وهب البويضات.. علاج جدليّ للعقم في إيران

10 أكتوبر 2016
تلقيح مخبري (عطا كناري/ فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد مشكلة العقم حول العالم اليوم، ويعيدها أهل الاختصاص إلى عوامل كثيرة محاولين إيجاد حلول مناسبة. وهب البويضات إحدى طرق الحلّ. هكذا تتعاطى إيران والإيرانيون مع هذه المسألة.

سياوش، هو سمسار إيراني، لكنّه لا يتعاطى شؤون العقارات أو السيارات وما إليها، بل هو سمسار يبحث عن متبرّعات قادرات على مساعدة عائلات تعاني من عدم القدرة على الإنجاب. أحياناً، يؤدّي دور صلة وصل بين الطرفين، ويعمل تحت سقف مراكز متخصصة في علاج العقم. وتلك المراكز ترى في وهب البويضات من قبل المتبرّعات وسيلة لحلّ مشكلة كثيرين وكثيرات.

غالباً ما ترفض المتبرّعات كما العائلات المتلقية، التحدّث عن الموضوع في العلن، لكن سياوش يخبر "العربي الجديد"، عن حالة يتابعها في الوقت الراهن بهدف تعريفها إلى المركز حيث يعمل. هو يشجّع تلك المتبرّعة على وهب البويضات، في مقابل مبلغ ماليّ. يُذكر أنّه بعد وهبها، تُلقّح البويضات بنطاف الزوج الذي تعجز زوجته عن الإنجاب، قبل أن تزرع في رحم الزوجة. وينقل سياوش عن المرأة الواهبة ما تشعر به، إذ هي تساعد عائلة أخرى على إنجاب طفل هو في الواقع طفلها لكنّه ينمو في أحشاء امرأة أخرى. فتقول: "لا أشعر بأيّ إحساس خاص. فالجنين لا ينمو في رحمي، وأنا لم ألتقِ قطّ بالعائلة المتلقية". أما العائلة التي سوف تحصل على البويضات السليمة، والتي رفضت كذلك الإفصاح عن هويتها، فترى في الأمر "خلاصاً من مشكلة معقدة لا يمكن حلها إلا بهذه الطريقة". وتقول الزوجة إنّ "خمسين في المائة من الجنين الذي ينمو في أحشائي، يشكّله الأب. وأن ينمو الطفل في رحمي، فهذا يعني أنّني أمه بالكامل".

والعائلة المتلقية كما هي حال معظم الأزواج الذين يلجأون إلى هذا الخيار، لا تنوي الإفصاح عن الأمر لمن حولها، إذ "من شأن ذلك أن ينعكس سلباً على الطفل في المستقبل"، بحسب ما ترى. هذا من ناحية، أمّا من الأخرى، فإنّ هذه الطريقة ما زالت غير شائعة إلى حدّ يمكّن من وصفها وسيلة رائجة لعلاج العقم في إيران.

لطالما مثّل العقم عند الأزواج في إيران مشكلة يصعب حلّها. وتفيد أرقام بعض المراكز بأنّ عدد المصابين به في الوقت الحالي وفق المسجّل لديها، يزيد عن ثلاثة ملايين شخص، أمّا مراكز طبية أخرى فتقدّر نسبة الإصابة بالعقم بين الأفراد عموماً بعشرين في المائة. وتعيد الأمر إلى أسباب مختلفة، منها التلوّث والأمراض التناسلية. فتدفع هذه المعطيات بالحكومة إلى التركيز على تطوير تقنيات ووسائل علاج لعقم الرجال والنساء على حدّ سواء. تأتي تقنيات عدّة شبه مجانية، فيما تلقى وسائل معيّنة رواجاً أكثر من غيرها بين الذين يرغبون في معالجة أو التخلّص من المشكلة التي تعيق حلم كثيرين بالإنجاب. لكنّ بعض تلك التقنيات والوسائل ما زال محطّ جدال، على الرغم من أنّها تمثّل حلاً مثالياً بالنسبة إلى كثيرين. أمّا محطّ الجدال فهو تدخّل طرف ثالث كمتبرّع لوالدَي المستقبل.

قصة متسلسلة

في البداية، يتوجّه الزوجان إلى أحد المراكز المتخصصة التي تدرس حالتهما وتشخّص أسباب عدم قدرتهما على الإنجاب، وبناءً على ذلك تطرح الحلول المناسبة لهما، بحسب ما توضح هذا الطبيبة المتخصصة في الأمراض النسائية والعقم، الدكتورة معصومة يونسي. وتؤكّد لـ"العربي الجديد"، على أنّ "تطوّر التقنيات بات يفتح المجال أمام إيجاد الحلول الأنسب. لكن ثمّة حالات يضطر خلالها المعنيون إلى اللجوء إلى متبرّعات".

وتشرح يونسي: "في حال كانت مشكلة العقم مرتبطة بالزوج، لا يمكننا أخذ نطاف من متبرّع لتلقيحه مع بويضة الزوجة. هذا ممنوع وحرام شرعاً. وفي هذه الحالة، يصار إلى اللجوء إلى ما يسمّى اصطلاحاً إهداء الجنين. فيتبرّع زوجان آخران ببويضة ملقّحة، لتزرع في رحم المرأة التي يعجز زوجها عن الإنجاب. هكذا، يكبر الجنين في رحمها، من دون أن يتعرّف أيّ من الطرفَين على الآخر". تضيف: "أمّا في حال كانت المشكلة مرتبطة بالزوجة، فإنّ الأمور تبدو أسهل لجهة اللجوء إلى متبرّعة. وتهب إحدى المتبرّعات التي يشترط أن تكون مطلقة ودون الثلاثين، بويضات لتلقّح إحداها مع نطاف زوج المرأة العاجزة عن الإنجاب. ويأتي ذلك بعد عقد قرانهما شرعياً، لكنّ العقد يبقى غيابياً يكتب لمدّة مؤقتة لا تتجاوز ثلاثة أيام. يُذكر أنّ اسم المتبرّعة لا يدرج في السجلات الرسمية ولا تحسب كأم للجنين المنتظرة ولادته، إذ إنّه ينمو في أحشاء الزوجة".

