ياسر عرفات المتعدِّد

11 نوفمبر 2014
+ الخط -
من الظلم الحديث عن ياسر عرفات وكأنه واحد في الذكرى العاشرة لاستشهاده. خطأ تقع فيه معظم كتابات المتيّمين به وكارهيه على حدّ سواء. الأوائل يرون فيه تجسيداً لكل ما يشير إلى فلسطين، حتى بات في عيونهم يختصر القضية التي تكاد لا تنوجد من دونه، في مقابل طيف من الناقمين على مَن برأيهم "باع فلسطين" في صكوك اتفاقيات أوسلو وملحقاتها.

بين هذا وذاك، يبقى الأكيد أن عرفات شخصية تاريخية، وما صفة التاريخية هنا سوى مصطلح موضوعي لا علاقة له بحب الرجل أو بكرهه، بل ينبع مما صنعه أبو عمار إيجاباً وسلباً في هذا التاريخ، وما عايشه فيه وما تركه على صفحاته. ربما أراد عرفات ألا يتم اختصاره بحقبة أو بموقف، لذلك كان رجل "سياسة كلية" حيث يتداخل "البيع والشراء" والنضال والتنازلات فالمقاومة المسلحة ثم التفاوض... بعكس شخصيات فلسطينية تاريخية بدورها، اعتمدت سلوكاً مختلفاً بالكامل، سلوك "الأنتي سياسة"، أي سياسة الخط البياني الواحد لا المتعرج، كجورج حبش ورفاقه.

إن تقييمنا في العام 2014 لعرفات في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي والسنوات التي عاشها من الألفية الثالثة، يميل لتناسي ظروف وانقسامات وصعوبات تلك المرحلة، الداخلية والإقليمية والعالمية. من هنا ينبع الظلم بالضرورة في التقييم. حتى في أسوأ المواقف المحسوبة على الرجل، كوقوفه إلى جانب صدام حسين في غزو الكويت، يمكن استحضار الكثير من الأخذ والرد. لكن ربما يمكن الجزم، وبراحة ضمير، بأن التركة الثقيلة والكارثية التي أورثنا إياها عرفات، هي ثقافة إدارة دولة غير موجودة اسمها السلطة الفلسطينية بحزب حاكم لا يحكم أحداً ولا شيئاً، اسمه حركة فتح، بثقافة فئة من النومنكلاتورا التي لا تحكم أحداً أيضاً، بينما تتصرف كأنها تدير إمبراطورية رومانية، بسلوك طبقة vip من البيروقراطية الفاسدة التي تحكم بنياناً من ورق وتراكم ثروات باسم شعب شتات بلا دولة.

في الذكرى العاشرة لرحيله، باتت فرضية الاغتيال الإسرائيلي شبه محسومة. يكفي ذلك لإدراك إلى أي مدى لم يتحوّل عرفات، رغم كل شيء، إلى "رجل سلام" بالنسبة لإسرائيل، وما ذلك سوى شهادة تعيد له الكثير مما خسره بفعل المصائب التي أورثنا إياها.