في اللحظة نفسها التي كان يدخل فيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض، يوم الثلاثاء، كان مجلس الشيوخ يعقد جلسة للبت بمشروع قرار يقضي بوقف المشاركة العسكرية الأميركية في حرب السعودية على اليمن خلال شهر، ما لم يعطِ الكونغرس تفويضاً بها.
ومع أنّ مجلس الشيوخ فشل عند التصويت على القرار، (55 رافضون ضد 44 موافقين)، بعد تدخّل الإدارة الأميركية بشخص وزير الدفاع الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس الذي دعا المجلس إلى صرف النظر عنه، إلا أنّ التزامن بين الجلسة واستقبال الأمير، جاء ليعكس مدى انقسام أهل القرار في واشنطن، تجاه الزيارة وصاحبها، والتي بدأت وسط حملة دعائية مكثفة لتسويق خطاب ولي العهد وتوجهاته و"شراكته" مع الرئيس دونالد ترامب.
فالتوقيت هذا، انطوى على رسالة خلاصتها، أنّ واشنطن في غالبيتها لا تتعاطى جدياً مع خطاب الأمير وتوجهاته، والصورة التي يجري ترويجها عنه بأنّه "رائد إصلاحي واعد". نهجه الداخلي غير مقبول وقد نال الكثير من الانتقادات، وتعامله مع أزمات المنطقة مرفوض، خاصة في ملف اليمن وحصار قطر، وفي تعامله مع رئيس حكومة لبنان سعد الحريري.
ورغم التحضير الإعلامي – الدعائي المكثّف والفج لزيارة بن سلمان، بقيت الردود تتأرجح بين التحفظ والاعتراض الصريح على خط ولي العهد. المقابلة التي أجراها برنامج "60 دقيقة" الشهير على شبكة "سي بي إس" مع الأمير، وجرى بثّها، مساء الأحد، لم تفلح في تلميع الصورة، ولا خطوات الانفتاح الاجتماعي التي جرى الترويج لها، تمكّنت من تبديل الشكوك السائدة.
فالتناقضات في المشهد السعودي الجديد لافتة أكثر من "التغييرات"؛ فعلى سبيل المثال، لا يستقيم حديث الأمير عن العصرنة، مع توقيف وسجن دعاتها من السعوديين، كما قالت صحيفة "واشنطن بوست". كما لا تستقيم مطاردة رموز الفساد مع ممارسة الحكم المطلق، لأنّ هذا الأخير محكوم في النهاية بالوصول إلى الاستبداد الذي يقود إلى الفساد والإفساد، لحماية نفسه.
كلام كثير من هذا النوع تردّد، حتى قبل وصول ولي العهد إلى واشنطن، ومعظم المآخذ دارت حول حربه اليمنية ومآسيها الإنسانية، والتي لا يؤازره فيها غير البيت الأبيض، ولو أنّ وزير الدفاع جيمس ماتيس تولّى الدفاع عنها، بزعم الحفاظ على العلاقات مع السعودية.
انقسام مجلس الشيوخ تقريباً مناصفة حول هذا الموضوع، يجسّد حجم الخلاف في الموقف من نهج الأمير المستقوي بالرئيس ترامب. ولوحظ أنّ زيارته لم تحظ حتى الآن، بأكثر من تغطية باهتة، رغم كثرة اللقاءات وطول مدة الزيارة (ثلاثة أسابيع)، والحديث عن الصفقات بالمليارات التي تنوي المملكة عقدها مع الشركات الأميركية، والتي نوّه بها ترامب خلال لقطة استقباله ولي العهد في المكتب البيضاوي.
لكن ولي العهد يملك ورقة قابلة للتسويق في واشنطن: إيران. خاصة الآن بعد التغييرات الأخيرة واختيار مايك بومبيو لوزارة الخارجية. تحوّل يؤشّر إلى ترجيح كفة تنصّل ترامب من الاتفاق النووي، في حال تعذّر التوافق مع الأوروبيين على "ملحق" يعالج مآخذ ترامب على الاتفاق (وضع قيود على البرنامج الصاروخي الإيراني، توسيع نطاق الرقابة على النووي، وإدامة منع طهران من معاودة نشاطها النووي)، والأرجح أنّ ترامب، قرّر الخروج من الاتفاق النووي الإيراني، في 12 مايو/أيار المقبل، حسب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور بوب كوركر.
وبالرغم من توجسّها من طهران ودورها في المنطقة، تؤثر معظم الدوائر الأميركية، عدم المساس بالاتفاق النووي. لكن ترامب الذي تفرّد بقرار القمة مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والذي هاتف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتهنئته بفوزه في انتخابات الرئاسة، خلافاً لنصيحة مستشاره للأمن القومي إتش آر مكماستر، يبدو عازماً على ترجمة تهديده بترك الاتفاق النووي مع إيران، وقد يكون ذلك أفضل هدية يعود بها ولي العهد السعودي من زيارته الأميركية.