وتتابع يونسي أنّ "المتبرّعة تخضع إلى فحوصات دقيقة قبل هذه العمليّة، وتتقاضى في مقابل ما تقوم به مبلغاً مالياً بسيطاً لا يتجاوز خمسمائة دولار أميركي، تذهب حصّة منه إلى السمسار". وتصف الأمر بأنّه "تعويض بسيط لقاء ما تتعرّض له المتبّرعة من ضغوطات قد تؤثّر على صحتها. فهي تجري تحاليل عدّة ومتكررة، وتتناول عقاقير لضمان جودة البويضات التي سوف تهبها، من خلال تدخّل جراحي بسيط".

وتشدّد يونسي على أنّ "المرأة المتبرّعة لا تتعرّف عادة إلى العائلة التي تتلقى بويضاتها، إلا في حال طلبت الأخيرة ذلك. وغالباً ما يُبرّر الأمر بأنّه مرتبط بالتخوّف من مشكلات مستقبلية. وبالفعل، عانت حالات عدّة من مشكلات حقيقية". وتشير إلى "الوسطاء الذين يلعبون عادة دوراً أساسياً بين المتبرّعة والمتلقية. وعلى الرغم من أنّ هؤلاء يعملون في مراكز تخصصية ويتقاضون أتعاباً مقابل مهامهم، إلا أنّهم لا يعملون بمعظمهم في مراكز علاج العقم الكبرى والمعروفة".




تحفّظ وحلّ منطقيّ

مريم، امرأة شابة في الثلاثين من عمرها، تتلقى مع زوجها في الوقت الحالي علاجاً للعقم الجزئي الذين يعانيان منه. لكنّها تشير إلى أنّها لا تستطيع اللجوء إلى هذا النوع من الطرق، "صحيح أنّها تحلّ أزمة كثيرين، إلا أنّها صعبة بالنسبة إليّ". وتشرح أنّ ذلك سوف يجعلها تفكّر من دون انقطاع في مستقبل الطفل وبالمتبرّعة التي لن تتعرّف إليها.

من جهتها، تجد السيّدة نادري، وهي أكبر سناً من مريم، أنّ "الأمر منطقي ومعقول". فالأم، برأيها، هي التي "تحمل الجنين وتلده". لكنّها ترى كذلك ضرورة إيجاد وسيلة لحفظ نسب الطفل المعنيّ.

أمّا بهزاد، فيقول إنّه لم يخطر في باله توفّر حلول من هذا النوع. ويرى أنّ ذلك "قد يشكّل مخرجاً لكثيرين. لا يوجد مانع من تطبيقه طالما أنّ الأمر مباح. لكنّ المشكلة تبقى في المجتمع الذي لن يتقبّل بسهولة رواج هذه الفكرة". بالنسبة إليه، هذا النوع من الطرق سوف يؤدّي إلى "إنهاء العقم في العالم مستقبلاً".

مخرج شرعيّ

لا يرى عدد من رجال الدين في وهب البويضات وتلقيحها بنطاف الزوج مشكلة، طالما أنّ الرجل يقترن بالمتبرّعة كتابياً بحسب عقد شرعي ديني. يُذكر أنّ المرشد الأعلى علي خامنئي حرّم في فتوى شرعية إهداء النطاف لتلقيح بويضة الزوجة، قائلاً إنّه ليس زنا وإنما أمر حرام، إذ من شأنه أن يتسبب في مشكلة في النسب الذي يعود إلى الأب. في المقابل، رأى أنّ لا مانع من تلقيح البويضة الموهوبة ووضعها في رحم الزوجة. لكنّه شدّد على ضرورة الحذر في التعامل مع موضوع النسب.

من جهته، لا يبدو رجل الدين آية الله محمد حسيني شاهرودي بعيداً في وجهة نظره عن وجهة النظر الآنف ذكرها. ويرى أنّ لا مشكلة في حال لم يعقد قران المتبرّعة والزوج، طالما لا يوجد في الأمر معصية. ويقول إنّ الطفل هو للزوجَين شرعاً، مستنداً إلى الآية القرآنية "إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم".

وفي اتصال هاتفي أجرته "العربي الجديد" مع مكتب المرجع الديني علي السيستاني، شدّد المعنيّون على "ضرورة الحذر في اتخاذ خطوات من هذا النوع، وضرورة إيفاء الحقوق بين الطرفين". ورأوا أنّ "لا مانع من إجراء حلول من هذا القبيل". ورداً على سؤال حول ضرورة عقد قران لمدة 72 ساعة وغيابياً، أشاروا إلى "عدم ضرورة الأمر، إذ لا يوجد تعارف ولا تماس بين الطرفَين. بالتالي لا ضرورة لأن تكون المتبرّعة مطلقة، طالما أنّ ذلك من شأنه حلّ مشكلة كثيرين".

على الرغم من كلّ ذلك، ما زال كثيرون يرون في الأمر حلاً جدلياً، بينما يؤكّد آخرون على أنّه مخرج لأزمة أزواج عدّة، إذ لا يتناقض مع الشرع، بحسب البعض.

دلالات