01 سبتمبر 2019
ولنا في الانتظار حياة
وصف الله الإنسان في القرآن بالعجلة: "وكان الإنسان عجولاً"، "ولقد خلقنا الإنسان من عجل"، وما بين التأني والعجلة يحتاج الإنسان إلى الصبر، والصبر يساوي الانتظار..
فلسفة الحياة القائمة على انتظار الأشياء مرهقة لبني آدم، فهذه تنتظر رسالة من حبيب، وذاك ينتظر مقابلة العمل لأجل التوظيف، والطالب ينتظر بفارغ صبره نهاية السنة الدراسية، والموظف عينه على نهاية الشهر لاستلام الراتب، والمتزوج ينتظر مولوده الأول، الانتظار رحلة الحياة؟ أم رحلة الحياة محطات فيها انتظار؟ أم أنها تحتاج للأمرين، وتنقضي الرحلة ما بين انتظار، أو محطة انتظار.
لقد قرأتُ في إحدى الصحف العراقية التي كانت تصدر بعد الاحتلال قصة قصيرة جداً، حدثت في شمال العراق، وما زلْتُ أذكر أنها في السليمانية، أن شاباً تقدم لخطبة فتاة يحبها فرفض أبوها تزويجه، ولَم تنفع المحاولات مع والد الفتاة، وبقي يعد الأيام والأسابيع بل الأشهر والسنوات ويطوي الأيام طياً ما بين انتظار وانتظار، يرتفع الأمل بقرب اللقاء، وينعدم الأمل.
يبدو أن الله كتب عليهما الفراق إلى الأبد، يمضي في شؤون حياته يعمل ويجتهد وعينه على الطريق، لقد مضت عقود كثيرة وهو لا يبرح مكانه منتظراً، فالمؤمن بالحب غير من يدعيه، وشتان ما بين مؤمن ومدعي الإيمان، فالإيمان إذا خلطت بشاشته القلوب لا يستطيع أن يمحيه ماحٍ عن الوجود، لم يقطعِ الأمل إطلاقاً، وإن جاءته فتراتٌ من اليأس، لكنه كان يقتل اليأس بحشد من الأمل، وبعد عقود طويلة توفي الأب، والشاب الذي كان في العشرين هو اليوم قد شارف على الثمانين عاماً، لكن الحلم ما زال يراوده، فساعةٌ قبل الرحيل مع من تحب، تمحي ثمانية عقود من بؤس الفراقِ وألمه، فحلاوة العناق بعد قطيعة لها طعم يفرق عن العناق الذي يأتي بعد عناق بشكل مستمر.
العجلة من الشيطان والتأني من الإيمان، الإفراط في العجلة إشكالية كبرى، والمبالغة في التأني مغالاة، نحن نحتاج إلى اعتدال في كل شيء، والحياة التي تقوم على الاعتدال والتوسط تكون حياة هادئة جميلة ممتعة.
الانتظار مليء بالمرارة والحسرة، بل تتقطع الأنفس في لحظاته، يكون جميلاً حين تأتيك رسالة إيجابية من حبيب، أو ترسل لك الشركة موعد المقابلة للعمل، أو تأتيك منحة مالية من الدولة، الحصول على الأشياء بسرعة مفرطة يفقدك لذة الوصول.
يبدو الانتظار قدراً مفروغاً منه، ولا مفر منه في رحلة الحياة، وفِي كل شيء ثمة انتظار حتى عند بائع الخبز، وعند صانعة الطعام.
ما يؤلم الإنسان، ويجعله يفرط في اليأس ويكره الانتظار، بل يصل بالبعض أن يشتمه في كثير من الأحيان، هو انتظار الأشياء التي لا تأتي، أو تستحيل عودتها، كمن ينتظر عودة ميت من مقبرة، ضرب من الخيال، ورجمٌ في الغيب، الانتظار قاسٍ جداً في هذه المشاهد ومؤلم جداً، ومجرد تصور الأمر، يعطيك جرعةً من اليأس، أو من ينتظر أشياء يصعب الحصول عليها، حين يتآمر عليك القدر مع واقع الحياة المضني، كمن يحب فتاةً مدة من الزمن، فتتغلل إلى أعماق قلبه، وعند المحطة الأخيرة يتبين أن أهل هذه الفتاة على ثأر مع أهله، هنا لو كان يباح للإنسان أن يرمي نفسه من شاهق لفعل.
رفقاً بنفسك يا صديقي، فرحلتنا في الحياة طويلة، ولكي أخفف عنك عناء الطريق، أقترحُ عليك أن تستثمر لحظات الانتظار بما يدخل السرور على نفسك، في الطرق الطويل.. تأمل الطبيعة، وفِي المطار.. شاهد حركة الناس، وارتشف رشفة أمل من عناق حبيبين عند أماكن عودة المسافرين، وعند الطبيب.. انظر لفرحة إنسان أخبره الدكتور بأن شفاءه بات قريباً، ولا بأس في انتظار المحطة.. أن تنظر إلى فتاة جميلة عميقة العينين، ينسدل شعرها إلى منتصف جسدها، شاهد انعكاس أشعة الحياة على وجنتيها، بعد ذلك سيكون طريق الرحلة أجمل من الرحلةِ نفسها.
