وليد المصري: شجرة نذور اسمها سورية

12 أكتوبر 2016
(من لوحات المعرض)
+ الخط -

هناك فئة من الفنّانين يدفعونك إلى البحث في ما وراء الشكل في منتجهم الإبداعي. تعتمد أعمالهم في بنائها، ظاهرياً، على التقشّف والاختصار وتكرار العنصر الواحد، وتحمل في باطن مفرداتها تأوليات رمزية تعكس روح المرحلة التي يعيشها الفنان. وليد المصري ينتمي إلى تلك الفئة.

في "شرنقة"، معرضه المقام حالياً في "غاليري كريم" في عمّان والذي يتواصل حتى نهاية الشهر الجاري، يدعونا التشكيلي السوري اللبناني إلى عالمه الخاص؛ عالم تسوده في الظاهر مفردات مستمدّة من الطبيعة (شجرة وشرنقة).

قد يبدو لنا، للوهلة الأولى، أن تلك المفردات لا تحمل بالضرورة دلالات خارج حدودها الوجودية كحال الأعمال التي تضع التجريد نصب عينها. لكن المتابعة المتمعّنة لأعمال الفنان تجعلنا نستشفّ رمزية مبطّنة في مفردات العمل، وإن كان الإخلاص، في اللوحة، للقيم التشكيلية يأتي في المقام الأول.

"لا يمكن إنكار الرمزية في هذه المجموعة لأنها تمثل جزءاً هاماً من تشّكل وولادة هذه الأعمال، ولكني لا أعتمد عليها أبداً في عملية بناء العمل بمعناه التشكيلي. أعمل على أن تكون للعمل هوية وحضور دون الالتفات، بالضرورة، إلى الرمز في داخله، وإن فهمنا اللوحة بمعناها الرمزي تكون تلك إضافة قيمة للعمل وليست الحامل الأساسي له" يقول وليد المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".

الشجرة عند المصري (1979) ثيمة قديمة/ جديدة، اشتغل عليها منذ بداية احترافه الفني ليعود عليها أخيراً، بعد أن مرّ بتجارب وانشغالات على عناصر أخرى، أبرزها الكرسي، وسمت تجربة الفنان الممتدة لأكثر من عشرة أعوام.

أما الشرانق فتعدّ، إلى جانب الأطفال في مجموعة "مفقود"، مفردات جديدة نسبياً في تجربة الفنان، تسللّت إلى أعالمه بعد أن اشتعلت الأحداث في سورية. رسمها الفنان في البداية كعناصر أساسية ووحيدة في اللوحة. لتتشارك لاحقاً فضاء اللوحة مع مفردة الشجرة.

الشرانق المحاطة بهالات من النور تستدعي، بشكل غير شعوري، صورة الشهيد/ الكفن. ربما اختار الفنان أن يعلقها على الشجرة ليضيف بعداً رمزياً، روحانياً آخر بتشابهها مع شجرة النذور.

"تتقارب إذن دلالة المفردات التشكيلية من هيئة الحويصلات "الجنينية ـ الشرنقية" تتراص وتتجمع وفق ثريا عنقودية، منطوية على نفسها... مستحضرة بدرجة ما بعض المجمعات الطبيعية على غرار حجيرات نشاط مجتمع النحل، والمعلق في فراغ الغابة البكر"، يشرح الفنان التشكيلي والباحث الفرنسي اللبناني، أسعد عرابي، الذي يقدّم للمعرض في نص "تحوّل المفردة التشكيلية من كفن الجنين إلى الشرنقة وبالعكس"، ويضيف: "إذا كانت حساسية فناننا الرهيفة بالنتيجة وليدة ألغاز لوحته، فهي بدورها ترفض خيانة ذاكرتها الجريحة، عصية على كتم أنفاس وصور المأساة القيامية في بلده البعيد القريب".

الأصفر، الترابي، الأزرق هي ألوان أساسية في بناء لوحة المصري، أما الأسود فهو البطل الرئيسي في مزّاجته. يفرش الفنان ألوانه على فضاء اللوحة، يراكمها بشفافية تارة وبكثافة تارة أخرى ليبدأ رحلة البحث عن عناصره. هو لا يقرّر مسبقاً ما يريد رسمه وإن كان الاستقرار في النهاية على الموضوعة التي تشغله. "ليس الفنان أسيراً لتصور مسبق عن لوحة ستنجز قريباً، بل يترك مساحة واسعة لصدق التعبير مضاءة بخبرته التقنية وغايته التشكيلية التي تتكون في لحظة التفاعل مع اللوحة" تشرح النحاتة، نور عسلية، عن آلية العمل عند المصري في النص المرافق للمعرض.

حتى لو لم تكن نية الفنان، في هذه المجموعة، الإشارة المباشرة على المأساة السورية المستمرة، غير أن حضور الشرنقة المعلقة على الشجر يستحضر في ذاكرة السوريين، المثقلة بالجراح، صورة الموت.


المساهمون