21 مارس 2018
ويقولون إنهم لا يسيسون الحج!
مريم الخاطر
كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.
يقولون إن السعودية لم تسيّس الحج، متذرعين بتوجيهات الملك سلمان بن عبدالعزيز بشأن الحجاج القطريين، والتي لم تأتِ أخيرًا إلا تحت الضغط الدولي، بموجب ملف انتهاك حقوقي رفعته لجنة حقوق الإنسان القطرية للمقرّر الخاص المعني بحرية الدين والعقيدة في الأمم المتحدة. ونظراً لعرض الملف السنوي للحقوق والحريات الدينية والتصريحات اللاذعة لوزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، للمملكة بشأن الحريات والممارسات الدينية.
وجّه الملك سلمان بالسماح بدخول الحجاج القطريين فقط (دون المقيمين في دولة قطر) عبر منفذ سلوى من دون تصاريح إلكترونية، والسفر عن طريق الدوحة، شريطة عدم استخدام طيران "القطرية"، واشتراط مطارين (الدمام والإحساء)، حتى على المواطنين القطريين المقيمين خارج قطر، وأمر بإرسال طائرات "السعودية" إلى مطار الدوحة لنقل الحجاج القطريين، واستضافتهم على نفقته الخاصة، ضمن برنامج "ضيوف خادم الحرمين الشريفين". وعلى الرغم من أن القرار جاء تحت رضوخ سياسي، إلا أن فتح المنفذ أمر ثمّنته الحكومة القطرية، إذ رحب وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بفتح الحدود "لإتاحة المجال أمام الحجاج، حتى وإن كانت الخطوة ذات دوافع سياسية كما كانت دوافع الإغلاق سياسية"، لكنه أكد على "عدم تسييس الحج أو الزجّ به في مسائل سياسية".
وعبرت لجنة حقوق الإنسان القطرية عن ارتياحها للقرار، باعتباره خطوة نحو إزالة العراقيل ضمن التأكيد على عدم إخضاع الحج لأية حسابات ووساطات سياسية شخصية، وطالبت بتوضيح آلية تنفيذه وإزالة ما يكتنفه من غموض نحو الحجاج المقيمين في قطر من دون تمييز.
وللعاهل السعودي نيته مشكور عليها دينيا لا سياسياً، لما يحمله التبرع لحج القطريين على نفقة "برنامج الضيوف" في هذا السياق من رسائل سياسية تمعن، فوق ظلم الحصار، في الرغبة في إذلال القطري في شعائر مكفولة دينياً بالاستطاعة المادية، لا الاستطاعة السياسية التي أوجدتها علمانية مستجدّة في إطار هذه الدولة الدينية، الاستطاعة التي لا تجهلها المملكة للجارة قطر، إذ إنها مرهونة بملف حقوقي، يتعلق بإجراءات وضمانات أمنية محدّدة، لم تستجدِ مكارم أو منحاً مادية في بيت الله. خصوصاً أن عمق ثقافة المواطن القطري العادي تدرك بذكاء تزامنيةً في
توقيت (وتأطير) هذا القرار السعودي الحذر المشروط الصادر قبيل الحج بأيام معدودات، بعد ما زُعم عن استجابة وقبول وساطة مفاجئة، قام بها الشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله آل ثاني، وهو نجل رابع حكام قطر. وما تبع ذلك من ترويج إعلامي ودعاية دولية ببيانات مصوّره على وكالة الأنباء السعودية الرسمية لاستقبالات حافلة في قصور جدّه وطنجة، والذي لا يمكن وصفه إلا في الإطار الذي وضعته المملكة فيه، وهو "تسييس الحج"، بل إنما هو أعمق، وهو التآمر على دولة قطر في "تسييس مبيّت"، إذ وإن جاءت الوساطة في ثوب أحد أفراد عائلة قطر الحاكمة، آل ثاني، إلا أنها هنا غير رسمية، بل تضرب العلاقات الدولية ووسطاءها الرسميين عرض الحائط، وقد سمي أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد آل الصباح وسيطاً دولياً. كما ينتفي عمن وصفوه مبعوثا قطريا أن يكون ممثلا رسمياً للحكومة القطرية، كما وضح وزير خارجية قطر بأنه وجد هناك "بشكل شخصي".
إذا، لم يكن القرار السعودي المشروط الذي صفق له كورال وزراء "تويتر" وإعلام الكذب ووصفوه بالمكرمة بادرةً لتخفيف إجراءات الحصار ضد قطر، وإنما استمرار لعبثية سياسية ضارية للسعودية، لابتكار طرق متعددة للانقلاب على أمير قطر الذي ينعم بعمق حب وولاء شعبه، أرادت المملكة، أخيرا، في محاولة دنيئة، أن تسمي أحدًا من لباس العائلة لتخلع على زيارة شخصية له صفة الوسيط بقدسية ملابس الإحرام في الأشهر الحرم، وتسمّي الأشياء بغير مسمياتها باختراع "وسيط الحجّ" إلى بيت الله الذي لا يحتاج واسطة، سوى الدين الإسلامي، في توقيت حرمة المقسوم عليها "وليال عشر".
