العيدية قد نقصت قيمتها عن الماضي كثيراً، خصوصاً في القرى، مع تدنّي قيمة الجنيه المصري.
وبينما يفضل الأطفال إنفاق عيدياتهم في "المراجيح" والألعاب المختلفة، يرتبط عيد الأضحى في مصر بأكل اللحم. كثير من الفقراء يشترون لحم الرأس والكرشة (المعدة) والممبار (الأمعاء) والكوارع (القوائم) للتعبير عن فرحتهم، بسبب عدم قدرتهم على شراء اللحوم نفسها، نتيجة ارتفاع أسعارها.
من عادات الأضحى، في المحافظات "العيد الأول للعروس"، إذ تتوجه أسرتها إلى بيتها الجديد محملة بعدد كبير من الهدايا التي يطلق عليها "الموسم"، وتختلف نوعيتها من منطقة إلى أخرى، وأيضاً بحسب الوضع المالي لأهل العروس. هدايا "الموسم" تتضمن عادة لحوماً وسلعاً غذائية، وملابس وعيدية نقدية. ويفضل كثير من العائلات المصرية تأجيل المناسبات السعيدة إلى العيد، فتمتلئ قاعات المناسبات والشوارع بالمحتفلين، كما تصبح الأعياد مواسم للخطوبة وعقد القران، تبركاً بتلك المناسبة الدينية المتميزة. يُذكر أنّ عيد الأضحى يتزامن هذا العام مع اقتراب السنة الدراسية الجديدة، وهو ما يجعل ميزانية الأسرة المصرية مخصصة بالدرجة الأولى لشراء مستلزمات المدرسة التي اشتعلت أسعارها.
خلال أيام العيد، لا يبدي كثير من الأشخاص في مصر فرحتهم، التي كانوا يشعرون بها من قبل، بل يقضون أيام العيد في النوم أو الجلوس لأوقات كثيرة أمام التلفزيون، إذا نالوا إجازة من العمل، فلم يعد لفرحة العيد مذاق كالذي كان سابقاً. بعض العادات والتقاليد تقلصت، كحال زيارة الأهل والأقارب، واكتفى البعض بوسائل الاتصال والتواصل الإلكترونية للمعايدة. كذلك، اختفت العيديات، وضعف الإقبال على شراء الملابس الجديدة، بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم مقدرة المواطنين على الذهاب إلى المحلات التجارية.
من المظاهر التي اختفت، خصوصاً في القرى، ديوان العائلات بعد أداء صلاة العيد، وهو تجمّع كان يحرص عليه جميع أفراد القرية يتصافحون فيه ويحضنون بعضهم بعضاً. أيضاً، قلّ ذبح الأضاحي. في المقابل، بقيت عادة زيارة القبور، صباح يوم العيد، مع تجهيز الأطعمة من الكعك والفطائر والفاكهة والعصائر وتوزيعها على قراء القرآن والأطفال. ولا تشهد الحدائق في المدن إقبالاً، منذ فترة، قد ينعكس على أيام العيد أيضاً، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المواصلات، بعد رفع أسعار الوقود التي قررتها الحكومة المصرية، في يونيو/حزيران الماضي.
في هذا الإطار، تقول عائشة محمد (موظفة): "زينة المنازل التي كنا نحرص على عملها بأيدينا، وتعليق البالونات، وشراء الزهور الطبيعية، اختفت. حتى عادة تنظيف المنازل والسجاد استعداداً للعيد لم تعد موجودة في معظم البيوت، والأهم من كلّ ذلك اختفاء لمّة العيلة، إذ بات البعض يؤدي زيارات سريعة على سبيل الواجب، والبعض يكتفي بالتهنئة برسائل على مواقع التواصل الاجتماعي". تشدد على أنّ الظروف الاقتصادية والاجتماعية أثّرت كثيراً في الأوضاع الأسرية، مما أدى إلى تقطيع أواصر التواصل بين الأقارب حتى في العيد.
يوضح محمد سليمان (موظف) أنّه خلال عيد الأضحى استغنت أسر كثيرة عن الأضاحي، للحصول على سلع أكثر ضرورة، بسبب تزامن العيد مع اقتراب المدارس، لافتاً إلى أنّ من المعتاد أن يترافق العيد مع البهجة "لكنّ ارتفاع الأسعار أثّر كثيراً على أوضاعنا داخل البيوت". وتقول مايسة صبري (طالبة جامعية): "كنت أحرص على شراء ملابس العيد عندما كنت صغيرة، أما الآن فلا أملك الإحساس نفسه". تشير إلى أنّها تشعر بظروف والدها وحياتها التي تعيشها أسرتها المكونة من خمسة أبناء، هي الأكبر من بينهم. ويعلّق محمد متولي (موظف): "كنت أشتري خمسة كيلوغرامات من اللحم خلال عيد الأضحى. أما اليوم، فبالكاد أشتري كيلوغراماً واحداً فقط". بدوره، يقول حسن المردي (بائع شاي): "أمنيتي أن أشتري لحمة، وملابس لأولادي، وأن نذهب إلى أهلي في الصعيد. لكنّ العين بصيرة واليد قصيرة. مثلي كثيرون ليسوا موظفين ينتظرون راتباً، فإن لم يعملوا ماتوا من الجوع هم ومَن يعيلون، ومع الأحوال المعيشية الحالية باتت حياة كثيرين في مصر كأنّها جهنم".
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي، سرحان سليمان، أنّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة تؤدي إلى اختفاء كثير من العادات والتقاليد التي كان يمتاز بها عيد الأضحى بصفة خاصة، من ذبح الأضاحي إلى الحج، مشيراً إلى أنّ تحمل الأهالي نفقات العيد بات صعباً جداً، وأمام حالة الضيق الشديدة لم تعد للمصريين قدرة على الفرح في المناسبات، فبات العيد اليوم لا يختلف كثيراً عن أيّ عطلة رسمية أخرى.
كذلك، يقول أستاذ علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتور سيد إمام، إنّ الأعياد كانت تتميز بشراء الملابس الجديدة وتلقي العيدية والذهاب إلى الملاهي، وتجمُّع العائلات وتبادل الزيارات والهدايا من الأضاحي المذبوحة، لكن اختلف ذلك كثيراً نتيجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بل إنّ البعض افتقد للتفاؤل بشكل عام، وكلّ ذلك كفيل بأن يؤدي إلى غياب فرحة العيد عن المصريين، مشدداً على أنّ معظم الأسر باتت تفتقد العلاقات المترابطة. يوضح إمام أنّ هناك الكثير من الأهالي، خصوصاً العاملين في أكثر من مهنة، يفضلون قضاء إجازة العيد في النوم والأكل ومشاهدة التلفزيون فرادى، وهو ما أدى إلى عدم شعورهم بفرحة العيد. يشير إلى أنّ التواصل عبر وسائل التكنولوجيا المختلفة، بالرغم من أنّه يمثل وسيلة مفيدة للأسر التي يصعُب تجمّع أفرادها لظروف السفر وغيرها، لا يؤدي الدور نفسه للتلاقي الفعلي في العيد.