وقف الاتفاقيات مع الاحتلال: العبرة بالتطبيق

27 يوليو 2019
يمنع الاحتلال سفر أي فلسطيني بلا معلومات عنه(شادي حاتم/الأناضول)
+ الخط -
انتهى اجتماع القيادة الفلسطينية الذي وُصف بالمهم والذي سيضع الفلسطينيين "على مفترق طرق"، ليل الخميس الماضي، ليكمل الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمس الجمعة طريقه إلى تونس للمشاركة في جنازة الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي اليوم السبت، بعد أن أعلن وقف العمل بالاتفاقيات الموقّعة مع الجانب الإسرائيلي.
لكن ما يعلمه الفلسطينيون جيداً أن خروج عباس من بيته في منطقة البالوع في رام الله باتجاه الأردن عبر "معبر الكرامة" يحتاج إلى تصريح إسرائيلي نصّت عليه الاتفاقيات الموقّعة مع الاحتلال، وتحديداً من حاكم الإدارة المدنية العسكري، وهو حاكم الضفة الغربية أيضاً، والذي لا يستطيع أن يتحرك أي مسؤول فلسطيني من دون تصريح منه، كما قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، أكثر من مرة.

إعلان عباس "أن القيادة قررت وقف العمل بالاتفاقيات الموقّعة مع الجانب الاسرائيلي، وتشكيل لجنة لتنفيذ ذلك، عملاً بقرار المجلس المركزي"، والذي تم التعامل معه كخبر عاجل، أثار ردود أفعال ما بين عدم التصديق والتندّر، لأن الخبر العاجل تكرر أكثر من مرة سابقاً، سواء في قرارات المجلس المركزي الذي اجتمع مرتين في العام الماضي في أغسطس/ آب وأكتوبر/ تشرين الأول 2018، وقبله المجلس الوطني في مايو/ أيار، وقبل ذلك كله اجتماع أول للمجلس المركزي في مارس/ آذار 2015. وطيلة السنوات الخمس الماضية، كانت التصريحات حول تشكيل لجان لتنفيذ آليات قرار وقف العمل بالاتفاقيات الموقّعة مع الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل، مثل حقن المهدئات التي يعلن عنها الرئيس الفلسطيني كقرارات في خطاباته، وينهي بها المجلس المركزي جلساته على شكل بيانات ختامية.

يقابل اللامبالاة والتندّر الشعبي تذمر رسمي عبّر عنه أعضاء في اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية لحركة "فتح"، خلال اجتماع القيادة مساء الخميس في مقر الرئاسة، إذ كانت مداخلات أعضاء التنفيذية مثل تيسير خالد وبسام الصالحي، وأخرى لأعضاء اللجنة المركزية لـ"فتح" مثل محمود العالول وتوفيق الطيراوي وعباس زكي، تنقل تذمر الشارع، والخشية من فقدان ما بقي من قاعدة شعبية وثقة بالقيادة، إن لم يتم تنفيذ هذه القرارات. وأمام هذه الانتقادات والنقاش الساخن، أخرج عباس من جيبه ورقة وقال لهم "لديّ قرار هذه المرة"، وكان القرار هو "وقف العمل بالاتفاقيات الموقّعة مع الجانب الإسرائيلي".

أعضاء القيادة الذين شاركوا في الاجتماع لم يكونوا على علم بفحوى أو مضمون الاجتماع، الذي وصفه المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة بشكل مسبق بأنه "سيكون مفترق طرق على كافة المستويات، سواء ما يتعلق بسلسلة الإجراءات الإسرائيلية المرفوضة، وانتهاء بالتحديات الأميركية ومحاولتها دعم الاستفزازات الاسرائيلية".
مع التذكير أن عباس هندس اجتماع القيادة الفلسطينية على طريقته، إذ لم يعد اجتماع القيادة مقتصراً على منظمة التحرير، وهي أعلى هيئة تنفيذية فلسطينية، وباتت منذ سنوات لها صفة استشارية وتم إضعافها لصالح لجنة عليا، كما كان في قرار المجلس المركزي في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، أو عبر تشكيل اجتماعات موسعة للقيادة يكون فيها أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مدعوين إلى جانب أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" وقيادات الأجهزة الأمنية ومستشاري عباس، وهي صيغة "القيادة" التي استحدثها عباس منذ سنوات على حساب اللجنة التنفيذية للمنظمة التي بات ترؤسه لاجتماعاتها نادراً جداً.


