وليم بليك.. قصائد ونصوص بصرية موازية

09 سبتمبر 2019
(مقطع من أحد أعمال المعرض، مقتنيات جامعة مانشستر)
+ الخط -

في عام 1863، صدرت الطبعة الأولى من كتاب "حياة وليم بليك" للكاتب البريطاني ألكسندر غليشرست، والذي سيشكّل أول مرجع يعود إليه الباحثون لدراسة آثار الشاعر الإنكليزي (1757 - 1827)، حيث استعاد خلاله تجربته في الرسم التي كادت أن تنسى آنذاك.

لم يلتحق صاحب "أغاني البراءة والتجربة" بالمدرسة، لكنه تعلّم الرسم والحفر في صغره، وعمل في "الأكاديمية الملكية" التي كان غير معجب بتقاليدها الصارمة، وهذا ليس غريباً عنه وهو الذي انحاز إلى الثورتين الفرنسية والأميركية في فترة عاشت بريطانيا نظاماً سياسياً محافظاً.

يُفتَتح بعد غد الأربعاء، في "متحف تيت" بلندن معرض حول وليم بليك الفنان، والذي يتواصل حتى الثاني من شباط/ فبراير المقبل، ويضمّ أعماله الفنية وبعض نصوصه التي ابتكر طريقة لحفرها بجوار رسوم توضيحية.

من المعرضجرى الالتفات نقدياً إلى تجربته الفنية التي لم تجد رواجاً تجارياً إلا بعد رحيله بسنوات طويلة، والتي تتنوّع بين محاكاته للطبيعة وتمثيله لتشريح الجسد الإنساني، وبين تصويره عوالم متخيّلة تحيا فيها كائنات غريبة في شكلها وتكوينها، ضمن اختباره بصرياً ونظرياً للعديد من الأفكار الفلسفية والتصوّرات الروحانية في حياته.

يحتوي المعرض أكثر من ثلاثمئة عملٍ تعيد اكتشاف بليك كفنان بصري في القرن الحادي والعشرين، وتبرز جديته في ممارسة الفن الذي عبّر من خلاله عن الاضطرابات التي عايشها، ورؤيته تجاه الثورات والحروب ومواقفه السياسية المتقدّمة المنحازة للحرية.

يستعيد المنظّمون معرضه الوحيد الذي أقامه عام 1809 في غرفة صغيرة في منزله، ومثّل محاولته الوحيدة ليقدّم نفسه كفنان في الأوساط الثقافية الإنكليزية، كما يجري تسليط الضوء على أفكاره حول جداريات كبيرة الحجم لم يتمكّن من تنفيذها، وكذلك رسوماته التوضيحية التي احتوتها معظم مؤلّفاته، والتي سعى أن تشكّل نصاً موازياً عبر طرحٍ شديد الخصوصية والغموض للتعبير عن أفكاره الشعرية، كما في لوحتي "الخلود" و"الحكمة".

ثنائية الروح والجسد كانت الثيمة الأساسية التي قدّمها بليك في شعره وفنونه أيضاً، حيث السؤال عن ماهية كلّ منهما، والعلاقة الجدلية بينهما وكيفية خلاص الروح من الجسد لحظة الموت، وهي التي استحوذت على تفكيره في العديد من الأعمال، وكذلك تأثره بفكرة "القرين" المستمدّة من التصوير المصري القديم، إلى جانب تصويره فكرة الخطيئة الأولى، وهو الموضوع الذي عبّر عنه العديد من الفنانين في عصره.

يُخصَّص قسم من المعرض للإضاءة على عمله الشعري المركزي "أغاني البراءة والتجربة"، والذي طبعه بنفسه سنة 1789 ثم أعاد طبعة بعد خمسة أعوام، وأولى الطبعات منه في أوروبا، والرسوم المصوّرة التي ضمّنها المجموعة، وكيفية تلقيها نقدياً في عدد من الكتابات حوله.

تنزع معظم رسومات بليك، التي تنتمي إلى الفن القوطي، إلى تقديم تمثيلات للنور والظلام والخير والشر والجمال والقبح، ضمن توظيف للعديد من المعتقدات الدينية والميثولوجيا القديمة والنصوص الأدبية خاصة لجون ميلتون ودانتي أليغييري، لكن ضمن براعة عالية في التنويع في الأسلوب وغنى المفردات البصرية والتقنيات المستخدمة.

تتفاوت القراءات لسيرة بليك؛ حيث تضعه بين الجنون والعبقرية، لكن المؤكّد هو أن الاختلاف حول قيمته الأدبية والفنية جعله موضع اهتمام كبير خلال القرن الماضي، حيث تفضي كلّ استعادة له إلى خلاصات جديدة لم تكن متداولة من قبل.

المساهمون