وقعُ التفجيرات في سورية أعلى من قرع طبول السامبا

09 يونيو 2014
أكلت سنواتُ الحرب سنوات السوريين الجميلة (Getty)
+ الخط -

 بينما تتجه أنظار شعوب العالم إلى البرازيل، حيث اقترب موعد المونديال، تبقى أنظار السوريين شاخصة، نحو ما يجري في بلادهم من قتل ودمار وسفك للدماء، وهم الذين كانوا، حتى الأمس القريب، من أشدّ المتحمسين للعبة و"مونديالاتها" المتتالية.

خرج المونديال من أولويات السوريين، الذين كانوا يحتفلون بطقوسه كلما هلّ عليهم، لكن سنوات الحرب العجاف هذه أكلت سنوات السوريين الجميلة، ليدخلوا في دوامة بين شوطين من براميل الموت والدمار ولملمة الجثث، ووقت الحياة المستقطع بينهما.

غير أن ذلك لا يعني عزوف السوريين،  بالمطلق، عن متابعة المونديال، إذ تختلف العوامل، التي تتحكم في نسبة من يتابعه من السوريين، منها ما يتعلق بمناطق المعارك الساخنة، أو تلك التي تشهد هدوءاً أمنيا، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الاشتراك في المحطات الرياضية "المُشفـَّرَة" التي تنقل الحدث.

يحدث ذلك في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، التي بات يعاني منها معظم السوريين، والتي قد تحرم الكثيرين منهم في الداخل من متابعة مونديال البرازيل، حتى لو كانوا في مناطق آمنة، أو أولئك اللاجئين خارج الحدود.

مونديال وبراميل

في حلب الملتهبة، بدا السوريون غير مهتمين إلى أن الحدث الكروي الأكبر، ينطلق بعد بضعة أيام، وهم يحاولون الاختباء في مناطق آمنة، ولو إلى حين. كما أن الناس منشغلون بإحصاء عدد البراميل المتساقطة فوق رؤوسهم، ومواساة أهالي القتلى والجرحى.  

"ليس هناك في حلب أدنى اهتمام بموضوع كأس العالم، بسبب القصف والفقر والغلاء. فهمُّ الحلبيين اليوم هو الأمان فقط، والتخلص من البراميل، التي تزداد يوماً بعد يوم". هذا ما يقوله عمر عرب من حلب لـ "العربي الجديد".

ويشير الناشط الإعلامي، أحمد الأحمد، إلى أن "ما يشغل أغلب الشباب حالياً هو المعارك الدائرة، والنزوح المستمر، والقصف". ويلفت إلى أنه كان يتابع الرياضة، أما الآن فإنه يتابع أخبار الجبهات فقط. 

من جهتها، توضح الخبيرة في علم النفس، لميس الشيخ، أن "الشباب لم ينس اهتماماته، لكنه يتناساها بسبب الإحباطات الكثيرة، وضبابية المستقبل". وتتابع بأن "الشباب وقع فريسة الماضي والحاضر. هذا الحاضر، الذي لم يجلب لهم إلا الخيبة". وتقول: "عندما تسأل أي شاب سوري: ما هو حلمك؟ سوف يضحك كثيراً، لأنه غير قادر على التفكير، فقد تحول كل شيء إلى مصدر للقلق".

ويؤكد عصام، المقيم في ريف محافظة ادلب الشمالي، أنه لم ينتبه إلى أن هناك مونديالا سيبدأ قريبا. يقول: "لا توجد لدينا أية أجواء للمونديال. من الممكن أن تجد عدة شباب مهتمين، ولكن بشكل عام ليس هناك أي اهتمام. حتى أني لا أعرف متى يبدأ المونديال، علماً بأنني كنت من المتابعين له في السابق.. الوضع من سيىء إلى أسوأ".

أما في دير الزور، شرقي سورية، والتي لا تقل سخونة الأوضاع فيها عن حلب، فقد بدأت الأجواء "المونديالية" تأخذ حيزاً واضحا في حياة الناس هناك، وانتقلت إلى المقاتلين.

يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "بسبب ظروف الحرب، والوضع الاقتصادي الصعب، وارتفاع سعر الاشتراك في المحطات (المشفرة)، التي تنقل مباريات كأس العالم، تشكّلت بين الشباب في الداخل مجموعات قامت بجمع المال للاشتراك. إضافة إلى ما يتبع ذلك  من مصاريف، مثل ثمن الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء، وتخصيص مكان عام، أو غرفة كبيرة في بيت ٍ مختار ٍ بعناية من حيث الأمان من القصف، وعدم التسبب بالإزعاج لأصحاب البيت أيضا".

غياب في دمشق

في العاصمة دمشق، ورغم الهدوء النسبي، الذي تتمتع به، فقد رصدت "العربي الجديد" انعدام مظاهر المونديال، التي اعتادتها المدينة سابقا، حيث كانت أعلام الفرق المشاركة تزيّن شرفات المنازل وواجهات المحال التجارية والمقاهي والمطاعم، إضافة إلى السيارات التي كانت تجوب الشوارع احتفالا بهذا الحدث العالمي.