ولا يستطيع أي عضو من القيادة التي حضرت الاجتماع أن يعطي معلومات حول كيف سيتم وقف العمل بهذه الاتفاقيات، أو ما هي الخطة، لأنهم ببساطة لا يملكون مثل هذه المعلومات، إذ يتحدثون بشكل عام من دون أي تفاصيل يتعطش لها الشارع، وتكشف حقيقة إن كانت القيادة ذاهبة بالفعل نحو تنفيذ قراراتها، أم تكرارها مرة تلو المرة، لامتصاص غضب الشارع بعد كل اعتداء إسرائيلي، مثل تشريد أهالي وادي الحمص بعد هدم مبانيهم أخيراً.
العارفون بالاتفاقيات من المسؤولين يقولون "إذا كانت القيادة جادة في قراراتها فيجب أن تبدأ من ملفات معروفة جداً، هي "سجل السكان" و"سجل المرور"، وهذا هو امتحان القيادة الحقيقي بعيداً عن الأخبار العاجلة المكررة والقرارات المعادة أكثر من مرة، والأهم أن إعلان وقف العمل بهذه الملفات لن يكلف قطرة دم إسرائيلية واحدة، أي مقاومة "سلمية" كما يريدها الرئيس أبو مازن دوماً".

ويُعتبر "سجل السكان الفلسطيني" الذي تقوم وزارة الداخلية الفلسطينية بتزويد الاحتلال بمعلوماته، لجهة الولادة والوفاة والطلاق والزواج، من أبجديات اتفاق أوسلو الذي لم تتأخر السلطة يوماً عنه. وتتولى وزارة الداخلية الفلسطينية، وهي المسؤولة عن "سجل السكان"، تحديث أو "تشبيع" الاحتلال بكل المعلومات المحدّثة عن الفلسطينيين، وكلمة "تشبيع" هي المستخدمة في أوساط موظفي الداخلية في ما يتعلق بإرسال المعلومات إلى الاحتلال الإسرائيلي.

وعلى سبيل المثال، فإنه عند إصدار أو تجديد أي فلسطيني لجواز سفره، يقوم موظف الداخلية "بتشبيع" الجواز الجديد لدى الاحتلال، وفي حال لم يتم "تشبيعه" أو تأخر ذلك، وأراد الفلسطيني السفر، فإن الاحتلال يمنعه من السفر عبر "معبر الكرامة" الذي يسيطر عليه الاحتلال، لوجود مشكلة إما تتعلق بأن جواز السفر جديد ولم تصل نسخة عنه إلى الكومبيوتر الإسرائيلي أو أن جواز السفر قديم ولم يتم "تشبيع" الجديد إلى الكومبيوتر الإسرائيلي، وفي كلا الحالتين لا يتم التعامل معه ويمُنع من السفر.

تزويد الاحتلال بالمعلومات عن السكان، أي "تشبيع" المعلومات، ينسحب أيضاً على المواليد الجدد، والوفيات، والطلاق والزواج، وإضافة الأولاد لبطاقة الهوية الشخصية للأب والأم، وأي إجراء رسمي يقوم به الفلسطيني. وعادة ما يطلق الفلسطينيون على هذا الأمر من باب السخرية السوداء "كومبيوتر واحد"، أي أن المعلومات ذاتها التي لدى الكومبيوتر الفلسطيني في وزارة الداخلية موجودة لدى كومبيوتر ضابط الاحتلال في الإدارة المدنية الإسرائيلية.
وحاولت حركة "حماس" عام 2014 أن تتمرد على وظيفة "تشبيع" المعلومات لدى الاحتلال، بامتناعها عن تزويد الداخلية الفلسطينية في رام الله بأسماء الوفيات، فكان العقاب الإسرائيلي بمنع أي معاملة من قطاع غزة، لتنصاع "حماس" وتعود لـ"تشبيع المعلومات".

وفي تصريح لعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" دلال سلامة، لـ"العربي الجديد"، حول ماذا يعني وقف العمل بالاتفاقيات على الأرض، قالت: "هذا له تبعات في أكثر من جانب، جوانب تنسيقية في مجالات المواصلات والاقتصاد، وبالتأكيد في أكثر من ملف في هذا الموضوع مثل سجل السكان والأرض، وقضايا موجودة وتم التطرق لها في الاجتماع".
وحول كيفية التعاطي مع هذه القضايا، قالت: "أعلن الرئيس أبو مازن عن تشكيل لجنة لمتابعة هذا الأمر، ما يعني أن كل القضايا المترتبة على العلاقة مع الاحتلال وتتطلب تنسيقاً بهذا القدر أو ذاك يجب وقف العمل بها". وأضافت: "لم يتم تشكيل اللجنة بعد، سيتم تشكيلها خلال الأيام القليلة المقبلة، وهذه قضية غير خاضعة للمراوحة في المكان، نحن أعلنا قراراً سياسياً على مستوى عالٍ وهو وقف العمل بهذه الاتفاقيات وبكل ما تعنيه في كافة المجالات، وبالتالي هذا يعني أن تكون هناك لجنة تتابع كافة الجوانب ذات الصلة في المواضيع السياسية والاقتصادية والأمنية وحياة الناس، وكل هذه الملفات ستوضع على الطاولة لمتابعتها".

المساهمون