وقفة مع جليل بناني

22 يناير 2020
(جليل بناني، تصوير: محمد كيليطو)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "من أجل تأصيل الأفكار ومعاينة الواقع والتواصل مع الناس"، يقول المحلّل النفساني المغربي في لقائه مع "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟

- يتوزّع الوقت معي بين العمل في عيادتي، والأنشطة ضمن المجتمع المدني، والكتابة. أنا دائماً بين الطب النفسي والتحليل النفسي، لكن ممارستي لهما تتداخل مع الثقافي والاجتماعي، وهذا الكلّ يمثّل التزاماً مواطنياً بالنسبة لي. أعتقد أن الكتابة لا غنى عنها من أجل تأصيل الأفكار ومعاينة الواقع والتواصل مع الناس. إنها ثلاثة مستويات تتغذّى من بعضها وتتحاور باستمرار، غير أنه من الصعب تحقيق توازن بينها.


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟

- مؤخراً اشتغلتُ على الترجمة العربية لكتابي "التحليل النفسي في أرض الإسلام". لستُ المترجم، ولكني أراجع بعض الفروقات، وأدقّق المعاني، كما أحرص على تحيين بعض العبارات، وأستعين في ذلك بعدد من الأصدقاء لمعرفة آرائهم. أما عملي القادم فسيكون في تواصل مع هذا الكتاب، سيأخذ في الاعتبار السجالات الواقعة اليوم حول نزع الكولونيالية من الأذهان والمعارف، وسيكون المغرب العربي هو فضاء دراستي.


■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟

- أقول إنني راض نسبياً. منذ أن أنتهي من عمل ما أنظر إليه على بُعد مسافة وأقول في نفسي: كان عليّ أن أقول هذا الأمر أو ذاك، يساعدني ذلك في معرفة ماذا عليّ أن أفعل لاحقاً، بما يساهم في مواصلة الاشتغال والتجدّد في نفس الوقت. وهذا مهم وطبيعي حين نندرج ضمن الكتابة الفكرية، والأمر مختلف بعض الشيء مع الشعر مثلاً. الكتابات الفكرية محكومة بسياقاتها وعليها أن تتابع تطوّر الأفكار.


■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- إلى جانب التخصّص الذي سبق لي أن اخترته، اهتممت بالفلسفة والأنثروبولوجيا. وهما مجالان معرفيان لا يمكن أن يتغاضى عنهما المحلل النفسي ولا الطبيب النفسي. على صعيد آخر، أعتقد أنني قليل الاندماج في الحقل الأدبي، وهذا نقص ينبغي تجاوزه. الأدب والشعر يغذّيان الفكر بطرق مختلفة. من حسن حظي أنني التقيت في حياتي بفنانين كثيرين، هذه اللقاءات تشبه هدايا في الحياة، ولكن حدث ذلك بشيء من التأخير.


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- يمكن أن نحلم بعالم أكثر عدالة، وأكثر مساواة بين سكّانه، وأن يجري توزيع ثرواته بطريقة أفضل. لو كنا عمليّين أكثر، سأقول: أودّ أن تكون الثقافة مغروسة بشكل أكبر في مجتمعاتنا، أن تكون محترمة أكثر، ومثمّنة بطرق أفضل.


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟

- عبد الكبير خطيبي. إنه شخصية فذة. بفضله تعرّفت على أسماء فكرية أساسية مثل جاك دريدا وفرانسوا شينغ وتزيفيتان تودوروف. كانت تجمعني به صداقة عمل متطلبة ولكنها بدون تنازلات. نشتاق اليوم كثيراً إلى عبد الكبير خطيبي.


■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟

- قبل العودة إلى المغرب بعد سنوات تحصيلي الجامعي وسنوات أخرى من ممارسة الطب النفسي بالقرب من باريس، كنت أود لقاء المحلل النفسي الفرنسي جاك لاكان (1901 - 1981) وقد كتبت له، لكن حصل ذلك متأخراً، أي في فترة من عمره لم يعد يستقبل فيها أحداً. أردت أن أحدّثه عن مشروعي بالإقامة في المغرب. بفضل لاكان، تعلمتُ أن التحليل النفسي يخترع نفسه بشكل دائم؛ مع كل حالة، ومع كل لغة، ومع كل سياق ثقافي.


■ ماذا تقرأ الآن؟

- أقرأ للمفكر الكاميروني أشيل مبيمبي. إنه فكر ثاقب ضمن تيار مابعد الكولونيالية. أيضاً أقرأ لفرانز فانون الذي يعود فكره بقوة اليوم. هذه القراءات تغذّي وتحيّن انشغالاتي.


■ ماذا تسمع الآن؟ وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- أعيد الاستماع إلى أعمال فرقة البيتلز ومجموعات موسيقية أخرى من نفس المرحلة. كانت لدى هؤلاء روح ابتكارية لا تزال مؤثرة في الأجيال الفنية التي تلتهم. لكن بشكل عام، أجد أن الاستماع للموسيقى مرتبط باللحظة التي نعيشها وبحياتنا الداخلية. توجد لحظات من حياتي استمعت فيها بشكل مكثف إلى موتسارت وشوبان وماهلر... من بين جميع الفنون، تظل الموسيقى الأكثر قدرة على ملامسة الحساسيات والأجساد والأذهان. لذلك فأنا أنصح دائماً بالغوص في الموسيقى بحسب ما نشعر وما نعيش وما نبحث.


بطاقة

كاتب وطبيب ومحلّل نفسي مغربي من مواليد مكناس عام 1948. يرأس "حلقة التحليل النفسي" ويدير الأبحاث في جامعة باريس ديدرو 7. من مؤلفاته: "الجسد المتهم" (1980 / 2015)، و"التحليل النفسي في أرض الإسلام" (2008)، و"محلل نفساني في المدينة" (2013)، و"طريق ما أطوله.. أقوال لاجئين إلى المغرب" (2016). حصل في عام 2002 على "جائزة سيغموند فرويد" في فيينا عن مجمل مسيرته.

المساهمون