يكشف تحقيق استقصائي لـ"العربي الجديد"، عن تطورات جديدة في ما يعرف بقضية "الوقود المغشوش" في لبنان، لتتشعب أطراف القضية وتمتد إلى شركات عدة لم تعد شركة سوناطراك الجزائرية هي الطرف الوحيد الفاعل فيها باعتبارها المسؤولة حصراً عن توريد الوقود إلى شركة كهرباء لبنان.
ورغم ظهور القضية إلى العلن في إبريل/ نيسان الماضي، باكتشاف شحنة وقود "مغشوشة"، إلا أن "العربي الجديد" حصلت على معلومات تفيد بأن الشحنات التي وصفت بأنها غير مطابقة للمواصفات، بدأت في الوصول إلى لبنان مع بداية عام 2017، ولم تكن شركة سوناطراك مصدرها الوحيد بل تشعبت المصادر، حتى أن هناك شحنات حملت خليطاً من الوقود من نحو 16 مصدراً مختلفاً.
وتظهر المعلومات والوثائق التي اطلعت عليها "العربي الجديد" أن أطرافاً وشركات عدة شاركت في توريد الوقود إلى شركة كهرباء لبنان، من بينها شركة في دبي بالإمارات العربية المتحدة، فيما أظهرت عمليات تتبع، وفق مسؤولين في بيروت والجزائر، أن هناك شبهات فساد واسعة في عمليات الإمداد التي تشابكت خطوطها، بينما كان العقد المبرم مقتصرا بشكل حصري على عملاق النفط الجزائري.
اقــرأ أيضاً
وبدت سوناطراك في موقف لا تُحسد عليه وحاولت في البداية التوصل إلى تفاهمات لإنهاء الأزمة، لكن إعلانها الأخير بعدم تمديد عقد توريد الوقود مع شركة كهرباء لبنان، الذي ينقضي بنهاية العام الجاري، 2020، يشير إلى أن القضية تأزمت إلى حد عدم الوصول إلى تسوية، بينما جرى فتح تحقيقيات قضائية في البلدين لمعرفة من يقفون وراء "الوقود المغشوش".
وتفيد تفاصيل الصفقة بأن فرع الشركة الجزائرية للمحروقات "سوناطراك" في لندن "سوناطراك بتروليوم كوروبوريشن" المعروف اختصاراً باسم "اس.بي.سي"، هو المخول بتزويد لبنان بزيت الوقود بالاتفاق مع وزارة الطاقة والمياه من خلال شركة "بي.بي اينرجي" في لبنان، على أن يتم وفق العقد وسم الشحنات باسم "سوناطراك".
وتأسست "بي.بي انرجي" في عام 1973 في لبنان وتتخذ من دبي مقرا لها. وتخصصت الشركة في البداية في تجارة منتجات النفط الثقيل بمنطقة البحر المتوسط، بينما توسعت في الآونة الأخيرة لتدخل أسواق الولايات المتحدة وآسيا.
ويقضي العقد الموقع عام 2005، بتزويد شركة كهرباء لبنان بـ1.2 مليون طن من الوقود سنوياً (8.4 ملايين برميل)، و600 ألف طن من الماوزت، واستمرت عمليات التوريد من خلال "بي.بي انرجي" إلى عام 2017، الذي شهد دخول لاعب جديد هو شركة "زد.آر انرجي" لمرافقة ""بي.بي انرجي" في توريد الشحنات. و"زد.آر انرجي" هي شركة لبنانية محدودة ومسجلة أيضا منذ عام 2013، وتتحدد أنشطتها وفق رخصتها بتجارة المشتقات النفطية على أنواعها داخل الدولة وخارجها.
وبدأت إرهاصات ما يعرف بالوقود المغشوش في التكشف، وفق المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، بعد تولي شركة "ميدل إيست باور" اللبنانية إدارة معملين لإنتاج الطاقة بالتعاقد مع كهرباء لبنان.
وللتقصي بشأن الموضوع، اتصلت "العربي الجديد" بمولود، الذي أوضح أنه اكتشف عدم جودة بعض شحنات الوقود التي كانت تصل إلى شركته عندما تسلمت "ميدل إيست باور" مسؤولية إدارة معملي الطاقة عام 2017.