فلسفة الحياة القائمة على انتظار الأشياء مرهقة لبني آدم، فهذه تنتظر رسالة من حبيب، وذاك ينتظر مقابلة العمل لأجل التوظيف، والطالب ينتظر بفارغ صبره نهاية السنة الدراسية، والموظف عينه على نهاية الشهر لاستلام الراتب، والمتزوج ينتظر مولوده الأول، الانتظار رحلة الحياة؟ أم رحلة الحياة محطات فيها انتظار؟ أم أنها تحتاج للأمرين، وتنقضي الرحلة ما بين انتظار، أو محطة انتظار.
لقد قرأتُ في إحدى الصحف العراقية التي كانت تصدر بعد الاحتلال قصة قصيرة جداً، حدثت في شمال العراق، وما زلْتُ أذكر أنها في السليمانية، أن شاباً تقدم لخطبة فتاة يحبها فرفض أبوها تزويجه، ولَم تنفع المحاولات مع والد الفتاة، وبقي يعد الأيام والأسابيع بل الأشهر والسنوات ويطوي الأيام طياً ما بين انتظار وانتظار، يرتفع الأمل بقرب اللقاء، وينعدم الأمل.
يبدو أن الله كتب عليهما الفراق إلى الأبد، يمضي في شؤون حياته يعمل ويجتهد وعينه على الطريق، لقد مضت عقود كثيرة وهو لا يبرح مكانه منتظراً، فالمؤمن بالحب غير من يدعيه، وشتان ما بين مؤمن ومدعي الإيمان، فالإيمان إذا خلطت بشاشته القلوب لا يستطيع أن يمحيه ماحٍ عن الوجود، لم يقطعِ الأمل إطلاقاً، وإن جاءته فتراتٌ من اليأس، لكنه كان يقتل اليأس بحشد من الأمل، وبعد عقود طويلة توفي الأب، والشاب الذي كان في العشرين هو اليوم قد شارف على الثمانين عاماً، لكن الحلم ما زال يراوده، فساعةٌ قبل الرحيل مع من تحب، تمحي ثمانية عقود من بؤس الفراقِ وألمه، فحلاوة العناق بعد قطيعة لها طعم يفرق عن العناق الذي يأتي بعد عناق بشكل مستمر.
العجلة من الشيطان والتأني من الإيمان، الإفراط في العجلة إشكالية كبرى، والمبالغة في التأني مغالاة، نحن نحتاج إلى اعتدال في كل شيء، والحياة التي تقوم على الاعتدال والتوسط تكون حياة هادئة جميلة ممتعة.
الانتظار مليء بالمرارة والحسرة، بل تتقطع الأنفس في لحظاته، يكون جميلاً حين تأتيك رسالة إيجابية من حبيب، أو ترسل لك الشركة موعد المقابلة للعمل، أو تأتيك منحة مالية من الدولة، الحصول على الأشياء بسرعة مفرطة يفقدك لذة الوصول.
يبدو الانتظار قدراً مفروغاً منه، ولا مفر منه في رحلة الحياة، وفِي كل شيء ثمة انتظار حتى عند بائع الخبز، وعند صانعة الطعام.
ما يؤلم الإنسان، ويجعله يفرط في اليأس ويكره الانتظار، بل يصل بالبعض أن يشتمه في كثير من الأحيان، هو انتظار الأشياء التي لا تأتي، أو تستحيل عودتها، كمن ينتظر عودة ميت من مقبرة، ضرب من الخيال، ورجمٌ في الغيب، الانتظار قاسٍ جداً في هذه المشاهد ومؤلم جداً، ومجرد تصور الأمر، يعطيك جرعةً من اليأس، أو من ينتظر أشياء يصعب الحصول عليها، حين يتآمر عليك القدر مع واقع الحياة المضني، كمن يحب فتاةً مدة من الزمن، فتتغلل إلى أعماق قلبه، وعند المحطة الأخيرة يتبين أن أهل هذه الفتاة على ثأر مع أهله، هنا لو كان يباح للإنسان أن يرمي نفسه من شاهق لفعل.
رفقاً بنفسك يا صديقي، فرحلتنا في الحياة طويلة، ولكي أخفف عنك عناء الطريق، أقترحُ عليك أن تستثمر لحظات الانتظار بما يدخل السرور على نفسك، في الطرق الطويل.. تأمل الطبيعة، وفِي المطار.. شاهد حركة الناس، وارتشف رشفة أمل من عناق حبيبين عند أماكن عودة المسافرين، وعند الطبيب.. انظر لفرحة إنسان أخبره الدكتور بأن شفاءه بات قريباً، ولا بأس في انتظار المحطة.. أن تنظر إلى فتاة جميلة عميقة العينين، ينسدل شعرها إلى منتصف جسدها، شاهد انعكاس أشعة الحياة على وجنتيها، بعد ذلك سيكون طريق الرحلة أجمل من الرحلةِ نفسها.