ياسمين عبدالله.. قصة مآسٍ لا تنتهي

29 يناير 2015
أكثر من 66 سنة مرّت مذ هُجّرت (العربي الجديد)
+ الخط -

في بيت لا يشبه البيوت لكنه يؤويها من التشرّد، تعيش ياسمين حسن عبدالله البالغة من العمر نحو مائة وعشر سنوات، بحسب ما تتذكّر. وبيتها ذاك يردّ عنها أيضاً شرّ أولاد الحي الصغار الذين كسروا زجاج نوافذها.

ولأن هؤلاء يحاولون على الدوام رشقها بالحجارة وضربها بالعصي حين تخرج، فقد "فضّلت البقاء في الداخل بعيدة عن الناس، في حين يقدّم لي أولاد الحلال طعامي". تروي ياسمين: "خرجت من فلسطين وعمري أربعون عاماً، كما أذكر. عندها كنت متزوّجة وأم لصبيان وبنات. لكن العدو الصهيوني طردنا من أرضنا، وأخذ ولداً من أولادي وأنا لا أعرف عنه شيئاً حتى اليوم. هم هجموا علينا عندما كنت وزوجي وأولادي نهرب منهم إلى لبنان. خطفوا ابني ونزعوا من صدري قلادتي الذهبيّة التي كنت قد اشتريتها من السعوديّة عندما كنت أؤدي مناسك الحج".

تعود أصول هذه المعمّرة الفلسطينيّة إلى عكا.. "هناك ولدت وعشت حتى تهجيرنا. كنا نملك ستة بيوت في عكا وكان زوجي يعمل حداداً. وما إن خرجنا من فلسطين، شعرنا بالذل والإهانة". واليوم هي تعيش في منطقة زاروت في بلدة الجيّة (جنوب لبنان)، في تجمّع عشوائي أقامه قبل زمن لاجئون فلسطينيّون وسوريّون.

عندما بلغت وعائلتها لبنان، "سكنا مخيّم تلّ الزعتر (شرق بيروت) قبل أن نلجأ إلى مدينة صيدا (جنوب). هناك سكنا على السكة في بيوت من تنك بنيناها ووضعنا فوقها الشوادر". تضيف: "وبعد سنوات، صدر قرار بإخلاء البيوت وحصلنا على تعويض مالي قدره خمسة آلاف دولار أميركي، وفي مقابله حصلنا على هذه الغرفة هنا".

اليوم، تعيش ياسمين وحيدة بين جدران غرفتها الخالية من وسائل التدفئة وسط البرد المسيطر في هذه الأيام، والخالية من أبسط مستلزمات الحياة اللائقة. هي لا تلقَى أي اهتمام من قبل أي من مؤسسات الرعاية الفلسطينيّة أو غير الفلسطينيّة، لا سيّما دور العجزة. لكن أخيراً، أحسن عليها فاعل خير إذ اشترى لها مدفأة كهربائيّة. لكن الكهرباء نادراً ما يعرفها سكان هذه المنطقة البعيدة عن أعين الناس، لذا مدّ لها فاعل خير ثانٍ خط كهرباء لتشعل مدفأتها تلك. إلى ذلك، يعمد جيرانها - وحالهم ليست أفضل من حالها - إلى تأمين بعض الطعام لها. لولاهم لكانت ماتت من الجوع وسط أكياس مهترئة وضّبت فيها قبل زمن ثيابها، في غرفتها تلك التي لا تقوى على تنظيفها.

هي ترى أن المآسي تصرّ على ملاحقتها حتى رمقها الأخير، لذا تلازم فراشها في انتظار تلك اللحظة.
المساهمون