في هذا العام تعرضت "ميدل إيست باور" لمشاكل في شحنة واحدة من زيت الوقود، وفي العام التالي ارتفع عدد الشحنات التي بها شوائب إلى شحنتين، قبل أن تسوء نوعية الوقود المستلم في يناير/ كانون الثاني 2019، وتقرر على أثر ذلك إرسال عينة منها إلى ألمانيا لتحليلها، حيث تبين احتواؤها على مواد محظورة غير طبيعية وأوساخ كيميائية، وتقرر بناء على تلك النتائج عدم صلاحيتها للاستعمال.
اقــرأ أيضاً
وتطورت الأوضاع حيث وصلت شحنة أكثر سوءاً من سابقتها إلى الموانئ اللبنانية، في يوليو/ تموز 2019، وقررت الشركة اللبنانية استقدام خبير ألماني إلى لبنان للكشف عن محتويات العينة، وبعد إرسالها إلى ألمانيا أيضا لتحليلها، اتضح أنها غير مطابقة لمواصفات التشغيل، إذ تحتوي على مواد كيميائية، كما تبين أن عينة الوقود مصدرها ما بين ستة أو سبعة مصادر وليس من إنتاج شركة سوناطراك الأم، وفق مولود.
بل إنه في بعض المرات، كان الوقود خليطاً من نحو 12 مصدراً، ليرجح مدير شركة "ميدل إيست باور"ً أن تكون شركة سوناطراك قد أبرمت عقوداً مع عدة شركات ثانوية، وأن شركات لبنانية هي التي كانت تؤمن هذا الوقود من مصادر متعددة وتأتي به بالبواخر إلى لبنان.
كما كشف مولود وجود بعد آخر للمشكلة تمثل في أن نظام معالجة الوقود في المحطة غير مطابق لمواصفات الوقود الذي تشتريه الدولة اللبنانية، وأن الوقود الذي تشتريه من سوناطراك نوعان، الأول أقل كفاءة من الموجود في التصميم المعتمد بالمعامل، وأنه لم يتم اكتشاف المشكلة بالأساس.
تحرك متأخر
ورغم مرور نحو ثلاث سنوات على توريد شحنات معيبة، إلا أن الشحنة التي وصلت في مارس/ آذار الماضي، كانت السبب الرئيسي في تحرك ملف "الوقود المغشوش" تجاه التحقيقات القضائية، رغم وجود مفاجأة في ملف التحليلات الكيميائية للتأكد من جودة الوقود.
فقد أكد فحص مخبري أجري في مالطا ومديرية النفط في وزارة الطاقة اللبنانية، أن الوقود المورد أخيراً مطابق للمواصفات اللبنانية، بينما أكد فحص آخر، أجري بعد عشرة أيام من وصول الشحنة، من قبل مشغلتين لباخرتي كهرباء ومعملي الذوق والجية الجديدين، أنها تحتوي على مستوى عال من الترسبات، وهو ما يخالف العقد الموقع مع سوناطراك.
وتمت مراسلة وزارة الطاقة بمخالفة الشحنة للمواصفات، كما تم التواصل مع شركة سوناطراك التي أبدت موافقتها على استرداد الشحنة وتكليف شركتين بريطانيتين للتحقيق في القضية.
ويكشف مدير شركة "ميدل إيست باور" أبعاداً جديدة في القضية بالقول إن عقد توريد الوقود الذي تم تجديده أربع مرات منذ عام 2005 لم يكن موقعاً مع شركة سوناطراك الأم وإنما مع"سوناطراك بي في أي"، وهي مسجلة في إحدى مناطق الملاذات الضريبية وتأسست عام 1989، حيث قامت بتوقيع عقدين مع شركتي "بي بي انرجي" و"زد. ار. انرجي" لتوريد الشحنات.
وتضمن العقد أن "تقوم الدولة اللبنانية بفتح اعتماد مستندي قبل عشرة أيام من وصول الباخرة"، وأن "تستقبل الدولة الوقود مهما كانت نوعيته، إذا كان مصادقا على النتائج من دول المصدر وليس عند وصوله إلى لبنان".
وسطاء ورشاوى ضخمة
النائبة اللبنانية بولا يعقوبيان قالت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الجزائر لديها نوعية منتجات وقود أفضل من تلك التي يريدها لبنان، بينما هناك تساؤلات تتعلق بـ"لماذا تمت الاستعانة بأطراف أخرى عن طريق وسطاء من سوناطراك للحصول على هذه النوعية من الوقود؟".
