وقفةٌ لا بد منها

05 فبراير 2015
لا نتوقف عن الحلم إلا عندما يكون فنكون (Getty)
+ الخط -

أصبح من الضروري التوقف قليلاً والتشديد على أن لا يعيب ثورات الشعوب العربية ما نالها، وينالها، وبالقطع لن يتوقف عن استهدافها، من خطاب متحامل مشحون بأقصى وأقسى مستويات التحقير والتسفيه والتقليل من شأنها، خاصة إذا ما أخذ في الحسبان أن النظر إلى نقيض أو طرف، من شأنه أن يقدم تعبيرات معقولة، أو يسهل الإمساك بخيوط دالة على ما لدى الطرف الآخر وماهيته.

وبالتقدم نحو سؤال من هو الواقف في وجه ثورات الشعوب العربية، وما هي مفردات خطابه وحاملاته، يمكن القول إن كل ما هو رديء وذو صلة بعصور الظلام والعسف بكل ما هو آدمي، يكمن في هذا الخندق، خندق الثورات المضادة، أو لنقل خندق المتحجرات المضادة لنضال الشباب العربي وطموحاته، ولم يكتف هذا الخندق بما جناه عقودا طويلة على مستقبل وواقع شعوب العرب الواقعة بين فكي تسلطه عليها وإفقاره إياها.

وبذكر الإفقار، فمما لا مفر من أمامه، على الأقل إنصافا لأرواح من افتدو ترابهم وناسهم وهواء بلادهم الذي ابتغوه حرا كريما، الإشارة إلى، بل والإقرار بأن الإفقار لم يقتصر على مقدرات الدول، التي حكمت بأيدي المستبدين وآلاتهم الأمنية، ولم يتوقف عند استقدام كل ما هو مضاد لمصالح الشعوب وإحلاله فوق ترابها الوطني والتمهيد لمخالبه أن تغرس في العمق من عمق هذا التراب، بل تعدى ذلك بكثير، ضمن مصفوفة الترابط في التجريف كي يكون ناجعا محققا لمبتغى سلطة المستبد، فامتدت الأيادي السوداء إلى المؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والحقوقية، تناولت كل ما يتعلق بإيجاد مجتمع مدني ينوب عن المجتمع في وجه التغول والتسلط، وأطاحت به قدر ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

وبكل توكيد، تم استكمال هذا التجريف كله بعد أن كان ما يعرف ويجب أن يكون مؤسسات دولة قد أمسى نسيا منسيا، بفعل الأدوات عينها، التي لم توفر كل ما هو صالح لأن يكون بذرة أمل إلا ونكلت به شرّ تنكيل.

لكن، والأهم، يبقى التساؤل عمّا حلّ بثورات هذه الشعوب الحرة بروحها وحلمها وإرادة التغير النابضة لديها! تعسكر الحراك الثوري في سورية، صحيح. تلاشت الكثير من الحناجر في اليمن، معقول. سُجنت واعتُقلت وأُسكتت واقتُلعت زهرات ميدان التحرير، هذا صواب. حُورب وقُصف من نادى بالحرية في ليبيا ولها، هذا ما نشهده. هُجّر واختفى من قال لا للطائفية والطائفيين في العراق، من يجرؤ على النكران؟ طُرد وغُدر من قال فلسطين هي البوصلة والعودة هي الدرب، من الشقيق قبل العدو، هذا هو الحال.

ولكن، وتبقى الـ"لكن" دوما متيقظة مع يقظة شباب العرب في أوطانهم ومنافيهم، بقدر ما هز ربيع الشعوب أسس الاستبداد ومفاهيم الاستعباد، وبقدر ما جاء هذا الربيع وحدويا حضاريا جميلا عربيا خالصا لوجه الحرية، كان، ولم يزل، الشباب العربي حريصا على أن يكون لثوراته مكان في التاريخ، وأن تكون لإرادته النبيلة ترجمة يمكن تلمسها على أرض الفعل والواقع، ويمكن لزارع الحياة في حقله إلى جانب النيل أن يستظل بظلال هذا المأمول الواقعي المحق، تماما كما يمكن للحجر المتنسك في يد الفتى المقدسي لحظة انطلاقه لدك جمجمة المستعمر أن يأمن لوجود هذا الظل.

صحيح أن سنوات أربع قد مرت، وما جرى تحقيقه يقف متواضعا أمام هول ما نال الشعوب عقابا على فعلتها بحق من ظلموها وضللوها طويلا، وصحيح أن العديد من القوى الدولية قبل الإقليمية وقفت في درب حلم الشعوب سدا شرسا، لكن وقبل النظر إلى راية الربيع التي لا بد أن تستكمل صعودها بما لها من مكان في صدور من لم يتوقفوا عن النشيد اليقيني بها، لننظر كم من ثورة من زمن قديم تتغنى بها الشعوب اليوم، وتعترف لها بطول المسير وجلالة الإنجاز، فلا نتوقف عن الحلم إلا عندما يكون فنكون.

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون