بعد أن اختار النقد السياسي في مجمل أغانيه التي لاقت حضوراً واسعاً خلال ثورة 25 التي ينتمي إليها، أطلق الفنان المصري ياسر المناوهلي أغنيته الجديدة "طلعت قفة"، لتحصد في 24 ساعة، أكثر من مليون إعجاب على "يوتيوب".
وتعد الأغنية ترجمة فنية لاعترافات تتوالى، بأن 30 يونيو/حزيران، لم تكن سوى تمهيد لانقلاب عسكري على الديمقراطية، على الرغم من مشاركة أعداد غفيرة في تلك التظاهرات، رفضاً لسياسة الرئيس محمد مرسي، وطلباً لانتخابات رئاسية مبكرة، فإن كثيرا من المخلصين لم يكونوا يستشعرون ما يدبره أعداء الديمقراطية، من جر البلاد نحو حكم عسكري قمعي والارتداد عن التعددية السياسية.
هذا ما نجحت فيه الدولة العميقة، بعد استثمار تلك التظاهرات، والاستجابة لها عبر إعلان 3 يوليو/تموز، الذي عُطّل فيه الدستور، وهُدمت من خلاله التجربة الديمقراطية الوليدة بصورة نهائية.
ومن كلمات الأغنية: "طلعتْ قُفّه بصنعة لطافه/ مشيت فى زفه جنب الأرافه/ وخدت لفه مع اصطفافه". وهذا هو المقصود في الأغنية، فقد تم خداع كثيرين بأن تلك (الزفة) و(اللفة) و(الاصطفافة) و(الفسحة) كانت ثورة شعبية حقيقية، فاندفعوا بمصاحبة آخرين من أعداء الثورة لوأد التجربة الديمقراطية.
ومصطلح "طلعت قفة" يتشابه أيضاً مع المصطلح الشعبي الثاني الذي استخدمه المناوهلي، وهو "قرطسونا" بمعنى: خدعونا، إذ يستمر في أغنيته ليصف حال المتظاهرين والأمنيات التي وُعدوا بها، لكنهم لم يحصلوا في النهاية إلا على شعارات: "ناس ماشيه جنبى وطلعوا زومبى/ والانحطاط ده مكانش ذنبى/ قالوا لى بكره حياتنا بمبمى/ وقرطسونا تحت العلم".
ولا تزال تعاني النماذج الفاسدة والمغرضة من اختصار الوطنية في الشعارات التي يروج لها من بيده تقاليد السلطة، فلا إنجازات منتظرة ولا دستورا محترما أو قانونا يطبق على الجميع، وكلما ارتفعت أصوات للمطالبة بتلك الحقوق الإساسية، لا يجد الشعب سوى القمع، مع هتافات قومية خالية الدسم مفرغة من أي مضمون، فلا هي تحمل هموم المواطن المتراكمة ولا تسعى للارتقاء به.
وهنا تظهر حوارية (حيوا العلم) التي تقوم بين المناوهلي والسلطة، التي كلما طالبها بالالتفات إلى دماء الشهداء أو حقوق الشعب الأولية، طالبته بأن يرفع عقيرته ويتشنج خاشعاً وهو يتلو عبارة (تحيا مصر 3 مرات): "حيوا العلم، حيوا العلم، حيوا العلم/ ياعم دم!! - حيوا العلم/ فبه ناس فى غمّ!! - حيوا العلم/ يعم تحيا ازاى وانا بموت؟!".
وهو يصل في نهاية هذا المقطع إلى أن العلم لن يصلح بهذه الصورة، إلا أن يكون كفناً، حتى رمزيته الشامخة (النسر) أضاعها هؤلاء الذين لا يعرفون قدر الوطن ولا مفهوم الوطنية!، ويغني: "طب نكس العلم ولف فيه التابوت/ والنسر طار، رفسه حمار، عشش مكانه عنكبوت".
ولا ينسى ياسر المناوهلي التطرق للنخبة الانتهازية، التي تجاهلت فخ السقوط الذي كان ظاهراً للعيان، والتي ظلّت تتآمر مع "الدولة العميقة" طمعاً في الحصول على أي مكاسب، وقد كانوا يمنون أنفسهم بالخير، لكن كما يقال في المثل الشعبي "آخرة خدمة الغز علقة"، فقد سيطر العسكر على السلطة، ولم تحصل النخبة، مثل باقي الشعب، على أي شيء سوى مزيد من القمع!، ويقول: "طلعت قفه، بصنعة لطافه/ خدونى لفه، مدعي الثقافه/ وطلعوا زيى "أكياس جوافه"/ ولبسونا.. كله اتظلم".