لم تلبث المملكة أن أعادت الحج إلى خانة التسييس التي لم تقبلها وصفا على تعنّتها، عندما احتجّت بها لجنة حقوق الإنسان، ورفعتها إلى الأمم المتحدة من قبل، وما تبع ذلك من فبركة رخيصة لإعلام الحصار، بوصف ملف تسييس الحج "تدويلا"، تبعه في اجتماع المنامة الرباعي اتهام وزير خارجية المملكة، عادل الجبير، السلطات القطرية بتدويل الحج، بقوله "إن طلب قطر تدويل المشاعر المقدسة عدواني وإعلان حربٍ على المملكة".
على الرغم من علمه الفرق بين التسييس والتدويل، وعلى الرغم من نفي وزير الخارجية القطري وجود أي دعوة قطرية إلى التدويل، قائلا "لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج، كما لم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية"، إذ لم تدع قطر إلى التدويل، لا رسمياً ولا حتى ضمن منظمات حقوق الإنسان، لا لغة ولا شرعاً ولا قانونا لتدخل الخارجية السعودية بذلك، وفي الأشهر الحرم، مضمار الكذب مجدّدا في تنافسٍ لها مع إعلام دول الحصار الرخيص، خصوصاً أن المتابع لشؤون الحج وترتيباته يعلم امتناع الرد وعرقلة المملكة أمور التصاريح وتأمين سلامة الحجاج أمام بعثة الحج ووزارة الأوقاف القطريتين. أضف أن المملكة، منذ قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في 5 يونيو/ حزيران 2017، وإغلاق سفارتها، لم تكلف لا سفارةً، ولا حتى قنصليةً لدولة أخرى، بمتابعة إجراءات شؤون الحج ولا المواطنين حسب معاهدة فيينا، فلا ضمانات قانونية فوق الإجرائية، ليس فقط فيما يتعلق بشؤون الحج اللوجستية، بل حتى من مغبة خطاب الكراهية والتحريض الذي شحنت به وسائل الإعلام ضد القطريين في كل وسائل الإعلام الرسمية والاجتماعية.
السؤال الذي يفرض نفسه، مع كل ما سبق، من تسييس المملكة الحج، وما تبعه من استحداث "وسطاء" في دسائس بإشاعة وسوم في "تويتر"، عبر وزراء مختصين لشرعنة "انقلابات سياسية" على قطر في مواقيت الحج، من المسيّس للحجّ هنا؟
يجب أن تُذكّر المملكة، ويُذكّر من يقوم على خدمة الحرمين الشريفين، مع غرّة هلال ذي الحجة بقوله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (البقرة: 189). فالمكارم، وقبلها الحقوق في الحجّ، أولى بأن تُطرق فيها البيوت من أبوابها، لا من ظهورها.
Twitter: @medad_alqalam
وجّه الملك سلمان بالسماح بدخول الحجاج القطريين فقط (دون المقيمين في دولة قطر) عبر منفذ سلوى من دون تصاريح إلكترونية، والسفر عن طريق الدوحة، شريطة عدم استخدام طيران "القطرية"، واشتراط مطارين (الدمام والإحساء)، حتى على المواطنين القطريين المقيمين خارج قطر، وأمر بإرسال طائرات "السعودية" إلى مطار الدوحة لنقل الحجاج القطريين، واستضافتهم على نفقته الخاصة، ضمن برنامج "ضيوف خادم الحرمين الشريفين". وعلى الرغم من أن القرار جاء تحت رضوخ سياسي، إلا أن فتح المنفذ أمر ثمّنته الحكومة القطرية، إذ رحب وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بفتح الحدود "لإتاحة المجال أمام الحجاج، حتى وإن كانت الخطوة ذات دوافع سياسية كما كانت دوافع الإغلاق سياسية"، لكنه أكد على "عدم تسييس الحج أو الزجّ به في مسائل سياسية".
وعبرت لجنة حقوق الإنسان القطرية عن ارتياحها للقرار، باعتباره خطوة نحو إزالة العراقيل ضمن التأكيد على عدم إخضاع الحج لأية حسابات ووساطات سياسية شخصية، وطالبت بتوضيح آلية تنفيذه وإزالة ما يكتنفه من غموض نحو الحجاج المقيمين في قطر من دون تمييز.