وأضافت أن "ما قيمته 400 مليون دولار جرى توزيعها رشاوى على مسؤولين لبنانيين مقابل السكوت عن العقود". وتابعت أن "شركة بي في أي، استخدمت واجهة مالية تصب أموالاً في حسابات 15 شخصاً لبنانياً".
وتحدثت النائبة عن جانب آخر من القضية، وهو الطرف الموقع للعقد فريد بجاوي (ابن أخ وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد بجاوي)، وشكيب خليل وزير الطاقة الجزائري الأسبق، والطريقة التي مكنت بجاوي من الحصول على الجنسية اللبنانية رغم صدور مذكرة توقيف بحقه وملاحقته بالجزائر وإيطاليا، وأن الأمن العام أبلغ رئاسة الجمهورية بخصوص ملاحقته، ورغم ذلك تم الإصرار على تجنيسه، ما يطرح العديد من التساؤلات حول الجهة التي تدعمه.
وأشارت يعقوبيان إلى "وجود رؤوس كبيرة متورطة في ملف الوقود المغشوش، يمكن للقضاء الجزائري المساهمة في كشفها للرأي العام العالمي واللبناني على وجه الخصوص". واتصلت "العربي الجديد" بالوزير الأسبق شكيب خليل لسؤاله بشأن التهم الموجهة إليه من قبل النائب اللبنانية، غير أنه رفض الرد على مختلف الرسائل والاتصالات.
ونشر خليل على حسابه في فيسبوك بيانا يكذب فيه ما سماها "ادعاءات مست بشخصه بخصوص صفقات توريد زيت الوقود إلى لبنان"، محتفظا بحق المتابعة القضائية في حق الإعلام المحلي الذي تناول الخبر.
وأوقف القضاء اللبناني مسؤولين وموظفين حكوميين بتهم تلقي رشاوى وتغيير تقارير، وادعت النيابة العامة على 21 شخصا، بينهم موظفون حكوميون، في قضية استيراد الوقود المغشوش.
بينما تحدث الإعلام اللبناني عن الاستثمار السياسي في القضية، لأن التيار العوني الحاكم (التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ميشال عون)، مفجر القضية، يصوب على فريقين سياسيين، هما "تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية، على خلفية قرب سركيس حليس، المدير العام لشركة منشآت النفط في لبنان، منه، وعلى حزب القوات اللبنانية، على خلفية قرب شركة "زد. ار. انرجي" منه.
ويرد الفريقان على ذلك بأن المسؤولية تقع على وزارة الطاقة التي يتولاها التيار الوطني الحر منذ 10 سنوات، واعتبرا ما يجري محاولة لإقحام الطرفين في القضية لأسباب سياسية، في وقت لم يتم استدعاء أي وزير للطاقة للتحقيق معه.
سوناطراك تنفي
على صعيد ذي صلة، قالت مصادر داخل شركة سوناطراك من العاصمة الجزائر لـ"العربي الجديد"، إن التحقيقات الأولية التي باشرتها الشركة بشأن ملف "الوقود المغشوش" أكدت "عدم خروج هذه الشحنات من شركة سوناطراك الأم، وأن الشركة لا يمكن أن تغامر بسمعتها مقابل شحنات بقيمة 7 ملايين دولار سنوياً، وخصوصا أنها تتعامل مع كبريات الشركات الأجنبية". وأضافت المصادر أن لدى سوناطراك "شركات مراقبة متعددة تسهر على مطابقة كل الشحنات مع المعايير المتعامل بها دولياً قبل خروجها من المواقع".
وتحتل شركة سوناطراك المركز الـ12 في ترتيب شركات النفط في العالم، حسب التقرير الدولي لأفضل شركة نفط عام 2004، كما تحتل المركز الأول في أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال وثالث مصدر للغاز الطبيعي في العالم.
وقال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب لـ"العربي الجديد"، إن الوثائق التي اطلع عليها، تؤكد عدم صحة ما تم تداوله حول القضية، مضيفا أن "الأمر لدى القضاء حالياً للفصل فيه وسيتم الكشف عن الحقيقة".
