ولادة 5 أحزاب جديدة في العراق: استنساخ بلا مشاريع

15 مايو 2017
بعض الأحزاب مسلحة وترتبط بمليشيات نافذة (بولنت كليش/فرانس برس)
+ الخط -
في ثاني إعلان من نوعه في غضون أقل من شهر، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية في بغداد الموافقة على قبول اعتماد أوراق خمسة أحزاب جديدة تأسست في العراق أخيراً. وترغب هذه التنظيمات بالمشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة نهاية العام الحالي، ما يرفع عدد الأحزاب والكتل والحركات السياسية في العراق بشكل عام، بما فيها إقليم كردستان، إلى نحو 330 كياناً سياسياً. وتتميز الغالبية العظمى لهذه الأحزاب بالطابع الديني، كما أن لدى 30 بالمائة منها أجنحة مسلحة ترتبط بمليشيات نافذة وتشكل جزءاً من المشهد العسكري والأمني في العراق وكذلك في سورية.

وأعلنت "مفوضية الانتخابات"، في بيان، "المصادقة على منح إجازة تأسيس لأحزاب جديدة، وهي حزب سور العراق، وحركة 15 شعبان الإسلامية، وتجمّع الأمل، وتيّار العدالة والنهوض، والتجمع الشعبي المستقل". وأكدت أنّ "هذه الأحزاب استكملت جميع الإجراءات والتعليمات الصادرة عن المفوضية وقواعد السلوك، وفقاً لفقرات قانون الأحزاب السياسية المشرّع من قبل البرلمان". ولم يظهر في خارطة الأحزاب الجديدة أي تغير في الأيديولوجية والفكر عن الأحزاب التي دخلت العراق بعد عام 2003، إذ إنّ محور تلك الأحزاب (الجديدة) يدور حول نفس الفكر الديني والطائفي للأحزاب الرئيسية في البلاد وهي حزب الدعوة الإسلامية والحزب الإسلامي العراقي، والتي تكرّس لمنظور ديني سياسي على أساس الطائفة.

وتشكّل الأحزاب الدينية في العراق نسبة تزيد عن 80 بالمائة لتبقى الأحزاب الأكبر في البلاد، بينما تبقى الأحزاب العلمانية منكمشة على نفسها ولم تحصل على انتشار لفكرها. وهي تراوح بين ائتلاف الوطنية والحزب الشيوعي العراقي والتجمع الديمقراطي وبعض الأحزاب الصغيرة ولا تشكل سوى نسبة 10 بالمائة فقط. ولا تزال الأحزاب القومية، سواء كانت عربية أم كردية أم تركمانية، ضعيفة، مع نسبة تأييد شعبي لا تزيد عن 8 بالمائة.

ومع اقتراب موعد الانتخابات، لجأت الأحزاب الدينية الكبيرة إلى أسلوب توزيع أنصارها على تكتلات وأحزاب صغيرة بأسماء جديدة، في محاولة لتحقيق فوز في الانتخابات المقبلة، ومن ثم اجتماعها تحت ائتلاف الحزب الواحد، ليستمر الحكم بيد تلك الأحزاب. ويحذّر مراقبون من خطورة استمرار هذا الفكر الأيديولوجي الديني الطائفي على العراق، والذي تغذيه دول إقليمية وتربطه روابط وثيقة بدول في المنطقة، والذي يجذّر للفكر الطائفي في العراق ويربط البلد بالصراعات الطائفية في عموم المنطقة. وفي هذا السياق، أكد رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني البرلمانية، عرفات كرم، أنّ "كثرة الأحزاب السياسية تدل على أنّ الأحزاب القديمة (الكبيرة) ذات الفكر الديني والأيديولوجي، بدأت تخشى على مستقبلها السياسي من نمو التيار المدني العلماني والذي بدأ يشق طريقه ويحظى بقبول في الشارع العراقي". وأوضح كرم، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "الخوف دفع تلك الأحزاب إلى تشكيل أحزاب صغيرة بأسماء جديدة، لأنّ أسماءها أصبحت مشوهة عند الشارع العراقي بسبب سياساتها غير المقبولة والتي لم تحقق شيئاً للشعب". وبيّن أن "تلك الأحزاب الصغيرة ستدخل الانتخابات ومن ثم تنضم من جديد إلى الحزب الأم الذي تتبعه، لتبقى نفس الأحزاب مسيطرة على حكم البلاد"، وفق تعبيره.


