وهم القمة وحقائق الشعوب

06 ابريل 2017
+ الخط -
انعقدت قمة البحر الميت بحضور 15 من حكام العرب، أكثر من 50% منهم تجاوزوا السبعين عاماً، وكانت كسابقاتها من القمم لا جديد فيها، مجرّد بيانات شجب ورفض وتنديد ودعوات وعبارات إنشائية بالوحدة والاصطفاف لمواجهة العدو، وقد يكون الجديد الوحيد تلك العبارة التي أطلقتها القمة، وتلقفها إعلام الحكام، فأخذوا يكررونها بلا وعي ولا فهم، وهي: "الربيع العربي وهم أضاع التنمية والاستقرار في البلاد العربية"، فهل هو فعلاً كذلك؟
بداية، ولو اعتبرنا ثورة 25 يناير في مصر نموذجاً للربيع العربي، فلنتذكّر سويا ما قاله زعماء العالم بأسره حولها، إذ قال باراك أوباما: "يجب أن نربّي أبناءنا ليكونوا مثل شباب مصر"، في حين قال برلسكوني: "لا جديد في مصر، فالمصريون يصنعون التاريخ كالعادة"، وأما رئيس النمسا، هاينز فيتشر، فقال: "شعب مصر من أعظم شعوب الأرض"، في حين عنونت التلغراف: "قوة الشعب تصنع التاريخ في مصر".
هذا قليل من كثير ممّا عبّر عنه زعماء العالم حول ثورة يناير، فهل كان ذلك وهماً؟ وهل كلّ زعماء العالم وسياسييه يعيشون الوهم والقادة العرب، فقط، هم من يعرفون الحقيقة؟
هذا ما قيل تعليقاً وتقديراً للربيع العربي، وإن عدنا إلى أسبابه المباشرة وغير المباشرة، فهل كان حرق محمد البوعزيزي نفسه وهماً؟ وهل قتل خالد سعيد وهماً؟ هل الفساد في مصر وتوزيع الأراضي وهماً؟ هل تصدير الغاز إلى إسرائيل وهماً؟ هل محاولة توريث الحكم في مصر لجمال مبارك وهماً؟ لا أدري من يعيش الوهم، الشعوب العربية التي خرجت وأيّدت ثورات الربيع العربي أم القمم العربية المتوالية؟
لا، يا سادة، لم يكن الربيع العربي وهماً بل كان حقيقة تمنتها الشعوب وتمسّكت بها، ولكنكم أنتم من حوّلتموه كذلك، أنتم من سعيتم إلى خنق الربيع وقتل الورود ووأد الزهور، أنتم من غيّرتم الحلم إلى كابوس والأمل إلى يأس والفرح إلى هم وغم.
لقد أحسّ الشعب العربي في كلّ مكان أنّه قادر على صناعة مستقبله وتحقيق حلمه، أحسّ بحقيقة قدراته وإمكانياته وقدرته على التغيير المنشود والتخلّص من ديكتاتورية الحكم وفاشية الحكام. ولكن، لأنّ ذلك ما لا تريدونه سعيتم بكل جهد وقوة إلى إجهاض الحلم في مهده بمساعدة أطراف داخلية في كلّ دولة تسعى لذات الهدف.
الربيع العربي لم ولن يكون وهماً، وسيظلّ علامة فارقة في تاريخ الشعب العربي ودرساً تتعلّم منه الأجيال القادمة أنّ المستحيل ممكن والصعب سهل إن اتحد الشعب وقويت الهمة والإرادة.
مشكلة الربيع العربي الحقيقية، والتي كانت السبب الأول في تحالف كثيرين على إجهاضه هي ما عبّر عنها الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل حين قال: "الشعب المصري أصبح أقوى من النظام".
هذه هي حقيقة الربيع العربي التي أخافت الكل فاعتقدوه وهماً وحاربوه، فكيف يمكن للأنظمة الاستبدادية في أيّ زمان ومكان، والتي اعتادت قهر الشعوب أن تسمح لها بديمقراطية وحرية وعدالة اجتماعية، وسيظلّ الربيع العربي أقوى حقائق الشعوب العربية، وستظل عورات الأنظمة العربية واستبدادها باعثاً دائماً لربيع متجدّد، تزهر معه الورود وتتفتح الزهور، وتحقّق الشعوب أحلامها وآمالها، مهما طال الوقت وامتدّ الزمن.
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)