وكان المسؤول في الرئاسة الجزائرية محمد السعيد، قد قال في تصريحات صحافية في 20 مايو/ أيار الماضي، إن فضيحة الوقود المغشوش "قضية لبنانية داخلية، والدولة الجزائرية غير متورطة وغير معنية، وهناك شركة تجارية تابعة لسوناطراك، هي التي باعت الوقود".
وأضاف السعيد أن "رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمر وزارة العدل بفتح تحقيق في ملابسات القضية، وإذا ثبت تورط أشخاص، فالقضاء سيحاسبهم، لكن المؤكد أن الدولة الجزائرية لا علاقة لها بالقضية".
وبعد إثارة القضية في لبنان، أصدرت "سوناطراك" بياناً وصفت فيه ما نقلته الصحف اللبنانية بأنه "ادعاءات غير صحيحة وكاذبة"، وقالت إن "قضية الوقود المغشوش تتعلق بخلاف يعود إلى 30 مارس/ آذار الماضي، عندما تلقت سوناطراك إشعاراً من وزارة الكهرباء والمياه اللبنانية، بخصوص عيب في النوعية لإحدى شحنات الوقود المسلَّمة لشركة كهرباء لبنان بتاريخ 25 من الشهر ذاته".
وتوقعت الشركة حينها "تسوية فعلية ونهائية لهذه الوضعية قريباً، نظراً للعلاقات المتميزة التي تربط الطرفين"، مشيرة إلى احترام التزاماتها التعاقدية في ما يخص التموين لشركة كهرباء لبنان، لكنها عادت وأرسلت خطابا إلى وزارة الطاقة اللبنانية في الرابع من يونيو/ حزيران الجاري، تخطرها فيه بعدم تجديد عقد توريد الوقود الذي ينقضي بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2020.
عبد المجيد عطار، المدير العام السابق لمجمع سوناطراك (1997 إلى 2000)، قال لـ"العربي الجديد": "من الواجب تحديد المسؤوليات في هذه القضية، وهل خرج الوقود مغشوشا من شركة سوناطراك من موانئ الجزائر، أم أنه مستورد من دول أخرى، أم أنه أصبح مغشوشا في الطريق إلى لبنان أو لدى وصوله؟".
وأشار عطار إلى أن ناقلات النفط تتم مراقبتها عند الشحن من طرف شركات مراقبة مستقلة بخصوص النوعية والكمية وتقديم محضر حول النوعية والكمية قبل مغادرتها الموانئ وبعدها.
ورغم ظهور القضية إلى العلن في إبريل/ نيسان الماضي، باكتشاف شحنة وقود "مغشوشة"، إلا أن "العربي الجديد" حصلت على معلومات تفيد بأن الشحنات التي وصفت بأنها غير مطابقة للمواصفات، بدأت في الوصول إلى لبنان مع بداية عام 2017، ولم تكن شركة سوناطراك مصدرها الوحيد بل تشعبت المصادر، حتى أن هناك شحنات حملت خليطاً من الوقود من نحو 16 مصدراً مختلفاً.
وتظهر المعلومات والوثائق التي اطلعت عليها "العربي الجديد" أن أطرافاً وشركات عدة شاركت في توريد الوقود إلى شركة كهرباء لبنان، من بينها شركة في دبي بالإمارات العربية المتحدة، فيما أظهرت عمليات تتبع، وفق مسؤولين في بيروت والجزائر، أن هناك شبهات فساد واسعة في عمليات الإمداد التي تشابكت خطوطها، بينما كان العقد المبرم مقتصرا بشكل حصري على عملاق النفط الجزائري.
وبدت سوناطراك في موقف لا تُحسد عليه وحاولت في البداية التوصل إلى تفاهمات لإنهاء الأزمة، لكن إعلانها الأخير بعدم تمديد عقد توريد الوقود مع شركة كهرباء لبنان، الذي ينقضي بنهاية العام الجاري، 2020، يشير إلى أن القضية تأزمت إلى حد عدم الوصول إلى تسوية، بينما جرى فتح تحقيقيات قضائية في البلدين لمعرفة من يقفون وراء "الوقود المغشوش".
وتفيد تفاصيل الصفقة بأن فرع الشركة الجزائرية للمحروقات "سوناطراك" في لندن "سوناطراك بتروليوم كوروبوريشن" المعروف اختصاراً باسم "اس.بي.سي"، هو المخول بتزويد لبنان بزيت الوقود بالاتفاق مع وزارة الطاقة والمياه من خلال شركة "بي.بي اينرجي" في لبنان، على أن يتم وفق العقد وسم الشحنات باسم "سوناطراك".
