في التاسع من فبراير/ شباط من عام 2018 المنصرم، أطلق الجيش المصري عمليته العسكرية الشاملة في محافظة شمال سيناء. جرى ذلك قبل عام كامل، وهذه هي حال أهالي المنطقة اليوم
مضى عام على انطلاق العملية العسكرية الشاملة التي حملت اسم "عملية سيناء 2018" والهادفة إلى القضاء على الإرهاب بتوجيه من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. والعام المنصرم يُعَدّ الأسوأ على سيناء منذ بدء الصراع بين الأمن المصري وتنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي عقب الانقلاب العسكري في صيف عام 2013. فقد عرفت سيناء حصاراً شاملاً وتضييقاً على حركة السكان وتجريف آلاف الدونمات الزراعية ومئات المنازل، بالإضافة إلى إزالة مدينة رفح بصورة كاملة إلى جانب الشلل الذي أصاب الحركة الاقتصادية والاجتماعية لأشهر طويلة.
منذ بدء العملية العسكرية الشاملة تلك، فرض الجيش المصري الحصار الأطول على سيناء، فمنع حركة السكان من وإلى المدينة لأسابيع عدّة، ثمّ فتح مجال التنقل من خلال تنسيق عبر إدارة المحافظة بالتواصل مع الجهات الأمنية إلى أن صار السفر محصوراً بعدد من الأيام فقط بلا قيود، بينما مُنِع إدخال المواد الغذائية والخضروات والوقود إلى المحافظة على مدى أشهر بقرار عسكري من قيادة عمليات الجيش المصري. بالإضافة إلى ذلك، توقّفت العملية الدراسية كلياً في كل المراحل التعليمية لأشهر عدّة، الأمر الذي أدّى إلى فشل الفصل الدراسي الثاني الذي تزامنت بدايته مع انطلاق العملية العسكرية الشاملة.
كذلك ساءت الأوضاع الاقتصادية في سيناء بسبب الحصار، لا سيّما أنّ مواسم المدارس والأعياد وشهر رمضان والصيف تضرّرت على خلفية عمليات الجيش المصري والحصار المفروض على مدن المحافظة، بما فيها مدينة العريش عاصمتها، حيث الثقل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمحافظة. وباتت طوابير السيارات عند محطات الوقود مشهداً عادياً في سيناء، في حين سُجّل نقص في المواد الغذائية ومواد البناء مع انقطاع متكرر لشبكات الاتصالات والإنترنت والكهرباء. أمّا المياه، فما زالت تصل إلى منازل المواطنين وفقاً لجدول زمني محدّد.
اليوم، بعد مرور عام كامل على العملية العسكرية الشاملة، تبدو سيناء أكثر بؤساً ممّا كانت عليه قبل تاريخ التاسع من فبراير/ شباط 2018، قبل تلك العملية التي من المفترض أن تأتي بالأمان والرخاء لسيناء مثلما صوّر لها الإعلام المصري ومن خلفه المؤسسات الرسمية الأمنية والعسكرية. فمئات المنازل باتت أثراً بعد عين، وقد أزيلت معظم أحياء مدينة رفح بعد تهجير سكانها، وجُرفت آلاف الدونمات الزراعية وهو ما أدّى إلى ضعف السلّة الغذائية لسكان المحافظة. كذلك نفّذ الجيش المصري مزيداً من عمليات التهجير عبر إقامة حرم آمن لمطار العريش، والبدء بمشروع توسيع ميناء العريش، الأمر الذي يتخلله تدمير لمزيد من المنازل والمصانع وتجريف للمزارع. كلّ ذلك أحدث تغيّرات ديموغرافية في المحافظة، في حين فقد المئات أعمالهم في الزراعة والصناعة.
على الصعيد الميداني، ما زال الوضع الأمني في سيناء هشاً، على الرغم من كل إجراءات الجيش المصري في خلال العام المنصرم، فهجمات تنظيم ولاية سيناء ما زالت تطاول كل أرجاء سيناء، مع خسائر مادية وبشرية في صفوف قوات الأمن. وهو ما أصاب المواطنين في سيناء باليأس من إمكانية حلّ الأزمة القائمة في سيناء منذ عام 2013 عبر الأدوات العسكرية والأمنية فقط، خصوصاً مع استمرار التعامل الخشن مع سكان المحافظة من قبل قوات الأمن ووضعهم في خانة المتّهمين، على الرغم من رغبتهم في القضاء على الإرهاب والانتهاء من العمليات العسكرية وعودة الحياة إلى سابق عهدها في المحافظة.
يقول إبراهيم المنيعي، أحد أبرز مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوضع ازداد سوءاً بسيناء في خلال العام الأخير، وطاولت الأضرار كل فئات المجتمع السيناوي، على امتداد جغرافيا سيناء من رفح حتى بئر العبد بالإضافة إلى الوسط، في حين تستمرّ الهجمات ضدّ قوات الجيش، على الرغم من كل الإجراءات الأمنية التي رافقت العملية العسكرية الشاملة". يضيف: "كذلك لا يمكن إنكار التضييق على حركة المواطنين من ضمن سياسة العقاب الجماعي الذي تعرّض له سكان محافظة شمال سيناء مع بدء العملية العسكرية الشاملة. أمّا المواطنون في سيناء فقد تحمّلوا كل الإجراءات التي فُرضت عليهم، على أمل أن يلقوا مستقبلاً أفضل مع انتهاء تلك العملية. لكن بعد مرور عام عليها، يبدو أنّ الأمل تبدّد فعلياً".
ويشير المنيعي إلى أنّ "أضرار العملية العسكرية الشاملة الأبرز هي قتل مدنيّين بحجة أنّهم إرهابيون، بالإضافة إلى إصابة مئات آخرين برصاص الأمن المصري، وزيادة عدد المختفين قسراً بسبب انعدام التواصل بين الأهالي على الأرض مع قوات الأمن بعد شنّ حملات المداهمات والاعتقالات في كل مناطق سيناء، وانتظار ظهور المختفين فجأة في المحاكم العسكرية. وذلك يتطلب اهتماماً جدياً من قبل الجهات الحقوقية، للاطلاع على مصير مئات السيناويين الذين ما زالوا في السجون من دون أيّ محاكمة أو إعلان اعتقال". ويتابع المنيعي أنّ من أبرز الفئات المتضررة اقتصادياً من جرّاء تلك العملية "السائقين والصيادين والمزارعين وهم النسبة الأكبر من العاملين في سيناء"، داعياً إلى "توفير تعويضات حقيقية للمتضررين الذين خسروا قوت عائلاتهم وعدم تركهم ضحية الأحداث الأمنية".