يقول الشاب الجامعي، محمود السعيد، الذي اعتاد انتظار المونديال ومتابعته منذ نعومة أظافره: "في مونديال عام 2010، كنا نجتمع، عشرات الأصدقاء، في المقهى لنعيش أجواء المباريات وكأننا في الملعب. اليوم، كثيرون من أصدقائي لم يعودوا موجودين، فمنهم من قتل، ومنهم من خرج من البلاد، ومنهم من اعتقل أو اختطف".

من جانبه، يشير الموظف، أيمن العبد الله، إلى أنه لن يتمكن من متابعة المونديال هذا العام "فسعر الاشتراك أكثر من أربعة أضعاف راتبي الشهري، وأعباء الحياة زادت بشكل كبير، فلم نعد نستطيع تأمين قوت يومنا حتى نرفّه عن أنفسنا".

ووصل سعر الاشتراك في المحطات "المشفَّرَة"، التي تنقل المباريات، إلى نحو 60 ألف ليرة سورية (حوالى 350 دولاراً)، في حين أن متوسط دخل الموظف السوري نحو 15 ألف ليرة، بينما يقدر الحد الأدنى لحاجة العائلة السورية شهريا بنحو 80 ألف ليرة.

وأعلنت عدة مقاهٍ في دمشق عن عروض لمشاهدة مباريات المونديال، ولكن بأسعار تفوق ثلاثة أضعاف ما كانت تتقاضاه في المونديال الماضي، حيث يتخوف أصحاب تلك المقاهي من قلة الزبائن، بسبب تأخر موعد المباريات.

 فيتو رياضي ضد إيران وروسيا

أرخت مشاركة منتخبي إيران وروسيا في مونديال كأس العالم بظلالها السياسية على مواقف السوريين، الذين يستطيعون متابعة المباريات بحرية أكثر، بحكم وجودهم خارج سورية.

يقول فراس، المقيم في مدينة كليس التركية، إنه لن يشجع إيران مطلقاً بسبب موقفها من الحرب السورية، "أما روسيا فأنا أعتقد أنها مغلوب على أمرها". ويضيف فراس، مؤكدًا أنه بسبب الحالة المادية، قد لا يستطيع متابعة الفريق الذي يعشقه، ايطاليا، بسبب ارتفاع تكاليف الاشتراك في تركيا، والتي ربما تصل إلى 350 دولاراً"، وهذا ما يمكن أن يكفيني معيشة أكثر من 20 يوماً".

ويرى علي، المقيم في مدينة أرسوز التركية، أنه لن تتسنى له مشاهدة المباريات بشكل جيد، بسبب ظروف العمل القاسية. يقول: "سأحاول أن أتابع المونديال، فأنا شاهدت كل المبارايات الرياضية منذ مونديال عام 1986 وحتى الآن". أما عن موقفه من فريقي إيران وروسيا، فيقول: "سأشجع أي فريق يلعب ضدهما، وسأتابع مبارياتهما لأحتفل بأهداف خصومهما، لكن ما يزعجني أكثر من فريقي هذين البلدين، هو أنني لا أعرف إن كنت سأشجع الجزائر أم لا".

من جانبه، يعتبر جوان، المقيم في أنطاكيا، أن متابعة المونديال في هذا الوقت رفاهية، "في الوقت الحالي لا أهتم بالرياضة مطلقا، ولا ألتفت إلى أخبارها، فالظرف السوري هو استثنائي الآن، ولا يحتمل مثل هذه الأمور، التي تندرج في خانة الرفاهية، التي فقدها الشعب السوري. تكفينا أخبار الموت، التي تردنا من الداخل السوري إزاء براميل الطاغية". 

في السياق ذاته، يرى همام حداد، المقيم في فرنسا، أن علاقة السوريين بكأس العالم لم تتغير "ما زلت قادراً على أن تسمع نقاشات عن الفريق المتوقع أن يحصل على الكأس، أعتقد أن حماس السوريين لتشجيع فرقهم لم يَخـْبُ كثيراً، وبشكل عام ينحصر تشجيعهم للفرق التقليدية القوية، أما تشجيع إيران وروسيا، فهو في الأصل غير وارد، بغض النظر عن المواقف السياسية للبلدين".

ويرجع همام المسألة إلى الوضع المعيشي للاجئ السوري بشكل عام، حيث يرى أن "انخراط اللاجئين السوريين في مسائل أو ظواهر عامة قليل نسبياً. وهو أمر طبيعي بسبب الوضع العام للاجئ. فأغلب القادمين لديهم ضغوط كبيرة من أجل استكمال أوراقهم، وتأمين السكن وبقية الأمور الحياتية، وهذا بطبيعة الحال سيؤثر على متابعتهم للمونديال".