وتأسست "بي.بي انرجي" في عام 1973 في لبنان وتتخذ من دبي مقرا لها. وتخصصت الشركة في البداية في تجارة منتجات النفط الثقيل بمنطقة البحر المتوسط، بينما توسعت في الآونة الأخيرة لتدخل أسواق الولايات المتحدة وآسيا.
ويقضي العقد الموقع عام 2005، بتزويد شركة كهرباء لبنان بـ1.2 مليون طن من الوقود سنوياً (8.4 ملايين برميل)، و600 ألف طن من الماوزت، واستمرت عمليات التوريد من خلال "بي.بي انرجي" إلى عام 2017، الذي شهد دخول لاعب جديد هو شركة "زد.آر انرجي" لمرافقة ""بي.بي انرجي" في توريد الشحنات. و"زد.آر انرجي" هي شركة لبنانية محدودة ومسجلة أيضا منذ عام 2013، وتتحدد أنشطتها وفق رخصتها بتجارة المشتقات النفطية على أنواعها داخل الدولة وخارجها.
وبدأت إرهاصات ما يعرف بالوقود المغشوش في التكشف، وفق المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، بعد تولي شركة "ميدل إيست باور" اللبنانية إدارة معملين لإنتاج الطاقة بالتعاقد مع كهرباء لبنان.
وللتقصي بشأن الموضوع، اتصلت "العربي الجديد" بمولود، الذي أوضح أنه اكتشف عدم جودة بعض شحنات الوقود التي كانت تصل إلى شركته عندما تسلمت "ميدل إيست باور" مسؤولية إدارة معملي الطاقة عام 2017.
في هذا العام تعرضت "ميدل إيست باور" لمشاكل في شحنة واحدة من زيت الوقود، وفي العام التالي ارتفع عدد الشحنات التي بها شوائب إلى شحنتين، قبل أن تسوء نوعية الوقود المستلم في يناير/ كانون الثاني 2019، وتقرر على أثر ذلك إرسال عينة منها إلى ألمانيا لتحليلها، حيث تبين احتواؤها على مواد محظورة غير طبيعية وأوساخ كيميائية، وتقرر بناء على تلك النتائج عدم صلاحيتها للاستعمال.
وتطورت الأوضاع حيث وصلت شحنة أكثر سوءاً من سابقتها إلى الموانئ اللبنانية، في يوليو/ تموز 2019، وقررت الشركة اللبنانية استقدام خبير ألماني إلى لبنان للكشف عن محتويات العينة، وبعد إرسالها إلى ألمانيا أيضا لتحليلها، اتضح أنها غير مطابقة لمواصفات التشغيل، إذ تحتوي على مواد كيميائية، كما تبين أن عينة الوقود مصدرها ما بين ستة أو سبعة مصادر وليس من إنتاج شركة سوناطراك الأم، وفق مولود.
بل إنه في بعض المرات، كان الوقود خليطاً من نحو 12 مصدراً، ليرجح مدير شركة "ميدل إيست باور"ً أن تكون شركة سوناطراك قد أبرمت عقوداً مع عدة شركات ثانوية، وأن شركات لبنانية هي التي كانت تؤمن هذا الوقود من مصادر متعددة وتأتي به بالبواخر إلى لبنان.
كما كشف مولود وجود بعد آخر للمشكلة تمثل في أن نظام معالجة الوقود في المحطة غير مطابق لمواصفات الوقود الذي تشتريه الدولة اللبنانية، وأن الوقود الذي تشتريه من سوناطراك نوعان، الأول أقل كفاءة من الموجود في التصميم المعتمد بالمعامل، وأنه لم يتم اكتشاف المشكلة بالأساس.
تحرك متأخر
ورغم مرور نحو ثلاث سنوات على توريد شحنات معيبة، إلا أن الشحنة التي وصلت في مارس/ آذار الماضي، كانت السبب الرئيسي في تحرك ملف "الوقود المغشوش" تجاه التحقيقات القضائية، رغم وجود مفاجأة في ملف التحليلات الكيميائية للتأكد من جودة الوقود.