ومما يثير القلق من تلك الأحزاب الدينية أنّ الكثير منها ترتبط بها مليشيات وفصائل مسلحة تسعى للدخول في الانتخابات، ومنها "سرايا السلام" المرتبطة بكتلة الصدر، و"مليشيات بدر" و"العصائب" و"الخراساني" وهي مرتبطة بتحالف "دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي. كما ترتبط سرايا "عاشوراء" و"الجهاد" بالمجلس الأعلى الإسلامي، وغيرها من الفصائل المختلفة.

ويؤكد الخبير السياسي، غسّان العيسى، أنّ "هذه الأحزاب تعكس حالة من الفوضى في البلد، ستنعكس سلباً على سياسته وأمنه". وقال العيسى، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ "تجربة تعدد الأحزاب أثبتت فشلها في حكم العراق، وإنّ كثرة هذه الأحزاب ستتسبب بحالة من التنازع والخلافات السياسية التي تنذر بمشاكل وأزمات تنتظر البلاد". وأشار إلى أن "هذه الأحزاب هي تراكمات للحكومات التي سيطرت على العراق بعد عام 2003، والتي لا تزال تعمل على تشتيت وتجزئة البلاد، لكي يسهل لها السيطرة عليها، وهي بالفعل لا تزال مسيطرة من خلال العمل السياسي وسياسة ليّ الأذرع عبر قوة مليشياتها المرتبطة بها"، وفق قوله. وأكد أنّ "أغلب الجهات السياسية الداخلة في العملية السياسية في العراق راضية بأسلوب تعدد الأحزاب، لأنّ ذلك يصب بصالح بقائها وتحقيق طموحاتها السياسية".

وتؤكد مفوضية الانتخابات العراقية، أنّ تسجيل الأحزاب الجديدة لن يتوقف إلّا في حال إقالة مفوضية الانتخابات، إذ إنّ مجلس المفوضين هو الجهة المخولة بالمصادقة على تلك الأحزاب. ويعني ذلك أنّ الساحة العراقية مقبلة على إضافة عشرات الأحزاب الجديدة.

وكان البرلمان العراقي قد أقرّ في أغسطس/آب من العام الماضي، قانون تنظيم عمل الأحزاب في البلاد بعد تعطيل دام لعشر سنوات كاملة، وهو ينص على جملة من البنود غالبيتها لا تنطبق على الأحزاب الموجودة حالياً، أو تلك التي تشكلت عقب صدور القانون. وفي هذا الصدد، قال الخبير القانوني العراقي، طارق حرب، في بيان له تعقيباً على إعلان مفوضية الانتخابات إن "أحد أصحاب العقد والحل في الشؤون السياسية أعلن أن عدد الأحزاب التي تم تسجيلها لدى مفوضية الانتخابات بلغ 330 حزباً، ولا نزال بعيدين عن موعد الانتخابات"، مشيراً إلى أن "هذا الرقم قد يتضاعف عند حلول موعد الانتخابات". وتابع أن سبب كثرة الأحزاب في عراق ما بعد الاحتلال هو أن "قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 تساهل كثيراً في تأسيس الأحزاب كما أنه منح الأحزاب امتيازات كبيرة بالإضافة إلى المنافع غير المنظورة التي يجنيها الحزب السياسي"، دون أن يكون له وزن شعبي يُذْكر، وفق قوله.
المساهمون