وللعاهل السعودي نيته مشكور عليها دينيا لا سياسياً، لما يحمله التبرع لحج القطريين على نفقة "برنامج الضيوف" في هذا السياق من رسائل سياسية تمعن، فوق ظلم الحصار، في الرغبة في إذلال القطري في شعائر مكفولة دينياً بالاستطاعة المادية، لا الاستطاعة السياسية التي أوجدتها علمانية مستجدّة في إطار هذه الدولة الدينية، الاستطاعة التي لا تجهلها المملكة للجارة قطر، إذ إنها مرهونة بملف حقوقي، يتعلق بإجراءات وضمانات أمنية محدّدة، لم تستجدِ مكارم أو منحاً مادية في بيت الله. خصوصاً أن عمق ثقافة المواطن القطري العادي تدرك بذكاء تزامنيةً في
إذا، لم يكن القرار السعودي المشروط الذي صفق له كورال وزراء "تويتر" وإعلام الكذب ووصفوه بالمكرمة بادرةً لتخفيف إجراءات الحصار ضد قطر، وإنما استمرار لعبثية سياسية ضارية للسعودية، لابتكار طرق متعددة للانقلاب على أمير قطر الذي ينعم بعمق حب وولاء شعبه، أرادت المملكة، أخيرا، في محاولة دنيئة، أن تسمي أحدًا من لباس العائلة لتخلع على زيارة شخصية له صفة الوسيط بقدسية ملابس الإحرام في الأشهر الحرم، وتسمّي الأشياء بغير مسمياتها باختراع "وسيط الحجّ" إلى بيت الله الذي لا يحتاج واسطة، سوى الدين الإسلامي، في توقيت حرمة المقسوم عليها "وليال عشر".
لم تلبث المملكة أن أعادت الحج إلى خانة التسييس التي لم تقبلها وصفا على تعنّتها، عندما احتجّت بها لجنة حقوق الإنسان، ورفعتها إلى الأمم المتحدة من قبل، وما تبع ذلك من فبركة رخيصة لإعلام الحصار، بوصف ملف تسييس الحج "تدويلا"، تبعه في اجتماع المنامة الرباعي اتهام وزير خارجية المملكة، عادل الجبير، السلطات القطرية بتدويل الحج، بقوله "إن طلب قطر تدويل المشاعر المقدسة عدواني وإعلان حربٍ على المملكة".
على الرغم من علمه الفرق بين التسييس والتدويل، وعلى الرغم من نفي وزير الخارجية القطري وجود أي دعوة قطرية إلى التدويل، قائلا "لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج، كما لم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية"، إذ لم تدع قطر إلى التدويل، لا رسمياً ولا حتى ضمن منظمات حقوق الإنسان، لا لغة ولا شرعاً ولا قانونا لتدخل الخارجية السعودية بذلك، وفي الأشهر الحرم، مضمار الكذب مجدّدا في تنافسٍ لها مع إعلام دول الحصار الرخيص، خصوصاً أن المتابع لشؤون الحج وترتيباته يعلم امتناع الرد وعرقلة المملكة أمور التصاريح وتأمين سلامة الحجاج أمام بعثة الحج ووزارة الأوقاف القطريتين. أضف أن المملكة، منذ قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر في 5 يونيو/ حزيران 2017، وإغلاق سفارتها، لم تكلف لا سفارةً، ولا حتى قنصليةً لدولة أخرى، بمتابعة إجراءات شؤون الحج ولا المواطنين حسب معاهدة فيينا، فلا ضمانات قانونية فوق الإجرائية، ليس فقط فيما يتعلق بشؤون الحج اللوجستية، بل حتى من مغبة خطاب الكراهية والتحريض الذي شحنت به وسائل الإعلام ضد القطريين في كل وسائل الإعلام الرسمية والاجتماعية.
السؤال الذي يفرض نفسه، مع كل ما سبق، من تسييس المملكة الحج، وما تبعه من استحداث "وسطاء" في دسائس بإشاعة وسوم في "تويتر"، عبر وزراء مختصين لشرعنة "انقلابات سياسية" على قطر في مواقيت الحج، من المسيّس للحجّ هنا؟
يجب أن تُذكّر المملكة، ويُذكّر من يقوم على خدمة الحرمين الشريفين، مع غرّة هلال ذي الحجة بقوله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (البقرة: 189). فالمكارم، وقبلها الحقوق في الحجّ، أولى بأن تُطرق فيها البيوت من أبوابها، لا من ظهورها.
Twitter: @medad_alqalam
دلالات
مريم الخاطر
كاتبة وباحثة قطرية، دكتوراه في أثر الإعلام الجديد "الاجتماعي" على التحولات السياسية في منطقة الخليج العربي. متخصصة في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية. محاضرة في جامعة قطر، لها عدة مؤلفات.
مريم الخاطر