فقد أكد فحص مخبري أجري في مالطا ومديرية النفط في وزارة الطاقة اللبنانية، أن الوقود المورد أخيراً مطابق للمواصفات اللبنانية، بينما أكد فحص آخر، أجري بعد عشرة أيام من وصول الشحنة، من قبل مشغلتين لباخرتي كهرباء ومعملي الذوق والجية الجديدين، أنها تحتوي على مستوى عال من الترسبات، وهو ما يخالف العقد الموقع مع سوناطراك.
وتمت مراسلة وزارة الطاقة بمخالفة الشحنة للمواصفات، كما تم التواصل مع شركة سوناطراك التي أبدت موافقتها على استرداد الشحنة وتكليف شركتين بريطانيتين للتحقيق في القضية.
ويكشف مدير شركة "ميدل إيست باور" أبعاداً جديدة في القضية بالقول إن عقد توريد الوقود الذي تم تجديده أربع مرات منذ عام 2005 لم يكن موقعاً مع شركة سوناطراك الأم وإنما مع"سوناطراك بي في أي"، وهي مسجلة في إحدى مناطق الملاذات الضريبية وتأسست عام 1989، حيث قامت بتوقيع عقدين مع شركتي "بي بي انرجي" و"زد. ار. انرجي" لتوريد الشحنات.
وتضمن العقد أن "تقوم الدولة اللبنانية بفتح اعتماد مستندي قبل عشرة أيام من وصول الباخرة"، وأن "تستقبل الدولة الوقود مهما كانت نوعيته، إذا كان مصادقا على النتائج من دول المصدر وليس عند وصوله إلى لبنان".
وسطاء ورشاوى ضخمة
النائبة اللبنانية بولا يعقوبيان قالت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الجزائر لديها نوعية منتجات وقود أفضل من تلك التي يريدها لبنان، بينما هناك تساؤلات تتعلق بـ"لماذا تمت الاستعانة بأطراف أخرى عن طريق وسطاء من سوناطراك للحصول على هذه النوعية من الوقود؟".
وأضافت أن "ما قيمته 400 مليون دولار جرى توزيعها رشاوى على مسؤولين لبنانيين مقابل السكوت عن العقود". وتابعت أن "شركة بي في أي، استخدمت واجهة مالية تصب أموالاً في حسابات 15 شخصاً لبنانياً".
وتحدثت النائبة عن جانب آخر من القضية، وهو الطرف الموقع للعقد فريد بجاوي (ابن أخ وزير الخارجية الجزائري الأسبق محمد بجاوي)، وشكيب خليل وزير الطاقة الجزائري الأسبق، والطريقة التي مكنت بجاوي من الحصول على الجنسية اللبنانية رغم صدور مذكرة توقيف بحقه وملاحقته بالجزائر وإيطاليا، وأن الأمن العام أبلغ رئاسة الجمهورية بخصوص ملاحقته، ورغم ذلك تم الإصرار على تجنيسه، ما يطرح العديد من التساؤلات حول الجهة التي تدعمه.
وأشارت يعقوبيان إلى "وجود رؤوس كبيرة متورطة في ملف الوقود المغشوش، يمكن للقضاء الجزائري المساهمة في كشفها للرأي العام العالمي واللبناني على وجه الخصوص". واتصلت "العربي الجديد" بالوزير الأسبق شكيب خليل لسؤاله بشأن التهم الموجهة إليه من قبل النائب اللبنانية، غير أنه رفض الرد على مختلف الرسائل والاتصالات.
ونشر خليل على حسابه في فيسبوك بيانا يكذب فيه ما سماها "ادعاءات مست بشخصه بخصوص صفقات توريد زيت الوقود إلى لبنان"، محتفظا بحق المتابعة القضائية في حق الإعلام المحلي الذي تناول الخبر.
وأوقف القضاء اللبناني مسؤولين وموظفين حكوميين بتهم تلقي رشاوى وتغيير تقارير، وادعت النيابة العامة على 21 شخصا، بينهم موظفون حكوميون، في قضية استيراد الوقود المغشوش.
بينما تحدث الإعلام اللبناني عن الاستثمار السياسي في القضية، لأن التيار العوني الحاكم (التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية ميشال عون)، مفجر القضية، يصوب على فريقين سياسيين، هما "تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية، على خلفية قرب سركيس حليس، المدير العام لشركة منشآت النفط في لبنان، منه، وعلى حزب القوات اللبنانية، على خلفية قرب شركة "زد. ار. انرجي" منه.
ويرد الفريقان على ذلك بأن المسؤولية تقع على وزارة الطاقة التي يتولاها التيار الوطني الحر منذ 10 سنوات، واعتبرا ما يجري محاولة لإقحام الطرفين في القضية لأسباب سياسية، في وقت لم يتم استدعاء أي وزير للطاقة للتحقيق معه.
سوناطراك تنفي
على صعيد ذي صلة، قالت مصادر داخل شركة سوناطراك من العاصمة الجزائر لـ"العربي الجديد"، إن التحقيقات الأولية التي باشرتها الشركة بشأن ملف "الوقود المغشوش" أكدت "عدم خروج هذه الشحنات من شركة سوناطراك الأم، وأن الشركة لا يمكن أن تغامر بسمعتها مقابل شحنات بقيمة 7 ملايين دولار سنوياً، وخصوصا أنها تتعامل مع كبريات الشركات الأجنبية". وأضافت المصادر أن لدى سوناطراك "شركات مراقبة متعددة تسهر على مطابقة كل الشحنات مع المعايير المتعامل بها دولياً قبل خروجها من المواقع".
وتحتل شركة سوناطراك المركز الـ12 في ترتيب شركات النفط في العالم، حسب التقرير الدولي لأفضل شركة نفط عام 2004، كما تحتل المركز الأول في أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال وثالث مصدر للغاز الطبيعي في العالم.
وقال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب لـ"العربي الجديد"، إن الوثائق التي اطلع عليها، تؤكد عدم صحة ما تم تداوله حول القضية، مضيفا أن "الأمر لدى القضاء حالياً للفصل فيه وسيتم الكشف عن الحقيقة".
وكان المسؤول في الرئاسة الجزائرية محمد السعيد، قد قال في تصريحات صحافية في 20 مايو/ أيار الماضي، إن فضيحة الوقود المغشوش "قضية لبنانية داخلية، والدولة الجزائرية غير متورطة وغير معنية، وهناك شركة تجارية تابعة لسوناطراك، هي التي باعت الوقود".
وأضاف السعيد أن "رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمر وزارة العدل بفتح تحقيق في ملابسات القضية، وإذا ثبت تورط أشخاص، فالقضاء سيحاسبهم، لكن المؤكد أن الدولة الجزائرية لا علاقة لها بالقضية".
وبعد إثارة القضية في لبنان، أصدرت "سوناطراك" بياناً وصفت فيه ما نقلته الصحف اللبنانية بأنه "ادعاءات غير صحيحة وكاذبة"، وقالت إن "قضية الوقود المغشوش تتعلق بخلاف يعود إلى 30 مارس/ آذار الماضي، عندما تلقت سوناطراك إشعاراً من وزارة الكهرباء والمياه اللبنانية، بخصوص عيب في النوعية لإحدى شحنات الوقود المسلَّمة لشركة كهرباء لبنان بتاريخ 25 من الشهر ذاته".
وتوقعت الشركة حينها "تسوية فعلية ونهائية لهذه الوضعية قريباً، نظراً للعلاقات المتميزة التي تربط الطرفين"، مشيرة إلى احترام التزاماتها التعاقدية في ما يخص التموين لشركة كهرباء لبنان، لكنها عادت وأرسلت خطابا إلى وزارة الطاقة اللبنانية في الرابع من يونيو/ حزيران الجاري، تخطرها فيه بعدم تجديد عقد توريد الوقود الذي ينقضي بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2020.
عبد المجيد عطار، المدير العام السابق لمجمع سوناطراك (1997 إلى 2000)، قال لـ"العربي الجديد": "من الواجب تحديد المسؤوليات في هذه القضية، وهل خرج الوقود مغشوشا من شركة سوناطراك من موانئ الجزائر، أم أنه مستورد من دول أخرى، أم أنه أصبح مغشوشا في الطريق إلى لبنان أو لدى وصوله؟".
وأشار عطار إلى أن ناقلات النفط تتم مراقبتها عند الشحن من طرف شركات مراقبة مستقلة بخصوص النوعية والكمية وتقديم محضر حول النوعية والكمية قبل مغادرتها الموانئ وبعدها.